تخطي إلى المحتوى
كتب الرصيف في السودان "تتسول" القراء ... بسطات الشارع ازدهرت قديماً لكن الأوضاع الاقتصادية حالياً جعلتها بلا رواد كتب الرصيف في السودان "تتسول" القراء ... بسطات الشارع ازدهرت قديماً لكن الأوضاع الاقتصادية حالياً جعلتها بلا رواد > كتب الرصيف في السودان "تتسول" القراء ... بسطات الشارع ازدهرت قديماً لكن الأوضاع الاقتصادية حالياً جعلتها بلا رواد

كتب الرصيف في السودان "تتسول" القراء ... بسطات الشارع ازدهرت قديماً لكن الأوضاع الاقتصادية حالياً جعلتها بلا رواد

منذ #نشأة_الإنسان وهو يملك شغف البحث لما يدور حوله، ومع بداية ظهور المؤلفات ووضعها بين دفتي كتاب حاملاً عنوان ما تحويه الأوراق، زادت العلاقة بينمها باعتبار الإصدارات مرجعاً ينهل منه طالب #العلم والمعرفة.

وعلى امتداد العصور نشأت ظاهرة مكتبات الشارع (البسطات) التي تحوي مجموعة من المؤلفات النادرة، ويشكل هذا النوع أثراً كبيراً في إثراء الحركة الثقافية والعلمية بالسودان، بل كانت سوقاً رائجة خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي يرتادها المثقفون من كل حدب وصوب أمثال الشعراء محيي الدين فارس ومحجوب سراج وإبراهيم حجازي وغيرهم كثيرون.

لكن مع اختلال الموازين في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على الساحة الثقافية، نشأ الجيل الحالي بمنأى عن الحركة الثقافية القديمة، فضلاً عن ثورة المعلومات وما صاحبها من مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت التي قلصت إقبال الشباب على الكتب الثقافية والفكرية.

وعلى رغم انتشار المكتبات في الشارع السوداني إلا أن تراجعاً ملحوظاً حدث بنوعية الكتب وحركة الشراء وتحول أغلبها لبيع الورق والأحبار والكتب المدرسية لتحجز الإصدارات الثقافية موقعاً على الأرض بين ما يطلق عليه "الفريشة" وصار معظمها مؤلفات قديمة ومرتجعة.

ملتقى للأدباء

المقبول محمد ياسين، وهو صاحب إحدى المكتبات، قال "كنت أتردد منذ سبعينيات القرن الماضي على بائعي الكتب بعد نهاية عملي لممارسة هوايتي في اغتناء المؤلفات النادرة، وكنت وقتها موظفاً بوزارة الزراعة، وبعد انتهاء الخدمة تفرغت لبيع الكتب بمنطقة البوستة في أم درمان باعتبارها ملتقى ثقافياً وقبلة للأدباء والمفكرين، فضلاً عن أنها تميزت بهذه المكانة لوجود الإذاعة السودانية قرب سينما برمبل في ذاك الوقت، إضافة إلى أنها كانت تعج بالكتب الثقافية في الأدب والتاريخ والمجلات مثل ’روز اليوسف‘ و’صباح الخير‘ و’المصور‘ وغيرها".

وحول فكرة انتشار المكتبات على الشارع العام وافتراشها على الأرض، أضاف ياسين "الفكرة تقوم على إتاحة المجال لهذه الكتب التي استغنى عنها أصحابها ولا يحتاجون إليها، ونقوم نحن الباعة بتنقيتها وعرضها للبيع، مما شكل فرصة كبيرة للتبادل الثقافي والمعرفي وملتقى للرواد من المثقفين أبرزهم محمد دياب صاحب ديوان ’عيناك والجرح القديم‘، كما كنا نستقي من هؤلاء الأدباء المعرفة بشتى ضروبها".

وأوضح أنه "خلال تلك الفترة كانت العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث تشتهر بانتشار بيع الكتب على الطرقات، لكن أشهرها منطقة البوستة في أم درمان، إذ كانت تمثل ملتقى للمثقفين الذين يرتادونها بانتظام بحثاً عن كتاب بعينه، فضلاً عن عدد من المكتبات المشهورة آنذاك، مثل مكتبة الحرية التي لا تزال باقية حتى الآن بشكلها القديم، وكذلك مكتبة الزهراء".

وواصل ياسين، "لقد لعب جيل المثقفين في ذلك الوقت والذين كانوا يرتادون منطقة البوستة، دوراً كبيراً في اكتشاف المواهب من كتاب القصة والشعر، ومنهم محجوب سراج وكبلو وكمال الجزولي، لكن لا أدري سبب الإحجام عن القراءة في الوقت الحالي، وهل يرجع إلى الوضع الاقتصادي الذي ضرب البلاد أم الكسل أم دخول الوسائط الإلكترونية".

وأشار إلى أن "الذين يرتادون مكتبات الشوارع كان لهم شغف الاطلاع والبحث عن المعرفة ويطلبون كتباً نادرة لا توجد إلا عند هؤلاء الباعة، مثل المؤلفات التي تتناول التراث السوداني وكتاب الأغاني لأبو فرج الأصفهاني والعقد الفريد لابن عبدربه والفتوحات المكية لمحيي الدين بن عربي وكتب التفسير لابن كثير وآيات الأحكام لمحمد على الصابوني إلى جانب الموسوعات الإنجليزية والأميركية".

ولفت بائع الكتب إلى أن هناك مراجع نادرة ضمن الكتب التي تفرش على الأرض، وكان الأولى أن تكون داخل مكتبات الجامعات، وهو أمر مؤسف أن يتم تجفيف هذه المراجع من الجامعات التي هي بمثابة مراجع للأجيال، لكن بدورنا كناشرين نهتم بإعادة وصيانة هذه المراجع القيمة من تجليد وتغليف ونشرها مرة أخرى.

ملاذ آمن

وفي السياق ذاته أوضح البائع مختار محمد أحمد، وهو محاضر سابق بإحدى الجامعات السودانية، "اتجهت للعمل ببيع الكتب بعد فصلي تعسفياً من التدريس، إذ رأيته ملاذاً آمناً أمارس من خلاله مهنتي من دون تدخل من أحد، بل أساعد طلبة العلم في العثور على حاجاتهم من مراجع، فضلاً عن إبداء الرأي في المعلومات التي يبحثون عنها نظراً لخبرتي الطويلة بهذا المجال".

وقال أحمد "على رغم أنني أقف لفترات طويلة مع الزبائن تحت أشعة الشمس الحارقة، لكنني أجد متعة في هذا العمل وكثيراً ما أساعد بعض الناس وخصوصاً الطلاب عبر تزويدهم بما يناسبهم من كتب وإرشادهم، ومن الملاحظ أن هناك عدداً كبيراً من القراء والمثقفين القادمين من دول عربية وأوروبية يرتادون هذه الأماكن بحثاً عن أنواع محددة من الكتب".

الخرطوم تقرأ

عبد الملك إدريس، أحد المرتادين لأماكن بيع الكتب في الشارع، أشار إلى أنه ظل يرتاد بشكل دوري هذه الأماكن، إذ يجد متعة حقيقية وهو يتجول وسط البائعين، وفي النهاية يجد كتاباً ثميناً يشبع رغباته، خصوصاً أن لديه الوقت الكافي للقراءة وليس لديه هواية غيرها.

وقال إدريس "ما ألاحظه أن كل فئات المجتمع شغوفة بالمعرفة، وصدقت المقولة الشهيرة القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ، فالشخصية السودانية محبة للقراءة، وأذكر بأننا عندما كنا في المرحلتين الوسطى والثانوية كنا نتسابق على اقتناء الكتب، لكن الآن أصبحت الاهتمامات مختلفة بدخول التكنولوجيا الحديثة وهبوط مستوى الطرح في المنتديات الثقافية وجلسات المقاهي، وجميعها أدت إلى الابتعاد من القراءة".

ومضى في القول "للأسف أن جيل الخمسينيات من القرن الماضي وما تلاه من أجيال لم يحولوا المكتبات التي كانوا يمتلكونها لأوقاف تثري دار الوثائق والجامعات، وإنما تركت هذه المكتبات لأجيال لا تعرف قيمة الكتاب فيأتون به إلى الباعة الذي يفترشون الأرض ليباع بأثمان قليلة".

صديق الطفولة

أما علي أحمد، وهو أحد المرتادين لمكتبات الشارع، فقال "أعتبر نفسي من أصدقاء الكتاب منذ طفولتي، وهي عادة اكتسبتها من والدي الذي نادراً ما تجد يده خالية من الكتاب، لذلك أصبحت مدمناً للقراءة وأرتاد هذه الأماكن بشكل منتظم لشراء الكتب".

وأضاف، "أسعار الكتب في الماضي كانت بمتناول اليد عكس الوضع الحالي الذي قل فيه الإقبال على الكتب، وبالنسبة إليّ فأنا أمتلك مكتبة ضخمة تضم أمهات الكتب وأجتهد في جمعها مما جعلني أشتري في اليوم الواحد ثلاثة كتب، لكن الآن تغير الحال نسبة إلى الأوضاع التي تمر بها البلاد، إذ أصبح الشراء أمراً عسيراً وبالتالي أقتني الكتب القديمة المرتجعة بأسعار مخفضة".

المصدر: 
اندبندنت عربية