ومثل هذا الانتكاس حصل في موضوع المواطنة، فقد أدرك جيل أواسط القرن الماضي مجتمعاً متماسكاً، تتجاور أسره في مساكنها وتتزاور ، ويتبادل أفراده السلع والخدمات في معاملاتهم، ويتعاقبون على إدارة البلاد؛ من دون أي تمييز يتعلق بدين، أو عرق، أو لون، أو مذهب، أو طائفة..
كانت المرأة المسلمة تقصد طبيباً يهودياً متمرساً، وكان المتسوِّق يبحث عن التاجر الأفضل معاملة، وتبوأ فارس الخوري منصب رئيس وزراء سورية بجدارة وتقدير، من دون أي حساسية تتعلق بدينه أو اسمه، وما تزال نواقيس الكنائس تعانق مآذن المساجد في أكثر أحياء دمشق عراقة، وما تزال قرى عديدة في الريف السوري؛ يتقاسم سكناها مسلمون ومسيحيون؛ بنسب تكاد تكون متساوية؛ يتعايشون جنباً إلى جنب، تربط بينهم صلة المواطنة..
لقد ظلت رابطة المواطنة تشد النسيج الاجتماعي في العالم العربي، على مدى التاريخ الإسلامي منذ الفتح، وما أشك لحظة في أن محاولة تمزيق هذا النسيج وتفكيكه؛ حلقة متقدمة من حلقات مشروع التمكين للكيان الصهيوني؛ المزروع عنوة في قلب العالم الإسلامي.. تأتي بعد حلقة التمزيق السياسي للعالم العربي، وتقاسم تركة الرجل المريض، بموجب اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور.
ولن يحبط هذه الحلقة غير الوعي بها، والتخطيط المدروس بعناية، وبالنفَس الطويل لمواجهتها..
نشرت 04/09/2014