أحدث السوريون في مصر بصمة كبيرة في الاقتصاد، واستطاع عشرات الآلاف منهم ترسيخ أقدامهم وإعادة بناء استثماراتهم في بلد جديد فتح أبوابه لهم في ظل ظروف اقتصادية عالمية صعبة.
السوريون أصبحوا مثالاً يحتذى به في مصر ومحط إعجاب لمن يتابع التطورات الاقتصادية في البلاد.
تقترب أعداد السوريين المقيمين في مصر من المليون ونصف المليون، وفق الإحصائيات الرسمية، ويشكلون ثاني أكبر جالية في مصر بعد السودانيين، وينظر إليهم المجتمع المصري بعين إيجابية نتيجة نشاطهم في سوق العمل والاقتصاد.
ويتوزع السوريون على كافة المحافظات المصرية، ويتفاوت دخلهم الاقتصادي من عمال وطبقة متوسطة إلى رجال أعمال ومستثمرين كبار.
وعلى الرغم من أن مصر أقل دولة عربية من حيث نصيب المال السوري العامل خارج البلاد، إلا أن المستثمر السوري هو المستثمر الأول في مصر منذ 2013 كفاعلية ورأس مال، وفق لصحيفة "العربي الجديد".
وبحسب تصريح سابق لرئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر خلدون الموقع، فإن مصر استقطبت 23 مليار دولار من أموال السوريين في الخارج بحسب إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة، مقابل 26 مليار دولار في لبنان و25 مليار دولار في الأردن.
ويشكل الاحتضان الشعبي والبيئة القانونية الملائمة من أهم عناصر جذب المستثمرين السوريين في مصر.
يعمل في مصر نحو 30 ألف رجل أعمال سوري، ينشطون في مجالات المنسوجات والتكنولوجيا والصناعة والتجارة والمهن الحرة والاستثمار العقاري.
وكانت مصر في مقدمة الدول التي استقطبت المال السوري، وفي عام 2015 احتوت 80% من عدد المصانع السورية أي التي يملكها سوريون خارج سوريا، بحسب خلدون الموقع.
سياسة الباب المفتوح.. التسهيلات الحكومية
اتبعت القاهرة سياسة "الباب المفتوح" وسهلت إجراءات الاستثمار على أراضيها، ما أدى لاستقطاب عشرات الآلاف من المستثمرين.
كان السوريون ممن استفادوا من الاستقرار القانوني والدعم الحكومي وحولوا نقاط القوة هذه إلى واقع استثماري مربح ينافس الاستثمارات الأجنبية.
ويوضح الدكتور بشر كرمان سوري، عضو مجلس إدارة شركة كرمان للأدوية، أن مصر دولة تدعم الاستثمار بطرق كثيرة، من خلال توفير الأراضي في المناطق الصناعية، وتخفيض الضرائب، بالإضافة لتخفيض الجمارك على مستلزمات الإنتاج المستوردة مثل ماكينات الإنتاج، والخامات التي لاتصنع في مصر كالمواد الدوائية الأولية.
ويضيف رجل الأعمال بشر، أن هناك أيضا تسهيلات مالية من البنوك بعوائد منخفضة ودائما ما يكون هناك مبادرات جيدة من الحكومة المصرية بهذه الخصوص.
ويقول رجل الأعمال السوري، إن مصر سوق استهلاكية كبيرة، كما تعد مصر أيضا بوابة التصدير إلى إفريقيا، وهناك سهولة بالوصول إلى الأسواق الإفريقية بسبب الاتفاقيات الاقتصادية بين مصر والدول الإفريقية.
ولا يخلو الأمر من بعض الصعوبات التي يختصرها بشر كرمان بالبيروقراطية التي تبطِّئ انطلاق الاستثمارات.
كذلك يرى رجل الأعمال السوري محمد الحلبي، صاحب معمل منتجات غذائية في الجيزة، أن مصر أفضل من غيرها وفيها مجالات كثيرة مفتوحة للعمل.
ويؤكد محمد على أن غياب العنصرية وترحيب الحكومة المصرية والشعب المصري الدائم بالسوريين جعلها الوجهة الأمثل بالنسبة لهم.
ويضيف رجل الأعمال السوري، بفضل هذه الأجواء والمشجعات توسعت أعمالي وبدل المصنع الواحد بات لدي ثلاثة.
تأمين فرص عمل
تساعد الاستثمارات السورية في تأمين فرص عمل لكثير من العاطلين عن العمل في ظل ارتفاع نسب البطالة في مصر.
وبحسب رأي عدد من أصحاب المشاريع السوريين، فإن العمالة المصرية أصبحت المفضلة لدى السوريين، وفي بعض الأحيان يتجاوز عدد العمال المصريين النسبة التي تفرضها الحكومة على "مصرنة" قطاع الأعمال.
ساري المحمد، مستثمر سوري في مجال الزراعة يقول إن السوريين يشغلون جزءا لا بأس به في القطاع الزراعي ويوسعون رقعة الإنتاج، كما استفادت مصر من خبراتهم العملية في هذا المجال.
جمعية رجال الأعمال السوريين
أسس مجموعة من المستثمرين السوريين في مصر "جمعية رجال الأعمال السوريين" بهدف توطيد العلاقات الاقتصادية والصناعية بين مصر وسوريا، تكون مظلة الصناعيين السوريين.
وأعلنت وزارة والتجارة الخارجية المصرية أنها أنشأت وحدة مختصة للتعامل مع رجال الأعمال السوريين.
يقول يوسف المطعني محامي مصري متخصص في الشأن السوري، إن الاستثمارات السورية في مصر ضخمة ونوعية، أدخلوا منتجات وأنواعا من الأعمال لم تكن موجودة في السوق المصري من قبل.
وبحسب المحامي المصري، فإن البضائع السورية تتميز بالجودة العالية فيما يخص الملابس والمطاعم وما إلى ذلك، هذا ما جعل المصريين يستقبلون الجديد بصدر رحب.
ويضيف المحامي، دخول الاستثمارات السورية إلى مصر ساهم بشكل إيجابي في الاقتصاد المصري خاصة أنه ساعد في عمل حركة للأموال، وتشغيل للعمالة المصرية، وكان لتبادل الخبرات فوائد على الاقتصاد المصري.
ويتوقع المحامي المصري أنه حتى بعد تجاوز مصر للأزمة الحالية، ستستمر الاستثمارات بالتزايد حتى ولو بشكل بطيء، حيث إن مصر تمثل سوقا تجاريا كبيرة للعمل، وأبوابها مفتوحة في وجه الاستثمارات.
منح الجنسية المصرية للمستثمرين
منحت مصر الجنسية في العام الفائت لـ 12 رجل أعمال سوري ساهموا في رفع الاقتصاد المصري عبر مشاريع استثمارية مختلفة، وفق التصريحات الرسمية.
وجاء ذلك بعد تعديلات طرأت على قانون الجنسية المصرية، وكان من شروط الحصول على الجنسية التي تتيح حرية التنقلات وإقامة المشاريع الاستثمارية بنفس امتيازات المواطن المصري:
- شراء عقار للدولة أو لغيرها من الشخصيات الاعتبارية العامة بمبلغ لا يقل عن 500 ألف دولار أميركي، يحول من الخارج.
- الاستثمار بمبلغ لا يقل عن 400 ألف دولار في حالة الإنشاء أو المشاركة في مشروع استثماري، يحول من الخارج، وبنسبة مشاركة لا تقل عن 40% من رأس مال المشروع.
من ناحية أخرى، يستطيع المستثمر السوري الحصول على الإقامة الطويلة، على عكس الإقامة السنوية غير المرخص لحاملها بالعمل باستثناء المستثمرين.
الإقامة الاستثمارية
تنقسم الإقامة الاستثمارية لعدة أقسام يكون لكل منها مدة معينة مختلفة عن الأخرى، يتراوح متوسط مدتها ما بين ثلاث إلى خمس سنوات باختلاف المشروع الاستثماري، ويكون مصرحا بها للعمل.
يتم منحها لمدة سنة في المرة الأولى من التقديم عليها بعد الموافقة من الجهات المعنية، ثم تجدد لمدة خمس سنوات أو نفس مدة صلاحية مجلس الإدارة في الشركة الممنوحة، ويستطيع المستثمر أن يمنح الإقامة لزوجته وأولاده أيضا.
في هذا السياق، يقول محمد الحلبي صاحب معمل منتجات غذائية إن مصر سهلت أيضا إجراءات الإقامة للمستثمرين، ويضيف أنه حصل هو وعائلته على الإقامة لمدة ثلاث سنوات لأن شركته تتبع نظام الأسهم.