تخطي إلى المحتوى
لغة الضاد تتقدم في العالم وتتراجع في ديارها اليوم العالمي للغة الأم (1 من2): مختصون وأكاديميون وباحثون يبدون آراءهم حول حال اللغة العربية لغة الضاد تتقدم في العالم وتتراجع في ديارها اليوم العالمي للغة الأم (1 من2): مختصون وأكاديميون وباحثون يبدون آراءهم حول حال اللغة العربية > لغة الضاد تتقدم في العالم وتتراجع في ديارها اليوم العالمي للغة الأم (1 من2): مختصون وأكاديميون وباحثون يبدون آراءهم حول حال اللغة العربية

لغة الضاد تتقدم في العالم وتتراجع في ديارها اليوم العالمي للغة الأم (1 من2): مختصون وأكاديميون وباحثون يبدون آراءهم حول حال اللغة العربية

في الواحد والعشرين من فبراير (شباط) من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للغة الأم، وذلك، كما جاء برسالة الأمم المتحدة حين اعتمدت هذا اليوم؛ ‏«لتعزيز الوعي بالتنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات، والترججة خصوصاً لحماية اللغات المعرضة للاندثار، عبر حماية التجمعات البشرية التي تتحدثها، وحفظ تنوعهم الثقافي... لتعزيز التنمية المستدامة، ينبغي أن يحصل الطلاب على التعليم بلغتهم الأمِّ إضافة إلى اللغات الأخرى؛ فالتمكّن من اللغة الأولى يُسهّل عليهم اكتساب المهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب. إنّ اللغات المحلية، الأصلي والأقلَّي منها بخاصة، جِسْرٌ تنتقل عبرَه الثقافات والقيم والمعارف التقليدية، وهي بذلك تلعب دوراً مهمّاً في تعزيز المستقبل المستدام». إن اللغات وتعدد اللغات، كما أضاف البيان، يمكنها تعزيز الاندماج، وأن التعليم وبخاصة التعليم القائم على اللغة الأولى أو اللغة الأم، ينبغي أن يبدأ في السنوات الأولى في إطار رعاية الطفولة المبكرة». وركزت رسالة اليونيسكو أيضاً على دور التكنولوجيا، في عالمنا الرقمي، في النهوض بالتعليم متعدد اللغات ودعم تطوير جودة التدريس والتعلم للجميع، وهي يمكن لها أن تلعب دوراً مهماً في تسرع الجهود نحو ضمان فرص تعلم للجميع. ما حال اللغة العربية؟ إنها ليست في أفضل حالاتها على الأقل، فعلى الرغم من أنها تتبوأ الرتبة الرابعة بين لغات العالم من حيث الانتشار، وأنها إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة، وأن عدد الراغبين في تعلمها يزداد يوماً بعد يوم، فإن مكانتها تتراجع في نفوس أبنائها، وخاصة عند الجيل الجديد، الذين يفضلون «لغة النت»؟ ما السبب في ذلك؟ هل الأمر مرتبط فقط بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمر بها البلدان العربية، فاللغة ليست سوى أهلها، أم أن هناك خللاً كبيراً في العملية التعليمية كلها؟ ثم، ما الذي تفعله المؤسسات الثقافية والمجامع اللغوية تجاه ما يجري؟
هنا آراء عدد من المختصين والأكاديميين والتربويين من مختلف البلدان العربية:

كتاب مغاربة: لا خوف على العربية... إنها تحمل بداخلها مقومات ديمومتها

تجمع آراء كتاب ومهتمين باللغة العربية في المغرب على أن «لغة الضاد» تعيش «محنة» في البلاد العربية، مع حديثهم عن مفارقة تطورها وانتشارها في العالم، مقابل تراجع مكانتها في نفوس أبنائها، إلا أنهم عبروا عن قناعاتهم بأن «لغة الضاد» قادرة على مواجهة التحديات.
ننشر هنا آراء كل من فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب، والناقد والمترجم محمد آيت لعميم، والناقد نجيب العوفي، والشاعر المقيم ببلجيكا طه عدنان.

بوعلي: صورة معقدة

يرى فؤاد بوعلي أن من يسعى لتحليل وضعية اللغة العربية في الواقعين العربي والعالمي، يجد نفسه أمام صورة معقدة، إذ تعرف العربية تطوراً وانتشاراً في العالم، يوازيهما نكوص في أوطانها وتعثر في مستويات تعليمها وتعلمها، فهي تحتل، من جهة، الريادة في مصاف اللغات العالمية، وتتراجع مكانتها في نفوس أبنائها، من جهة أخرى.
يرصد بوعلي جملة من المفارقات حول وضعية العربية، مشيراً إلى أنها تتبوأ عالمياً الرتبة الرابعة بين لغات العالم من حيث الانتشار، كما أنها إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة، فيما يزداد عدد الراغبين في تعلمها يوماً بعد يوم، ويتزايد عدد المعاهد والمراكز المتخصصة في تعليمها خارج الدول الناطقة بها، كما تحتل مكانة متميزة في الوجدان العربي الإسلامي. ويعطي المثال لهذه الوضعية الإيجابية بدراسة أعدها مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان)، أثبتت أن الأغلبية الساحقة من المغاربة (نحو 85 في المائة) تفضل استعمال اللغة العربية على اللغات الأجنبية في علاقتها بالإدارة، كما تحدث عن الاهتمام الدولي المعتبر بالعربية، من خلال الفعاليات التي تشرف عليها بعض المؤسسات العربية والعالمية، مشيراً إلى أن السنة الجارية عرفت تأسيس المجلس الأعلى للغة العربية بأفريقيا، ما يعني، حسب قوله، أن الأفارقة، كباقي شعوب العالم، غدوا يعتبرون العربية لغتهم وليس لغة وافدة. وفي المقابل، يضيف بوعلي، يتضح ارتكاس العربية جلياً في أوطانها، مع ضعف مقلق في نسبة تعلمها، وعزوف غالبية الناس عن التحدث بها، أو صياغة متون المراسلات بحروف هجائها ووفق قواعدها، علاوة على الحروب الهوياتية التي تقام ضدها، تارة باسم التحديث وعدم قدرتها على مواكبة زمن العلم، وتارة باسم الخصوصية القطرية واللغات الأصلية، في وقت يعرف تصاعد دعوة توظيف العامية في وسائل الإعلام والاتصال والترفيه والتدريس، والنتيجة واحدة؛ محاصرة العربية في مجالاتها الطبيعية التداولية.
ويربط بوعلي جهود الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب، بمسارات اشتغال متنوعة؛ أكاديمياً من خلال تشجيع البحوث العلمية في العربية وقضاياها المختلفة وعقد ملتقيات بحثية لمناقشتها، وكذا تطوير طرق التدريس ومناهجه، وتشجيع التدريس بالعربية باعتبارها لغة المعرفة والتنمية؛ وإعلامياً من خلال التعريف بقدرات العربية التعبيرية ودورها الحضاري والمعرفي وعمقها الاستراتيجي؛ وقانونياً من خلال تشجيع الحكومة والمسؤولين والفرق البرلمانية على التقدم في مسار تنزيل مقتضيات النص الدستوري والترافع القانوني ضد الإساءة للغة الضاد؛ ومدنياً من خلال الفعاليات التي تنظمها مؤسساته كـ«شباب الائتلاف» و«نساء الائتلاف» و«محامون من أجل الهوية».
يخلص بوعلي إلى أنه رغم الواقع المرير الذي تعيشه العربية، فإن الائتلاف عبر مؤسساته ومبادراته عازم على التمكين للغة الضاد في المؤسسات والدوائر الإدارية وترسيخ وجودها الرسمي، كما هو مرسخ في الوجدان الشعبي.

آيت لعميم: لغة شاعرة

ينطلق محمد آيت لعميم من قناعته بأن «خصوصية اللغة العربية تكمن في أنها حاملة لذاكرة حية تستمر عبر الزمن، وهذا ما يجعلنا نفهم نصاً شعرياً من غابر الأزمنة، ونفهم القرآن، الذي حافظ على صفاء اللغة وقدرتها التواصلية، بخلاف لغات أمم تغيرت منذ النشأة إلى اليوم».
يقارن آيت لعميم بين وضعية العربية وأوضاع غيرها من اللغات، فيقول إن كثيراً من أهل اللغات الغربية لا يستطيعون فهم لغتهم في مرحلة النشأة، كما هو الحال بين الفرنسية القديمة والحديثة. ثم يضيف موضحاً: «نحن نقرأ لغة امرئ القيس ونفهمها، كما نقرأ لغة محمود درويش ونفهمها، هذه الاستمرارية التواصلية سمة مميزة لعبقرية اللغة العربية، التي وسمها العقاد في عنوان كتاب له بعنوان (اللغة الشاعرة) بأنها لغة تحمل بصمات هوية، حيث إن هوية الشعوب تترسب في لغتها، فاللغة من أخطر الهبات، وهي مسكن الوجود، على حد تعبير هايدغر، فكثير من الكتاب عبروا عن هذا الإحساس حين يفقدون أوطانهم، يجدون العزاء في مأوى اللغة. فاللغة مأوى الغريب، وهي الجزء الجوهري في بناء الذات وحضورها، من هنا نفهم حرب اللغات، والقضاء عليها إذا ما أرادت قوة استعمارية أن تفتك بأمة حيث إن أول ما تستهدفه هو محو لغتها، فحين يفقد الإنسان لغته يصير لقمة سائغة ويفقد كل اتجاه. إنه يضيع ويتيه، ويعتريه المسخ».
يتوسع آيت لعميم في استعراض ما تتميز به العربية، وما مكنها من الحضور والانتشار، مشدداً على أن «اللغة تكتسب بالمران والتكرار، وبكثرة النظر في كلام الشعراء والبلغاء والناثرين، وحفظ الكلام الجيد الحامل لمعانٍ دفينة»، بشكل يسمح بـ«التعبير عما يختلج في النفس من معانٍ»، حيث إن «المراس والدربة وتخير النصوص الجميلة تشكل جميعها لدى قارئ اللغة العربية زاداً وفيراً يستعين به على الكتابة وحسن الخطاب».
يشير آيت لعميم إلى أن الكتابة بالعربية عرفت، على مدار عقود من الزمن، نصوصاً إبداعية غاية في الرونق والجمال الأسلوبي، مع عمق في الرؤية والنظرة الثاقبة، فيما أسهمت أقلام كثيرة في نشأة كتابة متنوعة الأجناس ومتعددة المرامي، ما مكنها من أن تحمل بداخلها مقومات تطورها وديمومتها، في وقت أغناها المنتسبون إليها عبر مراحل، وما زالت هناك إشراقات تظهر، هنا وهناك، تبرهن على أن «اللغة العربية لغة إبداع وشعر وتفكير ونقد وترجمة، قابلة لاحتواء ما تريد».
يخلص آيت لعميم إلى أنه إن اعترت أهل العربية لحظات فتور وخمول، فإن «بحر اللغة الذي بلا ضفاف ما زال يحض الغواصين على الغطس فيه بحثاً عن دره ولآلئه».

نجيب العوفي: سهام تستهدف العربية

ينطلق العوفي من معطى أن اللغة «تعزّ بأهلها وتضعف بضعفهم»، ليقول إن «عبقرية اللغة العربية أنها تتجاوز أهلها باستمرار، وتختزن همومهم باستمرار، لأن طاقة روحية هائلة تسكنها وتقوّي جهاز مناعتها».
وعن حال العربية اليوم، يركز العوفي على «حالة المغرب هنا والآن»، فيرى أن الحرب أضحت «معلنة على العربية جهاراً نهاراً، من طرف الدعاة - الغُلاة إلى الفرانكوفونية تارة، وإلى الأمازيغية تارة ثانية، وإلى الدارجة تارة ثالثة». وينتقد العوفي من وصفهم بـ«الدّعاة - الغُلاة»، الذين «يذهبون بالدعوة - النزعة إلى أقصاها ويحرّفونها عن سويّتها ويحمّلونها ما لا تطيق، أي الذين يجعلونها وسواساً في الصدور. لأنه لا أحد عاقلاً في تقديري، يقف ضد التعدد اللساني السلس والسلمي في المغرب، في إطار الثوابت الوطنية والروحية والتاريخية، واللّحمة اللغوية المشتركة المُوحّدة للمغاربة والجامعة إياهم على كلمة سواء، وهي العربية».
يستعيد العوفي محنة العربية في العصر الحديث، مشيراً إلى أن الفرانكوفونية كانت تاريخياً هي رأس الحربة الأولى الموجّهة إلى العربية، قبل أن تتوالى السهام الرديفة بعدئذ، مشيراً، في هذا الصدد، إلى «سهم الأمازيغية الذي استلّه المستعمر ذات يوم من عُقر الدار ليفرق به بين أهل الدار، تحت (يافطة) الظهير البربري». ثم أضاف: «وها نحن الآن لغوياً مع ثالثة الأثافي كما ألمحتُ، وهي الدعوة إلى الدارجة، وتدريج التعليم المغربي». مع إشارته إلى أن في إقحام الأمازيغية والدارجة في المشروع التعليمي - اللغوي - الحضاري المُراهن على المستقبل «إساءة بالغة إلى الأمازيغية والدارجة معاً، بتحميلهما ما لا يحتملانه».
ويرى العوفي أن ثمة أسباباً لهذه الدعوات وظروفاً سياسية - وسياقية ساعدت على ظهورها، وبخاصة الدعوة إلى العامية، مع تشديده على أن «الظرف التاريخي العصيب والكئيب الذي يعيشه العرب وتعيشه العربية» شكّل «مناسبة سانحة للصيد في الماء العكر والتنصّل من العروبة والعربية».
وبصدد حال العربية في المشهد الأدبي والإبداعي، سجّل العوفي ملاحظتين متنافرتين، الأولى أن الإبداع العربي من منظور عام وعلى اختلاف تجلياته وأجناس قوله يشكّل «الرئة التي تتنفّس بها العربية بعضَ هواء وتحافظ على البقية الباقية من رمقها وروحها»، مشدداً على أن الأدباء هم «حرّاس العربية وجنودها الخلفيون»؛ فيما تتمثل الثانية، في أن حال العربية في كثير من الإنتاج الأدبي العربي في الفترات الأخيرة هي حال متردّية وبالغة السوء، معجماً وصرفاً وإعراباً وإملاء وبلاغة. حال هي أشبه ما تكون باليتيم في مآدب اللئام.
ومع ذلك، يستدرك العوفي قائلاً: «إن العربية التي واجهت عبر تاريخها الطويل رياحاً هُوجاء وظلت باستمرار لغة جميلة مبدعة، قادرة على مواجهة التحديات والأفخاخ المنصوبة في طريقها، ذهباً إبريزاً لا تزيده النار إلا مَضاء وبهاء».

طه عدنان: لغة منفتحة

ما تحدث عنه بوعلي وآيت لعميم والعوفي بخصوص عبقرية اللغة العربية، يؤكده طه عدنان انطلاقاً من تجربته الإبداعية وحرصه على الكتابة بها، وهو يعيش في بلاد أخرى. يقول: «أعيش في بروكسل منذ 1996. ولا أشعر بالرغبة في التحوّل عنها إلى لغة أخرى. لأنّني عندما هاجرتُ كان عمري 26 عاماً. بمعنى أنني كنت أحمل ثقافة وفكراً ووجداناً ولغة كتابة أيضاً. ومن الصعب أن تطاوعني لغة كما يمكن للضّاد أن تفعل. لذا فقد اعتمدتُها ناطقاً رسمياً باسم الوجدان».
يبرر عدنان اختياراته بأن «اللغة العربية لغة طيّعة منفتحة ويمكنها التأقلم بسلاسة مع مفردات البيئة المختلفة»، مع إشارته إلى أنه كمواطن بلجيكي يعيش في مدينة متعددة الثقافات مثل بروكسل، يدافع عن كتابته باللغة العربية باعتبارها «لغة بروكسلية، شأنها في ذلك شأن الفرنسية والهولندية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية والإنجليزية واليونانية والبولندية والتركية والأمازيغية وغيرها من اللغات التي توشّي فضاء العاصمة اللغوي».

المصدر: 
الشرق الأوسط