لغار "حراء" مكانة عظيمة في نفوس جميع المسلمين حول العالم، فهو المكان الذي تنزّل فيه الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأول مرة، وأبلغه فيه بالنبوة، وفيه التقى جبريل لأول مرة، وفيه نزلت أول آية من القرآن الكريم "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ".
وتقديرا لمكانة وقدسية هذا المكان، الذي كان يخلو إليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليتعبد ويفكر في هذا الكون وخالقه، فقد أعلنت السلطات السعودية عن تدشين حي حراء الثقافي المقام في سفح جبل حراء في مكة المكرمة، في محاولة لتطوير الموقع بما يليق بمكانته التاريخية والدينية.
ويحظى غار "حراء" بموقع مميز في مكة المكرمة، ويبلغ ارتفاعه 634 مترا عن مستوى سطح البحر، ويمكن للمشاهد من قمته رؤية مكة المكرمة وأبنيتها بوضوح، كما يمكنه رؤية كثير من جبالها مثل جبل ثور وجبل ثبير.
ويشرف على مشروع حي حراء الثقافي الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، بالتعاون مع إمارة منطقة مكة المكرمة ووزارتي الثقافة والسياحة السعودية وأمانة العاصمة المقدسة وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن والهيئة العامة للأوقاف السعودية.
قيمة مضافة للمكان
والمشروع -الذي يقع على مساحة تفوق 67 ألف متر مربع- يمثل معلما سياحيا وثقافيا يعبّر عن رعاية المملكة العربية السعودية للمواقع التاريخية، ويستثمر مميزات الموقع الطبيعية، وقيمته التاريخية.
ويهدف تدشين حي حراء الثقافي إلى استثمار عطاءات المكان الطبيعية وقيمته التاريخية، بما ينسجم مع مكانة مكة المكرمة وبعدها الديني والإنساني والتاريخي.
كما يرمي إلى الإسهام في إثراء التجربة الدينية والثقافية للحجاج والمعتمرين بصورة صحيحة وسليمة، وإضافة عناصر تنموية تمثل قيمة مضافة للمكان، لخدمة زواره من سكان مكة المكرمة وقاصديها.
ويحتوي الحي على مجموعة من المكونات، اختيرت بعناية بما يلائم طبيعة الموقع ورغبات الزوار، من أبرزها "متحف القرآن الكريم" نظرا لأن غار حراء هو المكان الذي نزلت فيه أولى آيات القرآن الكريم.
متحف الوحي
والمتحف هو أول متحف مختص في القرآن الكريم في مكة المكرمة بجوار جبل حراء، حيث يبيّن عظمته وعالميته ويبرز جوانب العناية بِه على مرّ العصور وأثره في حياة المسلمين، وذلك عبر منظومة واسعة من التقنيات الحديثة والمقتنيات المميزة ومجموعة من أنفس مخطوطات القرآن الكريم.
ولكون موضوع الوحي يشكل المحور الرئيسي في هذا المشروع، فقد ضم حي حراء الثقافي بين جنباته "معرض الوحي"، الذي يروي قصة نزول الوحي على الأنبياء وصولا إلى خاتم الرسل.
كما يفرد المعرض جناحا خاصا يحكي قصة نزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجانبا من سيرته، وتصديق أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ومساندتها النبي عليه الصلاة والسلام من خلال عرض تقني جذاب.
وإلى جانب ذلك، يشتمل حي حراء الثقافي على المكتبة الثقافية، التي تعنى بتاريخ ومعلومات مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافة إلى السيرة النبوية والشمائل المحمدية، كما تعنى بشكل خاص بتاريخ وأحداث جبل حراء والغار والمنطقة المحيطة.
ويضم الحي أيضا طريقا للصعود إلى الغار من أجل تلبية حاجة الراغبين في صعود الجبل للوصول إلى الغار؛ إضافة إلى "مقصورات حراء"، وهي نزل جبلية، إذ تتكون كل مقصورة من جناح فندقي بخدماته، وشرفة مطلة على جبل حراء.
ونظرا لأن القهوة تمثل رمز الضيافة والكرم وهي مكون ثقافة المجتمع السعودي، فقد ضم مشروع حي حراء الثقافي متحف القهوة السعودية ليستمتع زوار الحي بارتشافها، ويتعرفوا على التنوع الثقافي في أدواتها ومكوناتها وطرق تحضيرها في مناطق المملكة المختلفة.
ويعد غار حراء من أشهر مكونات جبل حراء، وهو عبارة عن فجوة في الجزء العلوي من الجبل، يتجه بابها نحو الشمال، وتبلغ أبعاد هذه الفجوة 4 أذرع طولا، وذراعا واحدة وثلاثة أرباع الذراع عرضا (حوالي مترين عرضا)، ويمكن لعدد من الأشخاص الجلوس طولا فيه، والداخل إلى غار حراء يكون متجها نحو الكعبة المشرفة.
وجبل حراء، الذي يصل ارتفاعه 642 مترا، له أسماء عديدة منها جبل القرآن وجبل الإسلام، ولكنه يعرف حاليا بجبل النور، وسمي بهذا الاسم لظهور أنوار النبوة فيه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبّد فيه قبل البعثة.
ويمتاز الجبل عن بقية الجبال بأن الأساس القديم للكعبة كان من حجارته، وكذلك بداية نزول الوحي ووقوف جبريل عليه السلام بالغار الموجود فيه.
وتشير المصادر التاريخية إلى أنه لا يوجد جبل في مكة ولا في الحجاز يشبه جبل حراء، فهو فريد الشكل والصورة، إذ إن قمته تشبه سنام الجمل أو كالقبة الملساء.
ويحرص الكثير من الحجاج والمعتمرين على زيارة هذا الجبل وغار حراء، حيث يسلكون طريقا شبه معبد للوصول إلى الغار.
ميلاد ثقافي جديد
يقول الباحث في التراث الإسلامي والسعودي بندر الزهراني إن تدشين حي حراء الثقافي بمثابة رسالة واضحة من الدولة السعودية تؤكد فيها رعايتها للمواقع التاريخية، وحرصها على استثمار قيمتها وبعدها الديني والإنساني لإثراء التجربة الدينية والثقافية للحجاج والمعتمرين بصورة صحيحة وسليمة.
ووصف الزهراني، في تصريح للجزيرة نت، حي حراء الثقافي بأنه مشروع تاريخي ثقافي متميز يتواءم مع الخطة المستقبلية للمملكة 2030، الرامية لإثراء التجربة الدينية والروحية والثقافية للسعوديين ولزوار بيت الله الحرام، بعدما أعاد النبض لهذا المكان الطاهر وجعله مقصدا للحجاج والمعتمرين.
وأكد أن تدشين هذا المشروع بمثابة ميلاد ثقافي جديد يؤكد سعي المملكة القوي لاستكشاف مكامن القوة بها واستغلال واستثمار الوجهات التاريخية والثقافية بامتياز، وجعل هذه المناطق والوجهات أماكن جذب عالمية على مدار العام لا سيما في ظل تدفق قوافل الحجاج والمعتمرين إلى الأماكن المقدسة في مكة المكرمة.
وأشار الزهراني إلى أن المملكة بدأت تخطو خطوات جادة نحو تنمية قطاع السياحة الثقافية، حيث تحظى بتعدد ثقافي وثراء لا مثيل لهما، لافتا إلى أنه علاوة على السياحة بمنظورها العام، فقد أصبحت السياحة التاريخية والثقافية إحدى الوجهات الهامة في بوصلة المملكة خلال السنوات الأخيرة بحيث تكون مصدرا جديدا للناتج القومي وجزءا مهما لإحداث وظائف جديدة والاستفادة من المقومات الثقافية وإمكانات المملكة التي تؤهلها بالفعل لمكانة متقدمة على خريطة السياحة الثقافية العالمية.
المصدر:
الشرق الأوسط