بمناسبة اليوم العالمي للكتاب، الذي يصادف يوم 23 أبريل/نيسان من كل عام، نتساءل دائما: ما معنى ذلك اليوم؟ وما أهميته للكتابة والكتاب، ونعرف كلنا أن صنعة الكتابة ليست على ما يرام، حيث طالتها شوائب كثيرة، وصنعة تذوقها والمساهمة في نشرها أيضا ليست على ما يرام، نعرف المعاناة التي يكابدها الكتاب من أجل نيل الحقوق، والمعاناة التي تكابدها المكتبات من جراء تكدس الكتب على رفوفها، واضطرار بعضها إلى الإغلاق أو تغيير النشاط إلى سلع رائجة، إن لم تأت بالربح لا تأتي بالخسارة، وأذكر قبل سنوات عدة، أننا في أي مدينة من مدننا العربية، لا نستطيع إحصاء عدد المكتبات من شدة كثرتها وتنوعها، واحتفائها بالكتب، لتصبح الآن مجرد دكاكين عادية تبيع المعلبات وكراسات الرسم والأدوات المدرسية، وغيرها من السلع الرائجة، إلى جانب عدد قليل من الكتب، لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، وغالبا ليست من الكتب التي يستطعمها القراء.
نعرف أيضا بالقرصنة، أي سرقة الكتب وهي طازجة، لم يجف حبرها بعد، لتنشر في مواقع إلكترونية مجانية، بوصفها تقدم خدمة للناس، ونسعى، نحن المعنيين بالأمر، لمحاربة تلك القرصنة بإغلاق الكثير من هذه المواقع، لكن ما يلبث مؤسسوها أن ينشئوا مواقع أخرى، أكثر وقاحة، وكنت قرأت مرة في أحد هذه المواقع إعلانا يقول: يمنع نسخ أو سرقة محتوى هذا الموقع دون إذن المالك. وبما أن المالك نفسه قرصان سطا على جهود غيره، فإن وجود هذا الإعلان يبدو مضحكا فعلا.
حين يتحدثون عن اليوم العالمي للمسرح مثلا، أو اليوم العالمي للرقص، نسمع ونشاهد عروضا تقدم، وكلمات رنانة تقال، ومشاريع في الخفاء يعلن عنها، لكن يوم الكتاب يأتي بلا حس ويذهب بلا حس، لا تسمع عن عروض من ناشرين لطباعة ونشر كتب للموهوبين مساهمة في إسعاد الكتابة والكتاب، لا ترى مسابقات مهمة بجوائز مشجعة، لا ترى حفلات رائجة يغني فيها أحد للإبداع، ولا شيء سوى كلمات متفرقة في مواقع التواصل الاجتماعي، يكتبها في الغالب محبطون، لم ينالوا شيئا من الكتابة، أو آخرون يستعرضون فيها قراءاتهم للكتب، وكيف دخلوا مجال القراءة، ولم يخرجوا منه مرة أخرى.
أنا سأعتبر نشاط مواقع التواصل الاجتماعي في هذا الشأن، إيجابيا، على الأقل هناك من يذكر الكتب بالخير، ويذكر الناس بالكتب التي يعتقد أنها مهمة، وربما التقط أحد اقتراحاته وبحث عن تلك الكتب، ولأن المطروح في الساحة كثير جدا، وصعب ملاحقته، تصبح مسألة التنويه عن كتب معينة، من أشخاص موثوق في أذواقهم، مهمة جدا. والذين يتابعون صفحات الثقافة في تويتر أو فيسبوك، سيتعرفون قطعا على أشخاص بعينهم، لديهم خبرة جيدة في اصطياد الدرر ونثرها، ولو ذكروا كتابا معينا بالخير، سيكون كذلك، ولن يخيّب الآمال، من هؤلاء إبراهيم عادل زيد في مصر، وهذا رجل شديد الاهتمام بالكتب، يتابعها منذ أن تكون مجرد أفكار في أذهان أصحابها، حتى تخرج نصوصا. أيضا توجد خلود عبد الكريم في السعودية، وهذه تهتم بكل ما هو جديد ومختلف، ويمكن أن تزور إسطنبول، ولا ترى سوى مكتباتها. ولا أنسى أصحاب القنوات المهتمة والنشيطة في يوتيوب، مثل عمرو المعداوي.
في السودان قبل مأساة الحرب اللعينة، كان معظم الناس عشاقا للكتب، إنهم قراء يبالغون في استدراج الكتب إلى أذهانهم، والاندماج معها، ومدحها أو ذمها بعد ذلك، وعلى الرغم من الظروف التي لم تكن أبدا طيبة في السودان، في أي يوم من الأيام، وحتى قبل نشوب الحروب، وتعاقب الانقلابات، ستجد مكتبة مثل الدار السودانية للكتب، مليئة بكل ما يصدر في الوطن العربي، كنت أزورها وأحس بعظمتها، حين أعثر على كتاب ظللت أبحث عنه زمانا، متوفرا هناك، ولا أذكر أنني شاهدت تلك المكتبة خالية من الزبائن، إنها مزدحمة دائما ولا يخرج منها أحد بلا كتاب.
كذلك كان نور الهدى محمد، صاحب مكتبة عزة، مهووسا بجلب الكتب من كل مكان، هو يجلبها مهما كان ثمنها ويعرضها بلا ربح، من أجل خاطر الشعب القارئ، ويحسب لنور الهدى دوره في نشر الكتاب السوداني، في الداخل والخارج، حين كان يوجد في كل المعارض العربية وبعض المعارض الأجنبية، أيضا كان لدار عزة للنشر، دور ريادي في طباعة الكتب للشباب، وإعطائهم حقوقهم بلا أي تقصير. وكنت حين أزور بلادي، أحس باللهفة لزيارة مكتبة عزة، إنها لهفة لم أكن أخرج معها صفر اليدين.
الآن كم يوما من الأيام العالمية للكتاب مرت علينا، منذ أن ابتدع هذه اليوم السنوي؟ وهل ثمة أمل في الكتاب العربي، أن يتحقق له شيء، أو يأتي جيل متحمس لغسل عار الكتابة المجانية، واعتبار المؤلفين إخوة وآباء وأعماما، وحتى مساكين ينبغي إكرامهم؟
لا أعرف، صراحة لا أحد يعرف، فحتى في عز هذه البلبلة الاقتصادية، وازدحام الأيام بالحروب، والمفخخات والطائرات المسيرة، وفقدان الوظائف، توجد دور نشر جديدة، تنشأ هنا وهناك، يوجد سوق ومعارض، ودعايات وكل ما يمكن أن يحدث في مواسم الرخاء. لكن ما زال الكتاب مسكينا، والكاتب أشد مسكنة، واليوم العالمي للكتاب، ليس يومنا بالتأكيد.