في البحث عن عجائب الدنيا السبْع كما صنَّفَها فيلون البيزنطي (280-220 ق.م.)، عرضتُ في الجزء الأَول من هذه الثلاثية هَرَمَ الجيزة الأَكبر (مصر)، والجنائن المعلَّقة في بابل (العراق).
في هذا الجزء أَعرض لِمَعْلَمَين آخرَين: معبد أَرتيميس في أَفسُس (تركيا)، وتمثال زوس في الأُولمبيا (اليونان).
فماذا عن كُلٍّ منهما؟
-
معبد أَرتيميس في أَفسس
أَفسس (اليوم غربيّ الأَناضول، في مقاطعة إِزمير التركية) هي من أَشهر المدُن الإِغريقية القديمة. أَسسها الإِغريق في القرن العاشر قبل الميلاد. وبقاياها اليوم تستقطب السيَّاح لزيارة معبد أَرتيميس الذي يُعزى بناؤُه إِلى العصر البرونزي (يمتدُّ من سنة 2000 إِلى سنة 700 ق.م.). لكنَّ الوقائع التاريخية تذكُر أَن المعبد الأَصلي تهدَّم في طوفان هائل ضرب المدينة، فأُعيد بناؤُهُ بين سنة 550 ق.م. وسنة 440 ق.م. بشكل أَكبر ذي هيبة عظمى، لذا استحقَّ أَن يكون من العجائب السبْع.
مجدَّدًا عاد فتهدَّم سنة 356 (ق.م.) بسبب حريق هائل ثَبُتَ أَنه متعمَّد، نفَّذه مجرمٌ يدعى هيروسْتْراتوس بإِشعال النار في أَخشاب السقف فانهار تدريجيًّا. كان المجرم أَراد منه الشهرة، لكن الشهرة بَلَغَتْه أَيضًا في إِعدامه عقوبةً له على فعْلَته.
في كتاب بيتاني هيوز (ورد ذكرها وذكْرُه في الجزء الأَول من هذه الثلاثية) أَنَّ هذا المعبد كان أُولى العجائب السبع التي زارها الملوك ثم الشعب. وهو أَول مَعْلَمٍ تُذكَرُ المرأة، أُسطوريةً أَو واقعيةً، في قصة بنائه والتعبُّد فيه بتأْدية الطقوس الدينية مرفوعة إِلى الإِلهة آرتيميس، يتضرَّع فيه المؤمنون لديها لحمايتهم، فهي في الأُسطورة الإِغريقية القديمة ابنةُ كبير الآلهة زوس وزوجته تيتانيس، من هنا قوة أَصلها وفعالية عجائبها. وعزى إِليها بعض المؤَرخين أَنها ليست ابنةً شرعية بل ثمرةُ اغتصاب، وبعضُهم الآخر ذكَر أَنها كانت تعاقِب الغطرسة لدى الرجال، وأَتلفت أُولى هدايا الآلهة للبشر. وفي روايات أُخرى أَنها إِلهة الصيد والحيوانات البرية.
شهرةُ هذا المعبد لا تقتصر على ضخامته كأَكبر معبدٍ في العالم القديم (137م. طولًا و69م. عرضًا، كان قائمًا على 127 عمودًا مزخرفًا من المرمر، علوُّ كلٍّ منها 18 مترًا)، بل لِما فيه من إِبداعات فنية زخرفية ومنحوتات رائعة الجمال، زالت جميعُها حين دمَّره القوطيون سنة 262 ميلادية، ولم يُبنَ بعدها فراحت بقاياه تندثر نهائيًا، ونثار الباقي من حجارته هو اليوم لدى المتحف البريطاني في لندن.
المهندس البريطاني جون تورتل وود (1821-1890) بدأَ البحث في الموقع سنة 1863. وبعد وقفات متفرقة عن التنقيب، وجد بقايا البقايا في 21 كانون الأَول/ديسمبر 1869 على عمق ستة أَمتار، فأَخرج بعض البلاطات المرمرية وعددًا من أَعمدة الأَساس، وسنة 1877 وضع تقريرًا عن نتائج تنقيباته. وسنة 1905 قام عالِما الآثار البريطانيان ديفيد هوبارت وأَنتوني أَندرسون بعمليات تنقيب أُخرى وجدوا فيها بقايا ثلاثة معابد صغيرة داخل معبد أَرتيميس الكبير.
-
تمثال زوس في الأُولِمبيا
نحَتَه نحو سنة 435 (ق.م.) المبدعُ الإِغريقي فيدياس (480-430 ق.م.) داخل هيكل أُولِمبيا في معبد زوس إِله السماء والرعد والصواعق وكبير الآلهة على جبل أُولِمبيا، ويجلس دومًا على عرش من خشب الأَرز.
بلغ طول التمثال نحو 12 مترًا وكان من أَكبر التماثيل في العالَم القديم. بنى معبدَهُ حكَّام الأُولِمبيا نحو سنة 430 قبل الميلاد، تحدِّيًا ما كان بناه حكامَ أَثينا من معابد. أَخذ السياح والمؤْمنون يزورون المعبد ليقدِّموا نذورهم إِلى زوس، والد أَرتيميس.
التمثال هو من نحو 1000 كلغ ذهبًا وعاجًا، مع زخرفاتٍ حجريةٍ جميلة وإِطار خشبي كبير حوله. على رأْس التمثال هالةٌ من أَغصان زيتون ذهبية، في يده اليُسرى صولجان يحمل نسْرًا، وفي اليُمنى تمثال نايْكْ إِلهة النصر. قاعدتُه مرمر من مقلع قرب أَثينا. وهو، تَسلْسلًا زمنيًّا، أَقدم عجائب الدنيا السبْع. داخل المعبد بقايا متعددة منها درع جندي كان ركض في السباق الأُولِمبيّ، وفخْذ فيتاغوراس الذهبية، وتمثالان للشاعرَين الإِغريقيين هيزيود وهوميروس.
تهدَّم المعبد نحو سنة 280م. وبعدما أَصدر الأَمبراطور الروماني تيودوسيوس الأَول سنة 393 أَمرًا بمنع الأَلعاب الأُولِمبية، أُهمل المعبد كليًّا ثم دمره نهائيًّا حريق هائل ضربه نحو سنة 426. وبعد عشر سنوات أُعيد ترميمه، سوى أَن حوادث طبيعية بين زلازل وطوفانات هدَمت أَعمدته العالية. وكان التمثال أُخذ من معبد القسطنطينة رمزًا تعلَّق به الأَباطرة البيزنطيون. لكن حريقًا ضخمًا في سوق القسطنطنية دمَّر التمثال نهائيًا.