رغم التطوُّر التقنيِّ الذي تشهده المعمورة، إلَّا أنَّ معارض الكُتب لا تزال تؤدِّي دَورًا ثقافيًّا ومجتمعيًّا مُهمًّا، حيث تُعدُّ هذه التظاهرات الثقافيَّة الكبرى فرصةً حقيقيَّة لتلاقح الأفكار وتبادلها بَيْنَ صنَّاع الفِكر على الصعيدَيْنِ الإقليميِّ والعالميِّ، كما أنَّها تُعدُّ فرصةً كبيرةً للمتلقِّي في الاستزادة من المعارف والعلوم العالميَّة في بلده، والتعرف على مستجدَّات الثقافة، ما يحفظ للكُتب الورقيَّة قِيمتها وأهميَّتها ودَوْرَها البارز في تطوُّر الإنسان وتعلُّمه، حيث تؤكِّد المعارض أنَّ الكِتابَ سيظلُّ هو الوسيلة الأولى للتعلُّم والتنوير واستقاء أُصول العِلْم وتعلُّم الثقافات عَبْرَ التاريخ البَشريِّ، كما يؤكِّد الإقبالُ على الكِتابِ الورقيِّ أنَّ الحِبرَ لا يزال يحتفظ بقِيمته رغم التطوُّر التقنيِّ.
ويأتي معرض مسقط للكِتاب 2023، الذي انطلق مساء أمس، أحَدَ أهمِّ المعارض الإقليميَّة والعالميَّة، التي اكتسبت صيتًا ذائعًا وسط المعارض الكبرى، حيث يجتذب مجموعةً كبيرة تضمُّ صانعي الفِكر والمُبدعين والأُدباء والمثقَّفين، ويُقدِّم للقارئ المحتوى الفِكريَّ والثقافيَّ والمعرفيَّ المميَّز، حيث تشهد الدورة الـ27 في تاريخه، مشاركة (32) دولة، فيما بلغ عددُ دُورِ النَّشر المشاركة (826) دارَ نشْرٍ من مختلف الدوَل و(42) مشاركةً رسميَّة من الجهات المختلفة و(31) دارَ نشْرٍ أجنبيَّة، بينما يبلغ عددُ الفعاليات الثقافيَّة هذا العام (165) فعالية متوزِّعة في قاعات المعرض المتخصِّصة لها، ويبلغ إجماليُّ عددِ العناوين والإصدارات المشاركة هذا العام منها (533) ألفًا و(63) إصدارًا، ما يعكس حجم الزَّخم الذي يحمله المعرض في دَورته الحاليَّة. وبجانب تلك الفعاليات والإصدارات الثقافيَّة المُهمَّة، حرص القائمون على المعرض هذا العام على مزج المعرفة التقليديَّة بأحدث التقنيَّات الحديثة، وذلك عَبْرَ تفعيل تقنيَّة الذكاء الصناعي لقياس عددِ الزوَّار، ومعرفة أوقات الذّروة وتحديد الأعمار وغيرها من البيانات الضروريَّة، بالإضافة إلى مشاركة الجهات ذات العلاقة بصناعة ونشْرِ الكِتاب من حضور مؤلِّفين للتوقيع على إصداراتهم وإبرام عقود الإنتاج والنَّشر، ومشاركة المؤسَّسات المعنيَّة بصناعة الكِتاب وما يتصل به من إعداد وتجهيز وتغليف وإخراج فنيٍّ لدُورِ النَّشر من مختلف دوَل العالم، لِيُواكبَ أرقى مسارات التقدُّم في مجالات معارض الكُتب وأساليب النَّشر والمنتديات والمحاضرات والبرامج الثقافيَّة المصاحبة، ويجعله نقطة انطلاق لتطوير قِطاع النَّشر وتعزيزه على المستويَيْنِ المحلِّي والإقليميِّ. إنَّ ما يشهده معرض مسقط للكِتاب من تطوُّر مطَّرد يُعزِّز الاقتصاد الثقافيَّ التنمويَّ، الذي تسعى البلاد ـ متمثِّلةً في رؤية عُمان 2040 ـ إلى تطويره من خلال تنشيط السياحة الثقافيَّة المتنوِّعة، بما يحويه من أنشطة متعدِّدة على مختلف الصُّعد. فالتظاهرات الثقافيَّة الكبرى، التي بات لها موضع على خريطة الثقافة العالميَّة، أصبحت جزءًا من التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وتُسهم بشكلٍ مباشر في الحراك الاقتصاديِّ، والناتج المحلِّي والوطنيِّ في نطاق الصناعات الإبداعيَّة. فالمعرض فرصة لتطوير العلاقات بَيْنَ الناشرين وتوطيدها على مختلف الصُّعد المحليَّة والعربيَّة والدوليَّة، مع اهتمامٍ واسع بكُلِّ ما يتعلَّق بالطفل من فعاليات متخصِّصة، بالإضافة إلى ما تُشكِّله من تبادل ثقافيٍّ تاريخيٍّ بَيْنَ المثقَّفين والأدُباء والكُتَّاب على مختلف الأصعدة الثقافيَّة والعلميَّة والأدبيَّة.