ثقافة (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غافر 40/ 29].
ثقافة (صوت سيدِه).. سيدِه الذي لا صوت يعلو فوق صوتِه؛ ولا ينطق عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم 53/ 4]!!.
ثقافة فرعون، واستفتاءاته الشعبية التي ذهبت مثلاً ونموذجاً يحتذى ( يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الزخرف 43/ 51]. (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ) [الزخرف 43/ 54].
إنها ثقافة التفرد والأحادية، الداء الوبيل؛ الذي يقتل روح الإبداع، ويشل حركة النمو لدى كل أمة تصاب به، وهو إنما يعتري الأمم ويتمكن منها إبان سقوطها الحضاري. ذلك أن التعدد والتنوع والتضاد والاختلاف، وحتى التصادم؛ شرط لانطلاق أي مشروع حضاري، وهو فطرة أقام الله نظام الكون عليها، فلا يصلح نظام الكون إلا بها.. وكلما نزع الإنسان إلى التفرد والانعزال عن الآخر، ورفضه، أودى به تفرده وانعزاله إلى العقم فالانقراض.
إن عقداً واحداً من الزمن يبتلى فيه مجتمع ما بالأحادية؛ كفيل بإفراغ هذا المجتمع من كل طاقاته؛ الفكرية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، مهما كان زاخراً بها إبان ازدهاره الحضاري؛ المفعم بالحيوية والتعدد واختلاف الآراء وتصادمها؛ فبارقة الحقيقة لا تنبثق إلا من تعدد الآراء والأفكار واحتكاكها وتفاعلها، والأفكار كائنات حية لا تتكاثر وتتوالد إلا بالتعدد والتزاوج، ومن سنن هذا التزاوج أن النسل يتحسن ويشتد عوده ؛كلما أمعن في التنوع والتباعد والاختلاف، ويسترخي ويعتلُّ؛ حين يكون زواجاً بين الأقارب، أما الاختلاف المثلي على طريقة الزواج المثلي؛ فهو شاذ مناف للفطرة، فوق أنه عقيم لا ينجب.
وإن أي ثقافة تنغلق على نفسها، وتجتر ماضيها وتراثها، فإن مآلها العقم فالفناء.
كيف يمكن لنا أن ننظر إلى الأحادية إلا أن تكون شذوذاً وشراً مستطيراً؛ يعيق تقدم الإنسان، ويقتل روح الإبداع والعمل لديه، ويقوده إلى الفساد وسفك الدماء اللذيْن عهد الله تعالى إليه بمهمة التخلص منهما؟!!