معرض فلسطين الدولي للكتاب في دورته الثالثة عشرة، الذي استمر لمدة عشرة أيام، من السابع حتى السابع عشر من سبتمبر/أيلول، بدا مختلفا هذا العام ويحمل رؤية أنضج من التجارب السابقة.
في فلسطين يقام معرض الكتاب خلال السنوات الماضية بشكل متقطع، حسبما تسمح الظروف، ولم تكن هذه الظروف في أي وقت إيجابية، بسبب الاحتلال والتحديات التي يفرضها. فالكثير من الكتّاب العرب والعالميين، يدعون إلى معرض فلسطين، لكن الاحتلال يعيق وصولهم، عبر منع التصاريح، أو تعطيل الإجراءات، وهذا ما ينطبق على دور النشر والقائمين عليها. ولم يكن الأمر مختلفا هذا العام، مع منع العديد من الكتّاب من الوصول إلى المعرض، عبر منع التصاريح. وهنالك العديد من دور النشر، وخاصة اللبنانية، منعت من المشاركة في المعرض.
على الرغم من ذلك، أقيم المعرض هذا العام، تحت عنوان "من النكبة إلى الدولة... باقون" بمشاركة 390 دار نشر عربية وأجنبية، و95 كاتبا من فلسطين، ودول عربية مختلفة، مشتملا على الأنشطة المختلفة، المتعلقة بتوقيعات الكتب، وورش العمل المتعددة في الأدب والفن، والأمسيات الشعرية، والمسرحية، والحفلات الموسيقية، وكذلك الحوارات حول السينما، وورش الفن التشكيلي، وعلى معرض للوحات، وكذلك على أنشطة أدب وفن الأطفال، ليشكّل ظاهرة ثقافية هي الأكثر شمولية في فلسطين، في ظل ظروف استثنائية.
لطالما تعمّد الاحتلال قطع الطرق وتعطيل تنقل المواطنين، وهذا ما أضاف تحديا كبيرا في طريق إنجاح فعاليات المعرض، لكن على الرغم من ذلك كله، توافد الناس بأعداد لافتة
تقول سهام السايح، من وزارة الثقافة الفلسطينية، لـ"المجلة" إن معرض فلسطين الدولي للكتاب، يعقد للمرة الأولى لعامين متتاليين، في ظل سعي الوزارة إلى استمرار إقامة المعرض كل عام، وليس بشكل متقطع.
وتفيدنا السايح بأن هذا العام شهد تنفيذ أكبر معرض للكتاب في تاريخ فلسطين، من حيث عدد الناشرين والكتب، والمساحة، حيث شارك في المعرض 120 ناشرا عربيا، وشهد أكبر حضور للكتّاب العرب، كما شارك خلاله كتّاب من الداخل الفلسطيني المحتل، وقطاع غزة والشتات.
وفي ظل التطور التكنولوجي، وتنامي دوره في الإطار الثقافي، شهد معرض فلسطين للكتب هذا العام، نقلة نوعية تمثّلت في حضور التكنولوجيا داخل المعرض.
تقول السايح: "لقد شمل المعرض مشاركة أجنحة لدور النشر تهتم بالقراءات الرقمية، والتسجيلات الصوتية للكتب، كما كان هناك جناح خاص لويكيبيديا فلسطين".
تحديات
لطالما اتسمت الحياة الفلسطينية في ظل الاحتلال، بالمشقة والعذاب، إذ يستمر الاحتلال في تعطيل سريان الحياة الفلسطينية في الجوانب كافة؛ تارة من خلال المنع، وتارة أخرى من خلال وضع العراقيل، مما يجعل تنفيذ أي حدث، محاطا بالتحديات، فما بالكم إن كان الحدث يتعلق بشحن الكتب عبر المعابر، وتنفيذ إجراءات دعوة عدد كبير من الكتّاب والناشرين العرب.
تضيف: "لطالما تعمّد الاحتلال قطع الطرق داخل الضفة الغربية، وتعطيل تنقل المواطنين، وهذا ما أضاف تحديا كبيرا في طريق إنجاح فعاليات المعرض وتنفيذها، وتنقل الجمهور الشغوف للثقافة، لكن على الرغم من ذلك كله، توافد الناس إلى ساحة المعرض، بأعداد لافتة".
عزلة
لطالما تمثّلت الأزمة الثقافية الفلسطينية في الاحتكاك الثقافي، وفي ظل فرض العزلة لسنوات طويلة من قبل الاحتلال، عبر المنع والحصار وإغلاق المعابر، بقي الكتّاب الفلسطينيون لوقت طويل في تلك الدائرة المغلقة، دون تبادل ثقافي مع زملائهم العرب.
تأتي مثل هذه المحافل الثقافية، بمثابة ثقب ضيق، يمكن للمثقف الفلسطيني أن يرى من خلاله ما خلف الجدار، عبر الاندماج الثقافي وتبادل الخبرات مع الكتّاب العرب.
نحن في حاجة إلى كسر الحصار المفروض على فلسطين، والعرب هم الذين يمنحون معنى لكسر الحصار عن فلسطين أكثر من الغربيين
يقول الشاعر الفلسطيني عثمان حسين: "وجود الكتّاب العرب على أرض فلسطين، يعزز مفهوم الدولة حتى ولو كانت دولة افتراضية في المخيلة العربية، كما يعزز انتماء فلسطين الى العمق العربي، وهذا يعني مزيدا من الاندماج الثقافي الفلسطيني في محيطه الإقليمي".
ويكمل حسين: "نحن في حاجة إلى كسر الحصار المفروض على فلسطين، والعرب هم الذين يمنحون معنى لكسر الحصار عن فلسطين أكثر من الغربيين".
تبقى الرواية الفلسطينية، في حاجة دائمة إلى التجدّد، عبر الأدوات الجديدة والتنوع الثقافي في طريقة الطرح، ولربما صار على الفلسطيني أن يقدّم هذه الرواية عبر المحافل الثقافية العربية، لاستعادة دور فلسطين الثقافي كما كان في الماضي.
يقول عثمان حسين: "الرواية الفلسطينية لم تعد تصل إلى الرأي العام العربي والدولي كما يجب، فلا يزال العديد من جوانبها مظلما وفي حاجة إلى إضاءة وتأصيل، وهذه الفعاليات تساهم في فتح آفاق لم تكن واضحة للقادمين إلى أرض فلسطين".
إقامة المعرض في حضور ضيوفه العرب يكسر الصورة النمطية عن فلسطين، إذ أن هذه الصورة تتمحور حول الاستشهاد والاعتقال وهدم البيوت، وقلما يتم التطرق إلى الثقافة اليومية، والمعرض يكسر هذا النمط
أما الشاعر الفلسطيني خالد جمعة فيرى أن مشاركة الكتّاب العرب على أرض فلسطين، "تساهم في اختلاف زاوية الرؤية للمكان، وهذا ينطبق تماما على معرفة فلسطين، فالمشاركة عن كثب تقدّم الصورة المباشرة والواضحة والحقيقية، وتنقل عبر هؤلاء الزوار التفاصيل التي تغيب عادة عن الإعلام. أما على مستوى الثقافة، فإقامة المعرض في حضور ضيوفه العرب يكسر الصورة النمطية التي يعرفها المثقف العربي عن فلسطين، إذ أن هذه الصورة تتمحور حول الاستشهاد والاعتقال وهدم البيوت، وقلما يتم التطرق الى الثقافة اليومية، والمعرض يكسر هذا النمط".
وفي ما يتعلق بالمحاور الثقافية المتداولة خلال هذا المعرض ومعارض الكتاب السابقة في فلسطين، يرى خالد جمعة أهمية تجديد الطرح، وتدوير العملية الثقافية، عبر طرح موضوعات جديدة.
يقول: "هناك موضوعات متكررة على مدار المعارض السابقة مثل النشر وأزماته، والمسرح والتمويل... الخ، فكان من الأجدى طرح الثقافة الشعبية الفلسطينية في محاور مركزية، بمعنى، إصدار الأعمال المهمة القديمة في طبعات شعبية رخيصة الثمن على سبيل المثل".
متاعب التنقل
يقول الشاعر المغربي حسن الوزّاني، وهو أحد المشاركين في فعاليات المعرض: "هنالك متاعب كبيرة واجهتها، خلال التنقل والدخول إلى فلسطين بسبب الاحتلال، لكننا كنا بحضورنا نوجه رسالة إلى المحتل بأن فلسطين ليست وحدها".
ويكمل الوزاني: "إن التواصل مع الكتّاب الفلسطينيين، والقائمين على المعرض، هو بمثابة تحدٍّ للظروف القاسية التي يضعها الاحتلال دوما في وجه فلسطين والمحبين لها".
مغامرة
وفي جانب دور النشر العربية المشاركة، فإن المشاركة في معرض فلسطين للكتاب، تعتبر مجازفة كبرى، خاصة أن نقل الكتب والمعدات اللوجستية الخاصة بعرضها في الحدث، يعتبر أمرا شاقا ومكلفا، لكن اللافت أن عدد دور النشر العربية في تنامٍ بين عام وآخر، ويتعزز إقبال دور النشر العربية على الرغم من الظروف كافة.
في هذا السياق يرى خالد الناصري، صاحب ومدير "منشورات المتوسط"، أن مشاركته كناشر، في معرض فلسطين الدولي للكتاب، تحمل مغامرة كبرى من حيث المبدأ، لكنه يؤكد أن الحضور إلى فلسطين واجب رغم كل الظروف.
يقول الناصري: "نواجه إشكالية كبيرة في شحن الكتب إلى فلسطين، عبر المعابر، من خلال الاحتلال. فالوضع الاستثنائي الذي تجبر عليه فلسطين، يضع الناشر أمام مغامرة معقدة، حال المشاركة، فلا يتوانى الاحتلال عن تعطيل نقل الكتب، أو تركها على المعابر، حتى التلف، بحجج الأعياد والعطل الرسمية لديه، أضف إلى ذلك الأجرة العالية لشحن الكتب، التي يضعها الاحتلال في وجه الناشرين".
ما يميز معرض فلسطين عن المعارض العربية كافة، هو تلك الرسالة التي يحملها، فوجوده في سياق الاحتلال الإسرائيلي يعتبر تعزيزا للثقافة الفلسطينية
ويرى الناصري أن العطاء الذي قدّمه القائمون على المعرض، يعتبر ميزة لا تتوافر في الكثير من المعارض، يقول: "لقد بدا الأمر لديهم بمثابة تحدٍ بالفعل، ويريدون إنجاحه بأي طريقة"، لافتا إلى الحضور الجماهيري الكبير، وإصرار المكتبات العامة على الحضور إلى المعرض، وهو أمر يتميز به معرض فلسطين عن المعارض الأخرى.
الأسرى يقرأون
يحدثنا الناصري عن خصوصية معرض فلسطين، وهي مشاركة الأسرى الفلسطينيين، الأمر الذي يجسد وجود الثقافة في عمق النضال الفلسطيني، ومكابدة هذا الوجود في ظل الاحتلال.
يقول: "شيء لافت ومثير، أن تواجد جمعيات الأسرى الفلسطينية داخل المعرض، من أجل الحصول على الإصدارات الجديدة لدور النشر، بهدف إيصالها إلى الأسرى الفلسطينيين، وهو أمر محفز أن أشعر كناشر بأن كتبي تصل الى الأسير الفلسطيني".
حسابات الربح والخسارة
أما الناشر الأردني أحمد طراونة، أحد مؤسسي "الآن ناشرون وموزّعون"، فيرى أن مشاركته "بعيدا من حسابات الربح والخسارة، تعدّ كسرا للحصار الثقافي على فلسطين، وفك العزلة التي يحاول الاحتلال دوما فرضها على فلسطين".
وأشاد طراونة الذي يشارك للمرة الثالثة في معرض فلسطين الدولي للكتاب كناشر، بالطريقة التي يدار فيها المعرض، وبشغف الجمهور الفلسطيني للثقافة.
سينما ما قبل النكبة
كان للسينما في معرض فلسطين الدولي للكتاب، لهذا العام، حضور مقنع، عبر تنفيذ ورش عمل تتناول السينما الفلسطينية المعاصرة، ومقارنات بينها وبين السينما قبل النكبة الفلسطينية عام 1948.
تحدثنا الدكتورة الفلسطينية رولا شهوان عن تجربتها خلال هذا العام مع معرض فلسطين الدولي للكتاب: "هذا العام يحمل المعرض رؤية متطورة في الموضوعات المطروحة، وطريقة التنظيم، واللافت ازدياد إقبال طلّاب المدارس والمعلمين والجمهور بشكل عام على المعرض، على الرغم من بعد موقع إقامة المعرض، وصعوبة الوصول إليه من مدينة رام الله والقرى المجاورة، بفعل حواجز الاحتلال".
وتكمل شهوان: "إن تناول تاريخ السينما الفلسطينية ما قبل النكبة، يمثل محورا رئيسا، خلال المعرض، لكنني أتمنى في الأعوام المقبلة، عرض أفلام فلسطينية، قديمة وحديثة، وتقديمها الى طلاب المدارس والجمهور، وإثارة النقاش التفاعلي بعدها، من أجل استمرار عرض الرواية الفلسطينية للأجيال، خاصة أن ثقافة الصورة تهيمن على أدوات العصر الحديث، أكثر من تلك المكتوبة".