من المكتبات ما هو عريقُ البناء تاريخيًّا، قديمُهُ إِنشاءً، جميلُ الهندسة خارجاً كمبنى، داخلًا كرسوم وجدرانيات، ومنها ما هو حديثٌ بخطوط عصرية وفناءات مغايرة، لكن القديمة والحديثة تجمع بينهما فكرةُ جذب الرواد إِلى عالَم القراءة الهادئة الهانئة الصامتة العميقة التي تغذِّي العقل والذاكرة بأَنبل ما خلق الإِنسان: الكلمة.
بعد ثلاث مكتبات عامة في الحلقة الأُولى من هذه السلسلة، وهي بين أَشهر وأَجمل قاعات المطالعة لدى كبرى المكتبات العامة في العالَم، أَعرض هنا لثلاث مكتبات أُخرى.
4. مكتبة "مدينة الهندسة المعمارية والتراث" في باريس
هي حاجةٌ فنية لكل مهتم بالهندسة المعمارية. لا لموقعها فقط بل لأَنّ المجموعات فيها متخصّصة بالهندسة المعمارية والهندسة المدينية وهندسة المساحات الخضراء. وفيها كذلك أَكبر مجموعة من الجدرانيات في فرنسا.
المكتبة في مبنى عام ذي طابع صناعي وتجاري، حاليًا في إِشراف وزارة الثقافة والاتصالات، مهمّتها حفظ ذاكرة الهندسة المعمارية الفرنسية في فرنسا وخارجها، وتأْمين المراجع الكافية للمؤَلفات ذات الاختصاص بالتراث الهندسي الفرنسي وما ينتج منها من أَعمال دولية حديثة ومعاصرة.
بعدما كان أَلكسندر لونوار (1761-1839) أَسَّس سنة 1795 متحف الأَبنية الفرنسية (ما بات لاحقاً معهد الفنون الجميلة) في باريس، وتمّ تخريبه سنة 1815، عاد أُوجين لودوك (1814-1879) فرمَّم المتحف استعداداً للمعرض العالَمي سنة 1878. وحين تسلَّم إِدارة المتحف بول دوشان (1888-1974) أَعاد إِليه الحياة سنة 1927 وفتحه للجمهور، وما زال حتى اليوم.
5. مكتبة دير سان لورنزو الإسكوريال في مدريد
أَنشأَها ملك إِسبانيا فيليب الثاني (1527-1598) نموذجاً ساطعاً للنهضة الهندسية. وهو كان مثقَّفاً كبيراً ويحب القراءة والكتب، من هنا اختار للدير والمكتبة موقعاً جميلاً، حتى هما اليوم على لائحة الأُونيسكو لمواقع التراث العالَمي.
المكتبة هي اليوم الأَكبر حجماً ومضموناً لعصر النهضة الإِسبانية. كان الملك فيليب الثاني ينوي أَن يؤسس المكتبة منذ 1556، لكن أَركان القصر عارضوا ذلك فتأَجَّل المشروع. عندها أَوعز إِلى بعض مريديه أَن يجمعوا كتباً لتأْسيس المكتبة الملكية التي اقترحوا أَن تكون في سلمنكا لأَنّ فيها جامعة كبرى وتالياً فيها بيئة حاضنة الكتب والثقافة، لكنه أَصرَّ أَن تكون في مجمّع الإِسكوريال.
6. مكتبة هاشيوجي لدى "جامعة تاما للفنون" في طوكيو
هي ضمن مبنى مفتوح في داخله مع أَعمدة إِسمنتية في هندسة طليعية يقول عنها رئيس الجامعة هيديمي كوندو إِنّها "مكان مثالي للطلَّاب، ليس فقط للأَبحاث والدراسة بل هي مصدر إِيحاء للفنانين".