يتصدر المشهد، وفقاً لمنيمنة، "فانوس رمضان بزينته الفولكلورية والتراثية الخاصة بالشهر الفضيل، حيث يشكل أساساً للزينة الرمضانية في الساحات والشوارع والمطاعم والمنازل، فضلاً عن أن الأطفال كانوا يحملونه ويطوفون به مرددين الأغاني الرمضانية في جو إحتفالي ولا أروع...".
عاد منيمنة إلى القرن الماضي عندما "كان عدد سكان بيروت يزيد ويكثر ، "برزت حاجة ملحة الى وسيلة ليعرف الناس حلول شهر رمضان المبارك والاستعداد للصوم، وتذكيرهم أيضاً بموعدي الإفطار والإمساك، لا سيما وأن بيروت في تلك الحقبة لم تكن قد عرفت بعد جهاز "الراديو" الذي دخلها أول مرة عام 1928". ولفت الى أن "الدولة العثمانية ارتأت أيام إبراهيم باشا استحداث مدفع في ولاية بيروت، لإعلام الناس أن حلول شهر رمضان المبارك ثبت بالوجه الشرعي".
نقل المدفع إلى تلة الخياط
وحدد منيمنة موقع المدفع أيام الدولة العثمانية، بحسب ما يشير المؤرخ عبد اللطيف فاخوري، في الثكنة العسكرية الواقعة على الرابية المطلة على بيروت، عند ما يعرف اليوم بمجلس الإنماء والإعمار"، مشيراً الى أنه "كان يشرف على إطلاق المدفع ميقاتي من الأوقاف آنذاك، فيسحب من جيب سترته ساعة معلقة "بكستك" ذهبي، تبين إشارة إطلاق المدفع، فيحدث دوياً ترتج له المدينة الصغيرة".
وأشار الى أن "المدفع كان طوال شهر رمضان المبارك يطلق طلقة وقت الغروب، فور شروع المؤذن في رفع الأذان من أعلى مآذن المساجد، قبل أن تكون قد تزودت مكبرات الصوت كما في زمننا، إعلاناً بحلول وقت الإفطار، كذلك كانت تطلق من فوهة المدفع طلقة حين موعد الإمساك قبيل مطلع الفجر.
وعند انفجار قذيفة المدفع بعد إطلاقها باتجاه البحر، كانت تحدث دوياً قوياً ترتج له بيروت المدينة الصغيرة آنذاك،" مشيراً الى أنه "بعد العام 1935، أي بعد 17 عاماً على دخول جيوش الحلفاء وانقضاء الدولة العثمانية اتسعت مدينة بيروت جنوباً وغرباً، وظهرت أحياء جديدة كانت تعرف خلال الحقبة العثمانية بظاهر بيروت أي الأحياء الواقعة خارج السور، حيث قررت المفوضة العليا الفرنسية، التي كانت تشرف على هيئة شؤون الإفتاء والأوقاف الإسلامية بصفتها جزءاً من الدولة، وبعد مشاورة مفتي بيروت وعلماءها نقل مدفع رمضان والعيدين الى منطقة تراعي المتغير، فآختارت محلة تلة الخياط التي كانت تطل على معظم أحياء بيروت بسبب إرتفاعها عن باقي المناطق، فأشرف على المدفع وإطلاقه رجال القناصة اللبنانية (جيش الشرق)، وعُين المايجور المتقاعد غيناردي مسؤولاً عنه، ومن بعدهم الجيش اللبناني بعد الاستقلال".
بعد نهاية الحرب الأهلية العام 1990، أصدرت الحكومة اللبنانية قراراً قضى بإعادة العمل بمدفع رمضان في الأول من العام 1995، ولأن المدافع الحديثة يجب إبعادها عن تجمعات السكان كون مساحة بيروت وضواحيها قد تضاعفت، جرى استحداث مربض خاص لأحد مدافع الجيش اللبناني قرب السفارة الكويتية في بئر حسن، وتم توجيه المدفع لناحية البحر".
المسحراتي
السحور إذن، وفقأً له، "من العادات والتقاليد الرمضانية التي إعتاد عليها الصائمون، لا سيما وأنها مناسبة وفرصة لالتئام أفراد العائلة، لذلك ما زالوا حتى يومنا هذا يحرصون عليها طيلة الشهر الفضيل المفعم بالتقوى والإيمان والطاعات والحرص على صلة الرحم".
بالنسبة إليه، "المسحراتي" ظاهرة، رمضانية قديمة، وتقليد تراثي عريق بين العصور والأجيال منذ زمن بعيد، إرتبط بشكل وثيق بشهر رمضان المبارك وصار ملازماً له".