قبل أن تصير اليابان بالصورة المسالمة التي تبدو عليها اليوم، مرّ تاريخ اليابان في العصر الحديث بمراحل مختلفة، فبعد أن عاشت فترة الإقطاع التي مثلها نظام الشوغونية الذي أسسه توكوغاوا إياسو، أتى شاب اسمه ميجي أنهى تلك الحقبة من تاريخ اليابان.
وميجي هو لقبٌ اكتسبه الإمبراطور الياباني موتسوهيتو نظراً لدوره في تحديث اليابان في فترة حكمه، ولقّب أيضاً بميجي العظيم.
إمتدّ عصر ميجي لـ44 سنة من تاريخ اليابان، بدءاً من سنة 1868 التي شهدت تنصيب ميجي إمبراطوراً لليابان، وصولاً إلى 1912 التي توفيّ فيها.
كان الإمبراطور ميجي أول حاكم لليابان يمارس السلطة السياسية الفعلية منذ قرون، كما أنّه أسهم في إخراج اليابان من عزلتها وتحويلها إلى قوة عظمى بفضل تأسيسه لجيش لا يرحم.
ميجي الإمبراطور الذي أنهى الإقطاع باليابان
وقبل جلوس ميجي على العرش، عاشت اليابان تحت حكم نظام طبقي صارم، كان لكل فرد ياباني فيه دوره وطبقته التي يعيش فيها، كانت تلك الحقبة تحت حكم العائلة الشوغونية التي قسّمت اليابان إلى 4 فئات.
كان التجار والحرفيّون في الطبقة الدنيا، والمزارعون يلونهم، وهم أكبر فئة في المجتمع الياباني آنذاك، ثم جنود الساموراي، وهم المقاتلون الذين يدينون بالولاء للداميو، وهي طبقة من النبلاء يحكمون المناطق والأقاليم، وفوقهم الشوجون، أقوى زعيم عسكري في اليابان والحاكم الفعلي لها، ويعلوهم جميعاً الإمبراطور.
لم يكن لليابان خلال تلك الفترة جيش نظامي يحمي البلاد، إذ اكتفى الإمبراطور حينها برجال الساموراي الذين كانوا الوحيدين الذين يسمح لهم حمل السيف والقتال.
ومع الاستقرار الذي كانت تعيشه اليابان منذ ثلاثينيات القرن الـ16م، بسبب العزلة التي فرضها حكمه حينها على اليابانيين، ومنعهم من التواصل مع الخارج. إذ حدّ حكام اليابان حينها من الاتصال بكوريا والصين، وتم استبعاد جميع الأوروبيين باستثناء الهولنديين. الذين حوصروا في مركز تجاري في ناجازاكي، تحوّل رجال الساموراي إلى تكلفة باهظة للإمبراطور، وفتح الباب على مصراعيه لتغيير سياسي كبير في اليابان مع انتصاف القرن التاسع عشر.
نهضة ميجي.. 44 سنة جعلت اليابان تخرج من التخلف
عندما أُعلن ميجي إمبراطوراً لليابان في عام 1868، كانت اليابان دولة ضعيفة عسكرياً، وكان اقتصادها في الأساس يعتمد على الزراعة، ولم يكن لديها سوى القليل من التطور التكنولوجي.
كان يسيطر عليها المئات من اللوردات الإقطاعيين شبه المستقلين. أجبرت القوى الغربية -أوروبا والولايات المتحدة- اليابان على توقيع معاهدات حدّت من سيطرتها على تجارتها الخارجية، وطالبت بمحاكمة الجرائم المتعلقة بالأجانب في اليابان ليس في المحاكم اليابانية ولكن في المحاكم الغربية.
ولكن عندما انتهت فترة ميجي بوفاة الإمبراطور عام 1912، كانت اليابان تمتلك دستوراً يؤسس لبرلمان منتخب، ونظام نقل ومواصلات متطور، وشعباً متعلماً وقطاعاً صناعياً قوياً وسريع النمو، وفوق كلّ ذلك كان لدى اليابان جيش قوي وبحرية مدمرة هزمت أعتى الإمبراطوريات، وهي الإمبراطورية الروسية، وجعلت من اليابان الدولة التي لا تقهر.
خلال عصر ميجي استعادت اليابان سيطرتها الكاملة على تجارتها الخارجية ونظامها القانوني، ومن خلال الحروب انتصرت في معركتين قويتين أمام روسيا والصين حققت من خلالهما نفوذاً وتوسعاً كبيراً.
لكن كيف فعل ميجي كل ذلك؟
في البداية عرض ميجي على اللوردات الإقطاعيين وفئة الساموراي راتباً سنوياً، تم تغييره لاحقاً إلى دفعة لمرة واحدة، وبذلك فقد الساموراي امتيازاتهم الطبقية، خصوصاً عندما أعلنت الحكومة أن جميع الطبقات متساوية.
وبحلول عام 1876 كانت فئة الساموراي أمام ضربة قاضية، عندما حظر ميجي ارتداء سيوف الساموراي، وبذلك بدأ جنود الساموراي في حلاقة الشعر على النمط الغربي، وتقلدوا وظائف في الأعمال التجارية والمهن.
في خطوة أخرى، قام ميجي بحلّ الجيوش في كل مجال، مقابل ذلك تم إنشاء جيش وطني قائم على التجنيد الشامل في عام 1872، ما يتطلب خدمة عسكرية لمدة 3 سنوات من جميع الرجال.
قام ميجي أيضاً بإنشاء نظام وطني للضرائب على الأراضي يتطلب الدفع نقداً بدلاً من الأرز، ما سمح للحكومة بتحقيق الاستقرار في الميزانية الوطنية. هذا أعطى الحكومة المال لإنفاقها لبناء قوة الأمة.
وفي محاولة لتوحيد الأمة اليابانية استجابة للتحدي الغربي، أنشأ ميجي أيديولوجية مدنية تتمحور حول الإمبراطور، بحيث تحوّل إلى رمزٍ للثقافة اليابانية والاستمرارية التاريخية.
كما قام ميجي بربط نفسه بديانة الشنتو التي كانت الديانة الرسمية لليابانيين، من خلالها تحوّل ميجي إلى رمزٍ ديني حلّ محلّ بوذا.
وبعد تخلص حكومة ميجي من المعارضة التقليدية، تقدّمت في تحويل المجتمع من مجتمع زراعي يعتمد على زراعة الأرز إلى مجتمع صناعي يبني منتجات ثقيلة، بل غيّر اللباس وتراجع حضور الأزياء اليابانية التقليدية أمام سيطرة الزي الأوروبي الحديث على معظم أفراد النخبة الحاكمة، بما فيهم الإمبراطور شخصياً.
ليشرع ميجي في إخراج اليابان تدريجياً من عزلتها الخارجية، وسافر المسؤولون اليابانيون في جميع أنحاء العالم لتعلّم كل ما في وسعهم عن التكنولوجيا الحديثة.
ولمّا عادوا إلى اليابان، بدأت نتائج ذلك الانفتاح في الظهور، ما أدى إلى بناء خطوط القطارات وخطوط التلغراف.
ومع ذلك، أكد الدستور الياباني لعام 1889 على الاحترام العميق للإمبراطور، الذي تم ترسيخ مكانته الإلهية في الحكومة.
حروب ميجي ضد الصين وروسيا التي جعلت اليابان قوة عظمى
بحسب all that's interesting، لم يمضِ وقت طويل حتى أرادت اليابان تجربة قوتها الحديثة وجيشها الجديد، كان ذلك في سبعينيات القرن الـ19، حيث وضعت الإمبراطورية اليابانية أعينها على كوريا، التي كانت إلى حد كبير تحت سيطرة الصين ولكنها غنية بالموارد التي أرادتها اليابان.
في عام 1894، تصاعدت التوترات المتزايدة بين البلدين بشأن كوريا إلى الحرب الصينية اليابانية الأولى. وفقاً لـ الموسوعة البريطانية، اعتقد المراقبون الأجانب أن الصين، بجيش أكبر في العدد، ستنتصر في القتال. لكن الجيش الأكثر حداثة في اليابان انتصر في النهاية على الصينيين.
أُجبر الصينيون على التوقيع على معاهدة السلام، ومنحت معاهدة شيمونوسيكي الناتجة مساحات شاسعة من الأرض لليابان. لكن هذا لم يكن كافياً لليابانيين.
ذكرت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست أن اليابانيين قتلوا الملكة الكورية في عام 1895، لأنه يبدو أنها قد ناشدت روسيا لوقف النفوذ الياباني.
في ذلك الوقت، نظرت الإمبراطورية اليابانية بشكل متزايد إلى روسيا باعتبارها تهديداً مباشراً خصوصاً بعد أن سعت موسكو إلى توسيع نفوذها في جميع أنحاء آسيا.
في عام 1904، خاض البلدان الحرب بعد أن رفضت روسيا الاعتراف بمجال نفوذ اليابان في كوريا. تماماً كما في الحرب الصينية اليابانية الأولى، قلل المراقبون الأجانب للحرب الروسية اليابانية من تقدير القوات اليابانية. لكن في النهاية انتصر ميجي على الروس.
المصدر عربي بوست