تخطي إلى المحتوى
هل هناك ما يسمى بالأدب النسائي؟... مخاوف كاتبات شابات في مصر هل هناك ما يسمى بالأدب النسائي؟... مخاوف كاتبات شابات في مصر > هل هناك ما يسمى بالأدب النسائي؟... مخاوف كاتبات شابات في مصر

هل هناك ما يسمى بالأدب النسائي؟... مخاوف كاتبات شابات في مصر

الكتابة الأدبية ليست أمراً هيناً أبداً، وامتهان الكتابة عموماً أمر له مصاعبه على كل كاتب، لكن بالنسبة للكاتبات النساء فالمصاعب تتضاعف لكونهن نساء، وتتشعب لأمور أخرى خارجة عن إطار الكتابة الجيدة أو غير الجيدة. "السمة المشتركة بيننا نحن الأربع أننا مغرمات بالكتابة، ولدينا أمل ألا تتخلى الكتابة عنا". بهذه الكلمات افتُتحت ندوة بعنوان "الكتابة النسائية الحديثة بين الفن والحرية ونظرة المجتمع"، عُقدت في مكتبة البلد في القاهرة لأربع كاتبات مصريات شابات: نهلة كرم، هبة حسب، ضحى صلاح، ونورا ناجي التي كانت تُدير النقاش.

أدب نسائي

أعربت نورا عن انتماء كلٍّ منهن لخلفيات اجتماعية وحياتية مختلفة، مما يخلق الاختلافات التي تنعكس على أدب كل منهن، وهذا التنوع يعطي فكرة عن تنوع الأدب النسائي في مصر، ومدى تحديد الآخرين له في مصطلح "أدب نسائي" كما قالت نورا، ومن هنا طرحت سؤالها الأول على زميلاتها: "بما تشعرن تجاه السؤال المتكرر على آذاننا؟ هل تصنفين نفسك كاتبة نسوية أم لا؟".

وجاءت إجابتها على السؤال قائلة: "هذا التساؤل يُشعرني أنني أعيش في دائرة صغيرة، رغم أني في الأساس أكتب عن الإنسان وعلاقته بكل ما حوله، لا عن النساء فقط".

واتفقت الكاتبات ضحى ونهلة وهبة مع رأي نورا، وأعربن عن رفضهن لمصطلح "الكتابة النسائية"، كما قالت نهلة كرم: "إذا كانت هناك كتابة ذكورية، وقتها تكون كتابة نسائية".

لا بد من التوضيح أن هناك اختلافاً بين مصطلحي "الكتابة النسائية" و"الكتابة النسوية"؛ فالكتابة النسائية تعني أي عمل أدبي قامت به كاتبة امرأة، أمّا الكتابة النسوية فهي تعني الكتابة التي تهتم بأي قضية أو أمرٍ يخص المرأة، بحسب ما جاء في مقال بعنوان "ما الفرق بين الكتابة النسائية والكتابة النسوية" للكاتبة إلهام العتوم.

وأعتقد أن التفرقة التي تحدث في جميع المجالات العملية، وفي الحياة الاجتماعية في مصر على أساس الجنس، هي سبب رفضِ الكاتبات تصنيفَ كتابتهنّ ككتابة نسوية أو نسائية، واعتبار هذا تحجيماً لقدراتهن في قالب معين. فتقول الشاعرة الصينية زاي يونغ مينغ: "الطابع المثير للحرج للكتابة النسائية ينبع من حقيقة أن هناك مفهوماً ذكورياً للتمييز بحسب الجنس"، في مقال بعنوان "الكتابة النسائية في الصين في الوقت الحاضر" لسيان جين.

ومن قبل كانت هناك آراء لكاتبات غير عربيات تتفق مع رأي الكاتبات الشابات، حيث رفضت سوزان سونتاغ أيَّ علاقة بين جنسها ومهنتها، إذ قالت: "لم يرد في خاطري قط أنه يوجد كاتبات نساء حتى أصبح واحدة منهن، ولكنني فكرت على النحو التالي: هناك كُتّاب وأنا أريد أن أصبح كاتبة". 

وقالت مارغريت درابل مؤلفة "العصر الجليدي" إنها اختارت أن يكون بطل روايتها رجلً،ا لأنها أرادت أن يكف الجميع عن إلصاق صفة "كاتبة نسائية" بها، بحسب ما جاء في مقال "النساء اللائي يكتبن هن نساء" لإيلين شولتر، نُشر في نيويورك تايمز بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 1984.

"لم يرد في خاطري قط أنه يوجد كاتبات نساء حتى أصبح واحدة منهن، ولكنني فكرت على النحو التالي: هناك كُتّاب وأنا أريد أن أصبح كاتبة"... سوزان سونتاغ 

 ومع بدايات حدوث حراك ثقافي واجتماعي أكثر انفتاحاً ظهرت كاتبات رائدات في العالم العربي في الحركة النسوية، مثل مي زيادة التي بدأت رحلتها في زمنٍ كانت الكتابة النسائية فيه نادرة، فاستطاعت أن تقتحمها. وكذلك الكاتبة نوال السعداوي التي كانت تهتم بحقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المرأة بشكل خاص، لذا كان طبيعياً عند ذلك تصنيفهن كاتباتٍ نسويات تبعاً للدافع الرئيسي المحرك لهن.

انتقادات توجَّه للكاتبات

وبعيداً عن هذا التصنيف، هنالك انتقادات وتساؤلات أخرى تُوجَّه للكاتبات دون الكُتّاب، على رأسا سؤال "هل هذه قصتك؟" فقالت نورا ناجي بخصوص هذا: "جميع شخصيات كتاباتي هي جزء مني، فأنا أتقمصها جميعاً أثناء الكتابة، ولكن هذا لا يعني أنني مررت بالأحداث نفسها التي مرت بها بطلاتي".

علقت ضحى على حديث نورا قائلة: "أنا أيضاً تُوجّه لي مثل هذه الانتقادات وغيرها، لكوننا نساءً. كيف لنا مثلًا أن نكتب مشهداً جنسياً، في حين لو أن المشهد نفسه كتبه رجل يتقبله القراء، وكأن النساء لا يجب أن يشعرن بهذه المشاعر".

وعقبت نهلة: "بسبب ما قالته نورا وضحى وهو نفسه ما أتعرض له، توقّفتُ عن قراءة التعليقات، وأتذكر بعد نشر أولى رواياتي (على فراش فرويد(  كانت تُرسل لي ألفاظ نابية، ومضايقات كثيرة على رسائل الفيسبوك".

ما طرحته الكاتبات بخصوص هذه النقطة يعيدنا مرة أخرى لفكرة تقييد الكاتبة بكتابات وأساليب سردية معينة تتناسب مع جنسهن، ومع المعايير الاجتماعية المقيدات بها لكونهن نساء، فيذكرني هذا بما قالته سوزان سونتاغ أيضاً في حوار مع مجلة رولينغ ستونز: "أظن أنه من المجحف أن يُطلب من أي شخص التقيدَ بالقوالب النمطية، تماماً كأن يُطلب من كاتب أسود البشرة أن يعبر عن وعي الجموع السوداء".

غرفة تخص المرء وحده

من الانتقادات الأخرى التي طرحتها الكاتبة نورا ناجي للنقاش هو الاضطهاد الذي تتعرض له الكاتبات، والأقاويل التي تلاحقهن، مثل أن هذه الكاتبة ناجحة بسبب جمالها، وتلك متحققة بسبب معارفها في الوسط الثقافي. فعلقت الكاتبة هبة حسب على الحديث قائلة: "من يقولون هذا لا يعرفون الكواليس، وأننا كسيدات نبذل مجهوداً كبيراً لأن لدينا مسئوليات بيت وأسرة، وعمل آخر. كل هذا إلى جانب الكتابة. فبدلاً من الاضطهاد نحن في حاجة إلى دعم حتى نستمر".

ما قالته هبة هو أزمة الكثير من الكاتبات حول العالم، فكما تحدثت نورا أثناء المناقشة أنها لا تمتلك غرفةً تستطيع الكتابة فيها وحدها،  لأنها إنما تكتب في غرفتها، وابنتها تلعب إلى جانبها، أو تكتب في مقهى وسط صخب الجالسين، وهذا عكس ما قالته فرجينيا وولف في كتابها "غرفة تخص المرء وحده" عن المناخ المطلوب توفيره للكتابة: "المرأة لا بد أن يكون لديها مال وحجرة خاصة بها حتى تستطيع تأليف عمل روائي".

وحتى فكرة أن يكون للمرأة المال الخاص بها حتى تستطيع إنتاج عمل روائي فهي عملية في غاية الصعوبة إلى جانب مسؤوليات المنزل والأسرة التي تلقى على عاتق المرأة، فأي عمل يعطي راتباً يساعد على المعيشة يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، مما يعني أن المرأة كي تنتج عملاً روائياً تحتاج إلى مال وحجرة خاصة ويوم مكون من أكثر من 24 ساعة.

كما تحدث مقال بعنوان "لماذا يوجد مصطلح (كتابة نسائية) ولا يوجد نظيره (كتابة ذكورية)؟" حول كيف أن الموازنة بين المسؤوليات المنزلية ومسيرة الكاتبات المهنية أمر غاية في الصعوبة. وفي حين أن الرجال يتحدثون عن كيفية تحقيقهم للعدد اليومي المطلوب من الكلمات، تشارك النساء قصصهن حول أبنائهن أو مغامراتهن في المطبخ، لذا فالمصاعب التي تواجهها المرأة الكاتبة تختلف كثيراً عما يواجهه الرجل الكاتب.

تهميش الكاتبات الشابات

ومن هذه النقطة انتقل النقاش إلى نقطة تهميش كاتباتنا الشابات، فشرحت نورا: "مثلًا لو هناك مؤتمر ينعقد في الخارج، لا توجه الدعوة أبداً لكاتبة شابة، وكأننا ليست لدينا قدرة الحديث عن الأدب، في حين أن الكاتبات في البلاد العربية الأخرى توجه لهن الدعوات، ويتم استقبالهن بحفاوة عند الحضور".

وترى نهلة كرم أن أساس المشكلة في وجود فجوة بين جيل الشباب وبين الجيل الأكبر، قائلة: "إنهم يعيشون بمعزل عنا، وغير مواكبين لنا، فتتنوع قراءتهم بين كتابات مترجمة، وكتابات لأجيال سابقة، ولكن كتاباتنا لا يهتمون كثيرًا بقراءتها. وهناك أيضاً سبب آخر؛ في الخارج يهتمون بتمكين الشباب في كل الأوساط، ومن العادي أن تجد مديراً أصغر سناً من موظفيه، وهذا توجه أصبح موجوداً الآن في السعودية والإمارات مثلاً".

مخاوف الكاتبات

وطرحت نورا سؤالاً أخيراً عن مخاوف كلّ كاتبة تجاه العمل في الكتابة الأدبية، فأجابت ضحى صلاح: "أكبر مخاوفي أن استيقظ يوماً وأجد أنني فقدت قدرتي على الكتابة. أخاف أيضاً من مقارنة القراء أعمالي الجديدة بأعمالي السابقة، فيشعرني هذا بأن أسلوبي لا يتطور".

وعن مخاوف نهلة كرم تجاه الكتابة قالت: "أخاف أن يأتي اليوم الذي يقول فيه القراء إن نهلة لم يعد لديها ما تقوله، فأكثر ما يسعدني أن يكون لدي مشروع جديد أعمل عليه، لأن فترة الكتابة هي أجمل فترة أمرّ بها مهما كانت مرهقة".

أما هبة فقالت: "أكثر ما يؤرقني في الكتابة أن تكون لدي فكرة لا أستطيع التعبير عنها. أخاف كذلك من تقييم القراء، لذلك ومع كامل احترامي للمتلقين أفضّل الابتعاد عن آرائهم".

أعتقد أن ما تخشاه الكاتبات الشابات هو نفسه ما يخشاه كل المبدعين والكاتب، فأؤمن كثيراً بمقولة الكاتبة البريطانية هاريين غريفي، في كتابها "كيف أكون مبدعاً": "معظم أفكارنا الإبداعية تظهر في أقلّ الحالات التي نتوقع ظهورها".

أدركت في نهاية هذه الندوة أنهن كاتبات محبات للكتابة الأدبية بشدة، ومخلصات حقيقة لما يكتبن، ولهذا وجهت للكاتبات الأربع سؤالاً عن كيف لهن أن يخترن أعمالاً تعبر عن رؤيتهن، وفي الوقت نفسه تكون مناسبة لسوق النشر؟ وكيف يتعاملن مع سياسات التحرير؟

فقالت نورا: "الفكرة دائماً مراوغة، وعندما تأتيني لا أفكر إن كانت دور النشر ستقبل بنشرها أم لا، لأنهم إذا لم يقبلوا في النهاية سيكون متاحاً أمامي أن أنشرها على الفيسبوك، أو ستقبل غيرها بالنشر، أما عن سياسات التحرير الخاصة بالحذف من العمل الأدبي، فأوافق إذا رأيت أن الموضوع يسمح بالحذف، لكن إذا كان الحذف يمسّ أساس الرواية، فلن أقبل حتى لو رفضت الدارُ النشرَ".

واتفقتْ ضحى مع رأي نورا أن الأفكار تأتي لهن دون النظر إن كانت ستواكب الأحداثَ ورغباتِ دور النشر أو لا. أما عن الحذف فكان لها حكاية سابقة حكتها لنا قائلة: "في واحدة من رواياتي طُلب مني حذف 21 صفحة من الرواية، وتضمن عرض الدار ترجمةَ روايتي إلى الإنكليزية، وبالطبع كان عرضاً مغرياً، لكنني رفضت بعد التفكير في أنه كيف لي أن أحذف 21 صفحة كاملة دون أن أدمر العمل؟".

وأوضحت نهلة كرم: "كل واحدة منا لديها أفكار مرتبطة ببعضها ومختلفة عن الأخريات، تحب أن تكتب عنها، وكلّ واحدة منا مع مرور السنين تتطور في المنطقة الخاصة بها، لذا فأنا أفكر في النطاق الكتابي الخاص بي، لا في ما ترغب دار النشر في نشره".

وعن فكرة الحذف من العمل الأدبي قالت لنا هبة: "قد يختلف الناشر أو المحرر معي في مفردة داخل الرواية، وقد يكون مفيداً أن نتخلى عن جزء من العمل، لأن المحرر بالفعل لديه رؤية مختلفة عن الكاتب/ة".

المصدر: 
رصيف 22