تخطي إلى المحتوى
ما السيخية؟ وما القواعد الخمس التي يلتزم بها رجالها؟ ما السيخية؟ وما القواعد الخمس التي يلتزم بها رجالها؟ > ما السيخية؟ وما القواعد الخمس التي يلتزم بها رجالها؟

ما السيخية؟ وما القواعد الخمس التي يلتزم بها رجالها؟

اثنان من أتباعها اغتالا أنديرا غاندي.. تعود جذور الديانة السيخية إلى منطقة البنجاب (شمال غرب شبه القارة الهندية)، وتشكلت هويتها وتعاليمها بتقلبات الأوضاع الاجتماعية والسياسية هناك؛ فمنذ نشأتها قبل 5 قرون واجهت صعوبات مع حكام مغول الهند المسلمين، ونجحت أخيرا في تشكيل دولتها المستقلة فترة قصيرة قبل أن تنهار على يد البريطانيين. وبينما تعيش أغلبية السيخ في شمال الهند اليوم، فإن جالياتهم تحظى بنفوذ اقتصادي وسياسي لافت في الغرب.

كانت البداية على يد الشاب الهندوسي "ناناك" الذي ولد عام 1469 في بلدة سميت لاحقا "ناناك صاحب"، قرب مدينة لاهور الواقعة داخل باكستان اليوم، التي كانت آنذاك تابعة لسلطنة دلهي الإسلامية، تحت حكم السلالة الغورية. كانت نشأة ناناك في عائلة من طبقة الفيشيا، وهي الطبقة الثالثة وقبل الأخيرة في التسلسل الهرمي الهندوسي، التي يمتهن أبناؤها التجارة والوظائف البسيطة والمهن اليدوية. انتقل ناناك في سن 16 إلى مدينة سلطانبور (شمال الهند) لمتابعة العمل في وظيفة والده، وهي المحاسبة، مما ساعده على الاحتكاك بالمزيد من المسلمين والتعرف على الإسلام من باب التصوف، كما عُرف عنه الاهتمام بالإنشاد الديني وكتابة الشعر.

وفي سن الثلاثين -كما تقول بعض الروايات- بدأ ناناك الدعوة إلى ديانته الجديدة، محاولا إيجاد حالة تجمع بين الهندوسية والإسلام معا، فأطلق على نفسه لقب "غورو" الذي يقصد به في الهندوسية المعلم أو الإمام، وسمى أتباعه "السيخ" أي التلاميذ. وبما أنه لم يترك كتبا تشرح رسالته بوضوح، فقد نُقلت أناشيده شفويا حتى دُونت في بداية القرن 17، مما يلقي بظلال من الشكوك على أصالة تعاليمه وتفاصيل حياته الخاصة، لا سيما بعد اختلاطها ببعض الأساطير. يروي بعض أتباع ناناك قصصا عن رحلاته إلى مناطق بعيدة للتبشير بدعوته، بدءا بالتيبت والبنغال شرقا، ومرورا ببغداد وأذربيجان والقدس ومكة المكرمة، حتى وصل إلى الفاتيكان في أقصى الغرب، لكن بعض هذه الروايات لا تحظى بتأييد كبير من المؤرخين.

توفي ناناك عام 1539 بمدينة كارتاربور، عن عمر ناهز 70 عامًا، وتقول الأسطورة إن أتباعه من الهندوس والمسلمين تنازعوا على جذب الغطاء الذي كان يغطي جثته، ففوجئوا باختفائها وظهور كومة من الزهور.

أهم التعاليم

قد تبدو السيخية محاولة إصلاحية نشأت داخل الهندوسية، لكنها تختلف عن أصلها الهندوسي في بعض القواعد، وهي أقرب إلى الهندوسية من الإسلام، رغم محاولات مؤسسها لإيجاد صيغة توافقية ملفقة بين الديانتين. ومن أهم الأسس التي أقام عليها ناناك ديانته التوحيد، إذ رفض التعددية (الشركية) الهندوسية، وحاول إقناع أتباعه بأن الإله الهندوسي "فشنو" هو نفسه الإله الواحد الذي يعبده المسلمون، مبينا أنه إله مجرد لا يقبل التجسد ولا يدركه العقل، ولا يليق التقرب إليه بالأصنام والصور. ونظرا لميوله الصوفية الغنوصية، احتفظ ناناك بعقيدة وحدة الوجود الهندوسية، ورأى أن غاية البشر هي التقرب من الإله للاتحاد به.

تتشابه السيخية مع الهندوسية أيضا في أهم مبادئها، وهو تناسخ الأرواح. وكما يسعى الهندوسي إلى كسر حلقة التناسخ بعد الموت عبر الالتزام بالتعاليم وممارسة اليوغا، وذلك للوصول إلى مرحلة الانعتاق الروحي (موكشا)، يسعى السيخي أيضا إلى الخلاص وكسر دورة التناسخ بالالتزام بتعاليم دينه، ولكن الهدف الأسمى لديه هو تكريس النفس للإله.

وعندما يتعلق الأمر بمعنى الحياة، تبدو السيخية قريبة نسبيا من الإسلام، إذ تعتقد أن الأنانية والغضب والجشع والتعلق والشهوة هي "اللصوص الخمسة" التي تشتت الانتباه، وعلى الإنسان أن يدرك أن العالم الذي يعيش فيه بمثابة "وهم مؤقت" أو غير واقعي، لأن اللذات التي يحصل عليها لا تحقق سوى إشباع عابر يصرفه عن التقرب من الإله، والحل يكمن في تكريس النفس لإرضاء الإله بدلا من الانغماس في الشهوات.

ومع ذلك، تبدو السيخية متوازنة وبعيدة عن التقشف المبالغ فيه، فهي تحرم الرهبنة، وتطالب أتباعها بالسعي لطلب الرزق، وتنهاهم عن السلبية والتقاعس.

وعلى الصعيد الاجتماعي، تنص السيخية على المساواة بين الرجل والمرأة في المعاملات، ويُحسب لها النص على إلغاء الطبقية الهندوسية والمساواة بين جميع البشر، مع أن التطبيق العملي لهذه التعاليم ما زال بعيدا عن المأمول حتى الآن. ومن اللافت أن كثيرا من التعاليم المتبعة اليوم وُضعت بعد وفاة ناناك، إذ عهِد في آخر حياته إلى الغورو أنغاد لخلافته، على أساس أن سلسلة المعلمين الذين سيتوارثون قيادة الطائفة مؤهلون لاقتباس الحكمة وتطوير هذا الدين الجديد، وكان أنغاد أول شخص يكتب في السيخية، مما يجعل كتاباته بمثابة النص الأولي للأتباع.

التطورات السياسية

ارتبط تطور السيخية ارتباطا وثيقا بما عاصرته من أحداث واضطرابات سياسية؛ ففي حياة المؤسس ناناك سيطر المغول المسلمون على دلهي وانتزعوها من سلالة اللوديين، وذلك تحديدا عام 1526، ثم توسع نفوذهم للسيطرة على معظم شمال الهند بعد وفاة ناناك، وازدادت بذلك حدة التوتر بين الحكام المسلمين وبين شريحة من الهندوس والسيخ.

وفي منتصف القرن 16، أسس المعلم الرابع غورو رامداس المدينة المقدسة للسيخ في البنجاب باسم رامداسبور، التي تسمى اليوم أمريتسار، وتقع حاليا في الطرف الهندي للبنجاب، وعلى مقربة من الحدود الباكستانية.

وبوفاة رامداس، تولى ابنه الغورو أرجان قيادة الطائفة، ويعد أهم معلميها بعد ناناك، فهو الذي جمع تعاليم السيخ لأول مرة في "الكتاب المقدس" (آدي غرانث)، وأسس المعبد الذهبي الذي يعد حتى اليوم المعبد الأكثر قداسة لدى السيخ، والأهم من ذلك أنه وضع أسس تشكيل سلطة جديدة للطائفة.

تعرض السيخ في عصر أرجان للاضطهاد من الحكام المغول، فبدأ تسليح أتباعه، مما دفع السلطان جهانكير -الذي يعد المؤسس الحقيقي لإمبراطورية المغول- لاعتقاله. وتقول المصادر السيخية إنه تعرض للتعذيب عدة أيام حتى وفاته عام 1606 عن 43 سنة؛ مما يجعله شهيدا مقدسا لدى السيخ حتى اليوم.

أحدث مقتل أرجان نقلة نوعية في مسار تطور الديانة الناشئة، إذ تخلى المعلمون اللاحقون عن مبادئ المحبة والسلام، وتأججت الروح القتالية لدى الأتباع في عصر الغورو الخامس هارغوبيند الذي بدأ تشكيل جيش سيخي للانتقام لمقتل والده أرجان، وكان يتقلد سيفين يرمزان للعالمين الروحي والزمني، وهما اللذان أصبحا رمزا للسيخ فيما بعد.

خاض جيش هارغوبيند 4 حروب ضد المغول، وظلت الحرب سجالا بين الطرفين، إذ صمد السيخ طويلا رغم خسائرهم الكبيرة، وهدأ التوتر في عصر المعلمين التاليين هار راي وهار كريشنا، إلى أن جاء الغورو التاسع تيغ بهادور الذي كان محاربا جلدا، ووقع أسيرا في قبضة الإمبراطور المغولي محيي الدين أورنغزيب.

يعد أورنغزيب آخر سلاطين مغول الهند العظماء، وكان سياسيا محنكا أتقن استمالة الهندوس بتوليتهم مناصب عليا في الجيش والحكومة، فنجح في فرض الهوية الإسلامية على أنحاء الهند، وكان لا يتهاون في معاقبة المسلمين الذين استمالتهم الهندوسية في بعض المناطق، كما اتخذ سياسة صارمة في التصدي للسيخ وفرض عليهم الجزية.

تقول بعض المصادر إن أورنغزيب حاول إجبار الغورو تيغ بهادور على اعتناق الإسلام تحت الضغط والتعذيب، وعندما رفض الأخير الانصياع كان مصيره الإعدام بتهمة التمرد، ليكون ثاني المعلمين "الشهداء" في تاريخ السيخ، وخلَفه من بعده المعلم العاشر والأخير غورو غوبيند سينغ.

أضاف غوبيند سينغ تعديلات جديدة على الديانة السيخية؛ ففي عام 1699 ابتكر مفهوم "خالصة"، المقتبس عن المصطلح العربي، وهو نظام للحياة يقوم على صفاء القلب والعقل، وعلى الاستعداد الدائم لمحاربة الظلم، وأصبح الرجال السيخ الذين يتم تعميدهم وفقا لهذا النظام يتخذون لقب "سينغ" الذي يعني الأسد، إذ ما زال هذا اللقب شائعا بين السيخ حتى اليوم.

وضع غوبيند سينغ أيضا القواعد الخمس التي يجب على الرجال السيخ الالتزام بها، وجميعها تبدأ بحرف الكاف باللغة البنجابية، وهي "كيسا" أي إطالة شعر الرأس واللحية للرجال مع وضع العمامة، و"كنغاها" وهي حمل مشط دائما لتصفيف الشعر، و"كاشا" التي تعني لبس سروال متسع ينتهي تحت الركبتين، و"كارا" وهي اتخاذ سوار فولاذي حول المعصم، وأخيرا "كيربان" التي تلزم السيخي بحمل خنجر فولاذي للتحلي والحماية من أعدائه غير السيخ.

ومن أهم إنجازاته وضع غوبيند سينغ الصورة النهائية "للكتاب المقدس"، فأضاف إلى "آدي غرانث" ملحقا آخر سمي "غورو غرانث صاحب"، معلنا أن هذا الكتاب سيكون هو المعلم 11 والأبدي للسيخ. وما زال السيخ يعظمون هذا الكتاب حتى اليوم، فيحتفظون به تحت مظلة على منصة مرتفعة، ويخلعون أحذيتهم في وجوده.

من الإمبراطورية إلى التقسيم

مع وفاة السلطان أورنغزيب عام 1707، بدأت شمس مغول الهند الأفول، لينتهز السيخ الفرصة بإعادة تنظيم صفوفهم وتوسيع مجال نفوذهم في مساحات الانحسار، فشنوا حملات ضد فلول المغول وضد الأفغان في الغرب، ونجحوا في تأسيس ولايات متحالفة فيما بينها، تمهيدا للاستقلال.

وبعد قرن على وضع نظام "خالصة"، نجح رانجيت سينغ في توحيد السيخ تحت سلطته وتأسيس أول إمبراطورية سيخية، واتخذ لنفسه لقب مهراجا، باسطًا سلطته على مناطق واسعة من البنجاب وكشمير ولداخ وبيشاور، كما اعتنق العديد من الفلاحين المسلمين والهندوس في تلك المناطق الديانة السيخية المهيمنة.

تشير التقديرات إلى أن نسبة السيخ من سكان الإمبراطورية لم تكن تزيد على 15%، فالأغلبية كانوا من المسلمين، بجانب أقلية صغيرة من الهندوس؛ لذا انتهج الحكام السيخ سياسة الانفتاح على رعاياهم، ومنحوا المسلمين مناصب مهمة في الدولة.

وعندما بدأ البريطانيون احتلال الهند في القرن 19، حرص السيخ على مهادنتهم وعدم الاصطدام بهم، كما حرص البريطانيون على تقييد النفوذ السيخي عند حدود نهر ستليج الذي شكل خط الحدود بين الدولتين.

وبعد وفاة رانجيت سينغ عام 1839، وقعت مملكته الناشئة في الفوضى، وتوتر الوضع عند الحدود مع البريطانيين، فاندلعت أول حرب بين الطرفين عام 1845، وخلال بضع سنوات تم حلّ الدولة السيخية وانهار حلم الاستقلال.

ورغم ما سبق، نجحت السياسة البريطانية في استمالة السيخ إلى جانبها، وتكثفت حركة تجنيد السيخ من البنجاب في الجيش الهندي البريطاني، حتى أصبحوا قوة ضاربة طيلة 90 عاما التالية من حكم الراج البريطاني في الهند، وكان لهم دور في قمع حركات التمرد الوطنية ضد الاحتلال.

وبعد قرن على انهيار الدولة السيخية، استقلت شبه القارة الهندية عن الاحتلال البريطاني، وبدأت مرحلة أخرى من الاضطرابات بتقسيم البلاد بين الهند وباكستان، فكانت البنجاب الواقعة بينهما من أكثر المناطق تضررا، إذ اضطر ملايين السيخ والهندوس والمسلمين للانتقال بين طرفي الحدود، وانتهى الأمر باستقرار أغلب السيخ في الجزء الهندي من البنجاب.

طالب السيخ منذ استقلال الهند بدولة خاصة بهم تحت مسمى "خالستان"، وبعد 20 عاما من المحاولات منحتهم الحكومة الهندية وضعا خاصا للحكم الذاتي بمقاطعة البنجاب، لكن ذلك لم يكن كافيا، فانتهى الأمر باقتتال طائفي بين الهندوس والسيخ في مطلع عقد الثمانينيات من القرن العشرين، مما دفع الحكومة إلى إرسال قوات عسكرية للقضاء على التمرد عام 1984.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 1984، صُدم العالم بنبأ اغتيال رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي، التي كانت أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ الهند، إذ لقيت مصرعها برصاص شابين من السيخ، انتقاما لمقتل المئات من أتباع الطائفة جراء اقتحام القوات الحكومية المعبد الذهبي المقدس في أمريتسار بالبنجاب.

وأدى حادث الاغتيال إلى تجدد العنف الطائفي بين السيخ والهندوس، فقتل خلال الأيام التالية ما يزيد على 3 آلاف من السيخ.

نجاح في الغرب

يبلغ عدد السيخ في العالم اليوم نحو 25 مليونا، معظمهم في الهند، في حين تتوزع كبرى الجاليات بين الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا، إلى جانب أقليات صغيرة في أنحاء العالم، أما عددهم في باكستان فيُعتقد أنه أقل من 100 ألف فقط. ويحظى السيخ في بعض الدول الغربية بنفوذ لافت، لا سيما مع تمتعهم بوضع اقتصادي جيد، الأمر الذي يمكن نسبته جزئيا إلى تعاليم ناناك المشجعة على السعي والكسب بدل التقشف.

كما أدت ثقافة التكاتف والانغلاق التي تراكمت خلال قرون من الصراع مع المغول إلى احتفاظ الجاليات السيخية بقدر مهم من الانضباط والتعاون، الأمر الذي يبدو جليا في ضخامة معابدهم ببعض المدن الأميركية والأوروبية، والتفاف أبناء الجالية حول الجمعيات الثقافية الخاصة بهم.

ورغم التكاتف بين أبناء هذه الجاليات، ينجح العديد من أبنائها في ارتقاء سلم النجاح الاقتصادي والسياسي؛ ففي كندا -على سبيل المثال- نجح 20 سيخيا في الانتخابات البرلمانية عام 2015، ثم أصبح 4 من هؤلاء النواب السيخ وزراء في حكومة رئيس الوزراء جاستن ترودو، وهو عدد يزيد على عدد الوزراء السيخ في الهند.

ومن أبرز هؤلاء الوزراء هارجيت سينغ ساجان الذي تولى منصب وزير الدفاع الكندي منذ 2015 وحتى 2021، وذلك بعد خدمته الطويلة في صفوف الشرطة والاستخبارات والجيش، حيث ظل ملتزما بعمامته السيخية طوال تلك الخدمة.

أما المحامي الكندي جاغميت سينغ، فنجح عام 2017 في تولي رئاسة الحزب الديمقراطي الجديد، ودخل العام الماضي سباق الانتخابات على رئاسة وزراء كندا، مع التزامه أيضا بمظهره الديني الذي يشمل إطالة اللحية وارتداء العمامة.

المصدر: 
الجزيرة نت