تخطي إلى المحتوى
ناشرون مغاربة لـ«الشرق الأوسط»: هناك إقبال على الكتب المترجمة... ونحتاج إلى دعم ... ترجمة كتب إلى العربية من لغات أخرى «عبر وسيط» يمكن أن تؤثر على القيمة النهائية للعمل المترجم ناشرون مغاربة لـ«الشرق الأوسط»: هناك إقبال على الكتب المترجمة... ونحتاج إلى دعم ... ترجمة كتب إلى العربية من لغات أخرى «عبر وسيط» يمكن أن تؤثر على القيمة النهائية للعمل المترجم > ناشرون مغاربة لـ«الشرق الأوسط»: هناك إقبال على الكتب المترجمة... ونحتاج إلى دعم ... ترجمة كتب إلى العربية من لغات أخرى «عبر وسيط» يمكن أن تؤثر على القيمة النهائية للعمل المترجم

ناشرون مغاربة لـ«الشرق الأوسط»: هناك إقبال على الكتب المترجمة... ونحتاج إلى دعم ... ترجمة كتب إلى العربية من لغات أخرى «عبر وسيط» يمكن أن تؤثر على القيمة النهائية للعمل المترجم

ما فتئت الترجمة تثير الأسئلة والقلق. لا يتعلق الأمر، هنا، بنقاش طارئ أو قضية مستجدة، سواء لدى الخوض في العلاقات بين البشر أو عند رصد تلاقح الثقافات الإنسانية.

على المستوى العربي، يكفي أن نستحضر «بيت الحكمة» والدور الذي لعبته هذه «المؤسسة» على مستوى نقل المعارف الأجنبية إلى اللغة العربية، وصولاً إلى الدور المؤثر الذي لعبته الترجمة في التحولات التي عرفتها المنطقة العربية في العصر الحديث.
على المستوى الأدبي، ينظر إلى الترجمة، أحياناً، بعين «الريبة والحذر»، على اعتبار أنها، حتى في أرقى مستوياتها، كما يرى الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو «لا يمكن أن تفي بالنص الأصلي وأن تؤديه تماماً»؛ إذ تأتي «في مرتبة ثانية، في وضع ثانوي، تستمد كيانها من غيرها، بينما يستمد النص كيانه من ذاته». بالنسبة لبول ريكور، فـ«الترجمة لا تطرح فقط عملاً فكرياً، نظرياً أو تطبيقياً، ولكنها تطرح مشكلة أخلاقية تتمثل في تقريب القارئ من الكاتب وتقريب الكاتب من القارئ».

لكن ماذا عن حركة الترجمة، اليوم، في البلدان العربية؟ هل هناك إقبال على الكتب المترجمة أكثر من الموضوعة؟ ما هي الدوافع وراء ذلك؟

هنا، وجهات نظر ثلاث من مسؤولي دور النشر في المغرب، تتضمن تقييمهم ووجهة نظرهم بخصوص واقع الترجمة الأدبية في العالم العربي، بشكل عام، والمغرب، بشكل خاص، مع توقفهم عند ما تتطلبه العملية من جهد، وما تحتاج إليه من دعم.

- كردي: انتظارات القراء وتمكن المترجم

يرى بسام كردي، مسؤول «المركز الثقافي للكتاب» بالدار البيضاء، أن أغلب منشورات المركز هي عربية في أصلها، وأن ما يترجم من الكتابات التي تقوم الدار بإصدارها قليل، بحيث لا تتجاوز نسبته 5 في المائة.

وأوضح كردي، أن ما يصدره المركز من منشورات مترجمة، تحكمه عوامل مرتبطة بالسياق المغربي على مستوى القراءة والتلقي. فعلى مستوى الأعمال الروائية المترجمة، مثلاً، تحدث كردي عن أعمال من الأدب الروسي، الذي تتم ترجمتها من اللغة الروسية مباشرة، وليس عبر لغات أخرى وسيطة، سبق أن تُرجمت إليها.

وشدد كردي على حرص المركز على إصدار كتب مترجمة في الأنثروبولوجيا، مثلاً، بالنظر إلى حاجة سوق القراءة إلى هذه النوعية من الكتابات، مع إشارته إلى أن بعض الناشرين العرب يترجمون الروايات الأجنبية، وهي ترجمات قال، إنها تلقى إقبالاً ضعيفاً في المغرب، مقارنة بما هو عليه الحال في المشرق، وخصوصاً منطقة الخليج.

وبسط كردي تفسيرات لهذا الأمر، بقوله، إن القارئ، عموماً، والمثقف، بشكل خاص، في المغرب تحكمه خلفية ازدواجية اللغة، وبالتالي تجده يفضل قراءة الروايات الفرنسية في لغتها الأصلية، من دون الحاجة إلى قراءتها مترجمة إلى العربية. وعلى العكس من ذلك، فالتمكن من الفرنسية في المشرق يبقى ضعيفاً مقارنة بالمغرب، ومن هنا الحاجة إلى ترجمة مثل هذه الأعمال من لغتها الفرنسية إلى العربية.

وزاد كردي قائلاً، إنهم يفضلون في المركز نشر أعمال موضوعة بالعربية، وحين يستدعي الأمر ترجمة كتابات من لغات أخرى، يتم التوجه، بشكل كبير، إلى مترجمين موثوقين، أكدوا علو كعبهم في الميدان، بحكم تمرسهم مع البحث والكتابة، على غرار فريد الزاهي وسعيد بنكراد وإدريس الملياني.

- سليكي: دعم الترجمة

يرى طارق سليكي، مسؤول دار النشر «سليكي أخوين»، بطنجة، أن الترجمة في العالم العربي تبقى ضعيفة مقارنة بالدول الغربية، ممثلاً لوجهة نظره بمستوى إنتاج الكتب في العالم العربي مجتمعاً، والذي قد لا يعادل ما تنتجه فرنسا وحدها في مختلف أصناف الكتابة.

وهو يعتقد أن الترجمة غير نشطة في العالم العربي، من دون أن ينفي وجود إقبال عليها من طرف عدد من دور النشر العربية، مبرراً وجهة نظره بحديثه عن منح للترجمة تقدمها بلدان معينة في إطار تشجيع منتوجها الثقافي والتعريف به وتقديمه على مستوى ثقافات أخرى.

وأشار سليمي إلى فرنسا التي تدعم ترجمة الكتاب الفرنسي من الفرنسية إلى لغات أخرى، وكذلك الحال مع ألمانيا وبريطانيا؛ ما يعني أن الأمر مرتبط، من وجهة نظره، بإرادة دولة. أما بالنسبة إلى الوطن العربي، يضيف سليكي، فهناك دائماً ترجمة من لغات أخرى إلى العربية، في حين الترجمة من العربية إلى لغات أخرى ضعيفة جداً، إن لم نقل إن أرقامها لا تتجاوز مسألة المجاملات بين الأصدقاء الذين يترجمون لبعضهم بعضاً. لكن سليكي يتساءل، هل هناك مشروع تتبناه دولة عربية ما لدعم ترجمة الإنتاج العربي إلى لغات أخرى؟

يشدد سليكي على أن تكلفة الترجمة تكون، أحياناً، أكبر بكثير مما يمكن أن يربحه ناشر أو كاتب من العمل الذي أنتج في لغته الأم، بحيث إن عملاً من 300 إلى 350 صفحة ربما يُمكّن المترجم من الحصول على 4 آلاف دولار، وبالتالي فالعملية لا يمكن للناشر أن يتحملها إلا في إطار مؤسساتي، عبر دعم توفره جهة ما.

وتطرق سليكي إلى ما وصفه بـ«عقدة الآخر»، التي تستدعي تغييراً في العقليات، مشيراً إلى أن ما ينتجه الآخر، وراء البحر، ينظر إليه البعض على أساس أنه أفضل مما ينتج في العالم العربي؛ ما يعني أن هناك أفكاراً قبلية بخصوص العمل الأدبي والفكري، في حين يستدعي الأمر الاطلاع على العمل قبل الحكم المسبق عليه.

وبعد أن أشار إلى وجود أسماء متمكنة ولها باع طويل في الترجمة مع نوع من الجدية في العمل، تطرق سليكي إلى مسألة لها دورها على مستوى القيمة النهائية للعمل المترجم، والمتمثلة في أن بعض الكتابات لا تترجم أحياناً من اللغة الأولى للكتابة إلى العربية إلا عبر وسيط، أي أنه تتم ترجمة كتاب إلى العربية من الفرنسية التي سبق أن ترجم إليها من الألمانية أو الروسية أو الإنجليزية أو غيرها. وبالتالي، فبما أن الترجمة تقدم عادة كخيانة لنص أصلي، فإنه يبقى لنا أن نقيس حجم الخيانات التي يتعرض لها النص قبل نزوله ضيفاً على لغتنا العربية.

وبخصوص حقوق الترجمة، أشار سليكي إلى أن مسألة الدعم هي التي تسهل العملية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الترجمة مسألة لغوية ودفاع عن ثقافة ما، بنشرها والتعريف بها لدى الآخر، مع إشارته إلى أن تقديم الدعم لنشر لغة وثقافة له، في أغلب الأحيان، أهداف أكبر. وشدد، في هذا الصدد، على أن القيمة التي من المفترض أن تعطى للثقافة واللغة في الوطن العربي لا يتم استشرافها والانتباه إليها بعد، بالشكل المطلوب.

وختم سليكي بالحديث عن تجربتهم الخاصة مع ترجمة أعمال بلغات أخرى إلى العربية، مشدداً على أن الأمر مكلف على مستوى النشر، بالنظر إلى متطلبات تمويل هذه العملية، التي تبقى أمراً صعباً، بالنظر إلى الكلفة التي تتطلبها عملية الجمع بين متطلبات حقوق المؤلف، وحقوق المترجم والطباعة؛ مع إشارته، في سياق حديثه عن الدعم الذي يمكن أن يخصص لهذه العملية، إلى إصدار عناوين لكتاب إسبان ترجمت إلى العربية بدعم من وزارة الثقافة الإسبانية، من منطلق دعمها عملية نقل الكتاب الإسباني إلى لغات أخرى. كما أشار إلى دعم مؤسسات أخرى لنشر كتب مترجمة من الفرنسية إلى العربية.

- كرماح: قيمة مضافة وعائد مادي

وذكر يوسف كرماح، صاحب دار النشر «أكورا»، بطنجة، أن هناك إقبالاً على الترجمة، مشيراً إلى أن الكتب المترجمة تبقى الأكثر مبيعاً. وهنا، يطرح كرماح سؤالاً، «لماذا؟»، ليجيب «لأن القارئ العربي يريد أن يكتشف الآخر. هو يعرف الوضع العربي بمختلف تجلياته؛ لذلك يقبل على الأعمال المترجمة من لغات وثقافات أخرى».

ويشرح كرماح وجهة نظره قائلاً «عندما نجد إقبالاً على كتابات الروائي الياباني هاروكي موراكامي أو الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، مثلاً، فذلك لا يعني، بالضرورة، أن كتاباتهما خارقة للعادة، بل لأن القارئ العربي يجد متعة لقراءة ثقافة أخرى، يكتشفها من خلال هذا العمل أو ذلك».

وزاد كرماح، موضحاً وجهة نظره «إننا حين نقرأ لموراكامي أو لمواطنه يوكيو ميشيما، مثلاً، فإننا نكتشف اليابان بثقافتها وعاداتها وطريقة تفكير أهلها. والشيء نفسه ينطبق على كتاب أميركا اللاتينية أو حتى الكتاب الأميركيين، على غرار تشارلز بوكوفسكي وجون فانتي. وهذا الإقبال لا يعني، كما قلت سابقاً، أن الأمر يتعلق بكتابات خارقة، بل لأن هذه الأعمال، من اليابان إلى أميركا الشمالية واللاتينية، وغيرها، تحيلنا على الثقافة والعادات والتقاليد والتاريخ الخاص بمناطق أخرى في العالم».

وجواباً عن سؤال إذا ما كان الإقبال على الترجمة يعني أن العائد المادي من وراء الكتب المترجمة يكون أكبر مقارنة بالمنشورات الأخرى، قال كرماح «فعلاً، عائدات الكتب المترجمة أعلى؛ لأنها تباع أكثر؛ ليس في المغرب فقط، بل في عموم العالم العربي. الترجمة تحظى بإقبال كبير جداً. وهي لها دوران: دور مادي من جهة أنها تكتفي بذاتها وتحقق أرباحاً، فضلاً عن الجانب الأدبي والإبداعي، من جهة ما توفره من متعة الاكتشاف والتعرف على الثقافات والأعراف وتوسيع المدارك بالنسبة للقارئ العربي».

المصدر: 
الشرق الأوسط