تخطي إلى المحتوى
وثّقت فترة الإحياء والنهضة.. مجلات عربية أثرَت المشهد الثقافي وثّقت فترة الإحياء والنهضة.. مجلات عربية أثرَت المشهد الثقافي > وثّقت فترة الإحياء والنهضة.. مجلات عربية أثرَت المشهد الثقافي

وثّقت فترة الإحياء والنهضة.. مجلات عربية أثرَت المشهد الثقافي

لمعرفة الحياة الثقافية للعرب، لا يوجد شيء أكثر فعالية من قراءة الصحف، وبخاصة المجلات الأدبية، التي مثّلت دائماً مجالاً لا مفر منه للمفكرين، للتعبير عن أفكارهم، ومن المؤكد أن نشر الأعمال الغربية، قد أثر في الحياة الثقافية للعرب، وذلك بفضل الحركة الكبيرة للترجمة، ومن خلال التحليل الدقيق لأهم المجلات في فترة عصر الإحياء، (النهضة). تقدم لنا المؤلفة ماريا أفينو, صورة شاملة للحياة الثقافية لدول مثل، مصر وسوريا ولبنان، بين الجزء الأخير من القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين.

في الواقع، عبر مثقفو ذلك الوقت عن مصالح عالمية، وكانوا مهتمين بشكل خاص بما كتبه الأوروبيون، كانوا يقرؤون ويوثقون ويختارون الأعمال المراد ترجمتها، وحاولوا من خلال التقارير والملخصات، وترجمات الأعمال الغربية الكبيرة ، نشر فكر الآخرين الذين كانوا يرغبون في مواجهتها، إلا أن هذا التعطش للمعرفة أثبت أنه من جانب واحد، وقد استفسر العرب عما كان يكتب في الغرب، بينما لا يمكن قول الشيء نفسه عن الغربيين، الذين بسبب العقلية الاستعمارية، كانوا مهيمنين في أوروبا، على الرغم من المبادرات المتفرقة من قلة من المستشرقين، لم يظهروا أي اهتمام بالإنتاج الثقافي للعرب.

منذ منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، اكتسبت (بيروت)، وبعدها (القاهرة) بشكل تدريجي، هوية لهما كمركزين للثقافة العربية، وعلى وجه الخصوص، أصبحت (القاهرة)، بعد فترة من الركود الثقافي، الذي استمر لفترة طويلة، بداية من عام (1870م) نقطة مرجعية للمثقفين، من جميع أنحاء الوطن العربي، وبدأت فترة مليئة وغنية بالتخمير الثقافي والأدبي.

والحافز الرئيسي للنهضة، جاء من التطور السريع للنشر، كما يتضح من العدد الكبير من الصحف التي تأسست في تلك السنوات، إن تأثير المفكرين المصريين والسوريين واللبنانيين في بقية الوطن العربي، تم قبل كل شيء من خلال الدوريات والصحف اليومية، التي تشكل نبعاً غير مسبوق للمعرفة والتوثيق، في ثقافة تلك الفترة.

ونظراً للعدد الكبير من المجلات المنشورة في تلك السنوات، ظهرت مشكلة اختيار الدوريات المطلوب فحصها، كان المعيار المستخدم هو اختيار المجلات القادرة على توفير رؤية أوسع، لحالة الثقافة القومية العربية وتطلعات المثقفين العرب في تلك السنوات، فقد كانت هناك العديد من الصحف المرموقة، التي شاركت في تلك السنوات في النقاش الثقافي، الذي يدور في البلاد والذي تناول المشكلات الأدبية، محللة إياها قبل كل شيء، من منظور العلاقات مع الثقافة الغربية، من بينها نذكر، جريدة (المؤيد لعام1889م)، و(اللواء لعام 1900م)، و(الجريدة لعام1907م).

وفي السنوات اللاحقة أيضاً (السياسة لعام 1922م)، والتي فتحت أعمدتها لحركات الإصلاح الاجتماعي والأدبي في ذلك الوقت، لكن هذه الصحف تبنت خطاً محدداً لمصلحة أحد المعسكرات على الساحة.

مجلة أخرى مهمة ظهرت في تلك السنوات، وهي (المنارة 1898م)، والتي كان يديرها محمد رشيد رضا، والذي أظهر من جانبه الاهتمام بالثقافة الغربية، وبالأخص عندما كان يتعلق الأمر بتوضيح المسافة التي كانت تفصلها عن الأدب العربي، أيضاً هناك بعض المجلات الأخرى التي على الرغم من إدارتها من قبل مفكرين ذوي شأن مرموق، فضلت استغلال المبادرات النموذجية للصحافة الأوروبية مثل، نشر روايات دون إجراء نقاش يتعلق بالأدب، على سبيل المثال مجلة (الضياء).

حاولت مجلات (الهلال- والمقتطف- والأمة)، تقديم رؤية واسعة للمشهد الثقافي لتلك السنوات، حيث إن نشاط (الهلال، والمقتطف) أيضاً، امتد على مدار عدة عقود، اكتسبت هذه المجلات مكانة كبيرة في المجال الأدبي، وقد تم الاعتراف بهذه المكانة مراراً وتكراراً، وكانت جريدة (المقتطف)، والتي تأسست عام (1876م)، كما لاحظ الباحث راؤول مكاريوس، العرض الأول للثقافة العربية، بينما أصبحت (الهلال)، التي تأسست عام (1892م) نقطة مرجعية للمثقفين في المنطقة، الذين وجدوا فيها ترحيباً بأفكارهم، وعلى الرغم من عدم تمتع جريدة (الجامعة 1899م) بحياة طويلة مثل (المقتطف والهلال)، ففي السنوات العشر التي نشرت فيها، أظهرت اهتماماً كبيراً بالأدب والثقافة الأوروبية، الأمر الذي جعل من مؤسسها فرح أنطون، رائداً في نشر الثقافة الغربية في الوطن العربي.

أما فيما يتعلق بـ(المقتبس)، فقد كان اختياراً إلزامياً بطريقة معينة، كانت المجلة المرموقة الوحيدة إن لم تكن المجلة الوحيدة بشكل مطلق التي تنشر في دمشق في تلك السنوات، لذلك تمت دراستها لأنها كانت تحمل صوت المثقفين في المنطقة السورية اللبنانية، في أوائل القرن العشرين.

قدمت لنا المجموعة المختارة، من المجلات صورة لما كان عليه نشر الأدب الغربي في الوطن العربي، في الوقت ذاته تقدم لنا هذه المجلات بانوراما أكثر وضوحاً لردود الأفعال، التي أثارها هذا النشر، وخاصة حركة الترجمة في الأوساط الثقافية في تلك السنوات، فاسحة المجال لمؤيدي الحداثة للتعبير عن أفكارهم.

المصدر: 
مجلة الشارقة الثقافية