تخطي إلى المحتوى
"محمد عدنان سالم" يرتقي إلى بارئه شامخا بقلم د.طه كوزي "محمد عدنان سالم" يرتقي إلى بارئه شامخا بقلم د.طه كوزي > "محمد عدنان سالم" يرتقي إلى بارئه شامخا بقلم د.طه كوزي

"محمد عدنان سالم" يرتقي إلى بارئه شامخا بقلم د.طه كوزي

أتمثل في مخيلتي شوارع "البرامكة" و"الحلبوني" "بدمشق" فأجدها خالية حزينة ذابلة من بعدك، فمن للأقلام الناشئة من أب رؤوم يرثك، وإننا الليلة نودع حضنا دافئا كان لابن نبي الملاذ، ولعلماء الشام العماد، وللمسيري الحصْن والزناد... لا أجد الكلمات التي بها أرثيك، وقد تبعثرتْ مني الحروف التي بها أبكيك، تتسارع الصور في مخيِّلتي وذاكرتي من جلساتنا في حضرتك بمناسبة "وسام العالم الجزائري" قبل أربع سنين، وقد ملأت بحضورك المكان أنسا وعِطرا، ولا تزال جلساتنا الودية والرسمية على ضفاف الوسام، تعبُّنا حكمة وحنْكة، وكم علمْتنا أن الوطن قطعة من الكبد فلا تغادره ولا تهجره؛ بل فيه فجاهد وفي سبيله فهاجِر، وكم أدبتنا أن الحياة رسالة فلا ترض بالرغيف رشوة للسكوت والسكون، وكم بفكرك بصّرْتنا أن التطبيع جريمةٌ وخيانةٌ فلا تبع الضمير...

صعقني خبر مغادرتك وارتقائك شهيدا فهرعتُ إلى هاتفي، وعدتُ إلى آخر رسالة لك إليّ عبر الوتساب أستذكر آخر حواراتي معك، وأسترجع آخر مراسلاتي إليك، وإني أقرأها اللحظة فأجد صوتك المبحوح الحاني يخترق مسامعي؛ ويكأنك من خلال هذه الرسالة تودع أجيالا خدمتَها فكرا وعلما لعقود، لتورثهم الرسالة من بعدك، وتشد على أيديهم ألا يهنوا ولا يحزنوا، ويقفوا رغم البلى والعدى ثابتين شامخين: فكانت هذه الكلمات آخر عهدي بك عالما، مربيا، متواضعا، حليما، شامخا، عارفا أنه يوما ما سيموت:

عزيزي د. طه ... (وكأني به يخاطب كل شابة وشاب من شباب الأمة فلا فضل لي في التخصيص)...

سرني تلقي رسالتكم , وأنا في عزلتي في بيتي .

وعلى الرغم من نجاح العملية الجراحية التي أجريتها منذ أربعة أشهر ؛ فإني بدأت أعاني من التهابات حادة في المفاصل ؛ بلغت ذروتها في شهر مارس الذي حمل إلينا على مدى أسبوعين كاملين ، رياحاً عاصفة عاتية ؛ بلغت سرعتها 80 كم/ س مصحوبة بأمطار غزيرة ، وثلوج لم يسبق للبلاد أن شهدت نظيراً لها .

وزاد من وطأتها ما يعانيه البلد من انقطاع في التيار الكهربائي لفترات طويلة ، وندرة في المحروقات .

وأنا الآن أتابع معالجاتي بإشراف أطباء مهرة.. أكتب إليك بيدي اليمنى ، ويسراي مشدودة إلى أكياس السيروم التي أتلقاها لتعويض السوائل التي فقدتها ، والله المستعان .

وعوْداً إلى موضوعي الرئيسي ؛ فأنا الآن في شيخوختي ، على الرغم من احتفاظي والحمد لله بذاكرتي ، لم تعد لدي الطاقة الإبداعية التي كانت لي ، فأنا أجتر ما في مخزوني الفكري مضيفاً إليه بعض الإضافات الطفيفة .

العصر الآن عصركم ؛ ينتظر إبداعاتكم ، ودوري لا يتعدى اللمسات الطفيفة ، والتدقيق اللغوي والإملائي ، وعلامات الترقيم ، وبعض (الروتوش) . أنتظر إبداعاتكم .. لقد طويت الصحف ، وجف القلم !!

من صفحة الدكتور طه_كوزي

في رثاء محمد_عدنان_سالم

المصدر: 
دار الفكر