تخطي إلى المحتوى
مكتبات الرصيف في دمشق.. مساحات أقل وآفاق أوسع مكتبات الرصيف في دمشق.. مساحات أقل وآفاق أوسع > مكتبات الرصيف في دمشق.. مساحات أقل وآفاق أوسع

مكتبات الرصيف في دمشق.. مساحات أقل وآفاق أوسع

روايات تشيخوف ودوستويفسكي والكتب المخصصة للأطفال على رأس اهتمامات القراء السوريين اليوم كما في كل عواصم العالم، تشغل ظاهرة مكتبات الرصيف جزءا من حالة المعرفة والقراءة لدى الناس في دمشق، وهي الظاهرة التي وجدت منذ عشرات السنين ولم تزل موجودة تصارع من أجل البقاء رغم الحصار المعرفي والمالي الشديد الذي تعاني منه نتيجة مآلات الحرب التي تدور في البلاد. مكتبات الرصيف كانت صاحبة حضور هام في المشهد الثقافي السوري، وشكلت للكثيرين رافدا هاما في تغذية المكتبات الشخصية لكثير من الطلاب والمثقفين. كانت تنشط في أيام العطل وتفترش الأرصفة في الأسواق العامة، واهتم بها الطلاب الجامعيون خاصة لكي يتحصلوا على نسخ كتبهم بأسعار أرخص من المراكز الجامعية. ويتردد على مكتبات الرصيف كذلك عدد من المثقفين لكي يحصلوا على كتب رخيصة أو نادرة. ويروي كثيرون أنهم وجدوا فيها كتبا نادرة وذات قيمة تاريخية كبيرة مثل نسخة بولاق في مصر لألف ليلة وليلة ورسالة الغفران للمعري وبعض روايات نجيب محفوظ القديمة وروائع الأدب الروسي الكلاسيكي. فمن يعرف هذه المكتبات يذكر أنها تحتوي على كتب في التراث الأدبي والديني إلى جانب العديد من المجلات الثقافية والفنية والرياضية ووجدت فيها كتب في الطبخ والأبراج والتنجيم وغيرها من المواضيع الحياتية. ما بعد الحرب ما بعد عام 2011 وبدء أحداث الحرب في سوريا تأثرت حركة النشر والقراءة في البلاد بشكل كبير، وشهدت العاصمة دمشق تراجعا في وجود المكتبات فغابت مكتبات عريقة وتحولت إلى مطاعم أو محلات لبيع الجوالات أو القرطاسية، وتقلص عدد مكتبات الرصيف التي كانت منتشرة في منطقة الحلبوني ومنطقة التكية السليمانية حتى حصرت في منطقة واحدة وهي تحت جسر الرئيس في قلب العاصمة حيث مركز انطلاق وسائل النقل. في جولة حديثة لـ”العرب” في هذه المنطقة، التي صارت محاصرة بعدد من الأكشاك التي تبيع الألبسة الرخيصة وبعض الحوائج الخفيفة، تجولنا في المكان عن كثب ورصدنا بعض التفاصيل عن يوميات هذه المهنة بعد مرحلة الحرب وبقائهم بهذه المساحة. يقول أبوأسامة صاحب إحدى هذه البسطات “أمور المهنة في هذه الأيام ليست بخير، يمر علينا عدد قليل من الناس، ومعظمهم لا يشترون بل يكتفون بالسؤال، كانت أسعار كتب الرصيف أرخص بكثير من الكتب في المكتبات وكانت تجتذب القاصي والداني، وكان يأتينا بعض المثقفين الذين يلاحقون الكتب النادرة ويشترونها بأي ثمن”. ويضيف “سابقا كانت بسطات الكتب تنتشر في أرجاء المدينة كلها، لكنها الآن موجودة بهذه المساحة فقط، نعاني من ضعف حالة التفاعل مع الناس بسبب غلاء الأسعار، الكتاب صار في قاع سلم الأولويات وحل محله انشغال الناس بتأمين المواد الغذائية”. إلى جانب هذه المكتبة، تتموضع مكتبة مختصة بالكتب الأجنبية، التي تقدم للزائر كتبا أجنبية مرجعية في تخصصات علمية مختلفة، يقول صاحبها أبوعبدالرحمن “عملت في مكتبة لبيع المراجع الأجنبية لعشرات السنين، وعندما أغلقت المكتبة وجدت نفسي مجبرا على العمل لحسابي، فصرت أشتري الكتب الأجنبية العلمية التي أعرف عوالمها وأقدمها للزوار في هذه المساحة، كانت الأمور صعبة في البداية منذ سنوات قليلة لكنها الآن أصعب، أسعار الكتب في غلاء مستمر والأجور في حالة تقلص”. عن الكتب التي تروج حاليا يقول "أهم ما يطلب الآن هو الكتب الأدبية وتحديدا الروايات، وكذلك كتب الإدارة والتنمية البشرية، وتطلب أيضا كتب الأدب الواقعي الروسي لتشيخوف ودوستويفسكي وغيرهما كما تطلب كتب ماركس حديثا، وكذلك الكتب المخصصة للأطفال. منذ فترة لاحظت أن البعض يطلب المجلات العالمية الشهيرة مثل تان تان وأستريكس ولاكي لوك”. تاريخ المكتبات تاريخيا، كانت المكتبة الظاهرية التي أنشأها الملك الظاهر بيبرس عام 1277 أول مكتبة عمومية للناس بدمشق. وأنشئت بالقرب من الجامع الأموي في قلب المدينة القديمة وكانت منذ عام 1880 مركزا هاما للتنوير الفكري عندما أقنع والي دمشق مدحت باشا السلطان بأن يسمح للمكتبة بقبول الهدايا من الكتب من الأفراد والكنائس والجوامع. وكلف على إثرها الشيخ طاهر الجزائري بإقناع هذه الجهات بتقديم الكتب. وقام بذلك على امتداد سنوات وحقق نجاحا كبيرا فتم إهداء مكتبات كاملة للمكتبة الظاهرية منها مكتبة عبدالله باشا العظم، ومكتبة الخياطين، والمكتبة المرادية، والمكتبة العمرية، والمكتبة الياغوشية، ومكتبة المدرسة الأحمدية، ومكتبة جامعة يلبغا، وغيرها. وبعد ما يقارب الستين عاما صدر قرار حكومي عام 1930 بإلزام كل صاحب كتاب بإيداع نسختين منه في المكتبة وبقيت المكتبة الظاهرية أهم مركز مستقطب للقراء على مستوى سوريا حتى أسست مكتبة الأسد الوطنية في عام 1983، وصارت جزءا منها. أما أول دار نشر فقد وجدت في سوريا في أواسط القرن التاسع عشر، وفي عام 1932 تأسست مكتبة النوري في ساحة المرجة في قلب مدينة دمشق، وكانت أول مكتبة في سوريا، ووصل عدد دور النشر في عام 2011 إلى حوالي 400 دار كانت تنشط في معظم المدن السورية وخاصة العاصمة دمشق.

المصدر: 
العرب القطرية