د. مأمون علواني في حوار خاصّ مع د. فاطمة أحمد
– د. مأمون ما سبب تفضيل المرأة عدم الزّواج بعد وفاة زوجها؟ برأيك هذا القرار نابع من ذاتها أم بسبب الخوف من المجتمع؟
المرأة كائنٌ مختلف عن الرّجل في كلّ شيء بدءاً من التّركيب الجسديّ والفيزيولوجيّ مروراً بالهرمونيّ وانتهاءً بالتّركيب الدّماغيّ والشّعوريّ من حيث الأحاسيس والعواطف. والاختلاف هنا لا يعني أنّ أحدهما أفضل من الآخر، أو أنّ أحدهما على صح والآخر على خطأ. المرأة كيان والرّجل كيان آخر. فالرّجل صاحب عقل ميكانيكيّ (ديناميكيّ)، أيّ يفكّر بأمر ما لكي يعمله وينجزه، على العكس من المرأة التي تفكّر بعدّة أمور في آن واحد، وقد لا تتّخذ قرارات حاسمة نتيجة تغيّرات في فيزيولوجيّتها، وتقلُّب في المزاج التي تمرّ به في بعض المحطّات العمريّة من حياتها.
أمّا لماذا لا تفضّل الزّواج بعد وفاة زوجها فالمسألة تعود، إلى حدٍّ ما، إلى التّربية الاجتماعيّة منذ فترة الطّفولة، وذلك عندما نسمع عبارات “المرأة مآلها بيت زوجها، وتربية أطفالها، ومطبخها … ” والسّؤال المهمّ جدّاً هنا هو: هل المرأة تحتاج إلى رجل بجانبها؟ هذه المسألة تختلف من امرأة إلى أخرى بحسب العمر، وبحسب علاقتها مع أولادها، وعلاقتها بزوجها السّابق الذي توفّى. ولنفترض مثلاً امرأة متزوّجة وعمرها بين 45-50 سنة وتوفّى زوجها في حادث سير، وحزنت عليه عدّة سنوات، ولها ثلاث أولاد على سبيل المثال. فهنا غالباً لن تحتاج إلى رجل، لأنّ 90٪ من النّساء في هذا العمر لا يحتجن إلى رجال سواء من النّاحية (العقليّة أو الجسديّة).
إذا أخذنا المسألة من النّاحية العلميّة، فالحقيقة إنّ المرأة تستطيع التّحكّم بجسدها جنسيّاً أكثر من الرّجل الذي لا يحكمه الضّوابط في الأعمّ. عداكِ أنّ المجتمع في الغالب حشى عقل الذّكر منذ الصّغر أنّه “سي السّيّد” يستطيع فعل ما يشاء وما يرغب، والدّليل على ذلك أنّ مفهوم الشّرف لدى مجتمعاتنا مرتبط بالمرأة من نظرة أو لمسة أو حركة … والعكس منه صحيح. فالرّجل لا يعيبه شيئاً، وهذا بسبب العقليّة الذّكوريّة التي ترعرعنا عليها منذ أن فتّحنا أعيننا على هذه الحياة. مع أنّ الحقيقة هي غير ما ربّينا عليه، فالمرأة هي أقوى من الرّجل، لأنّها تتحمّل من الصّعوبات والأزمات والآلام ما لا يستطيع رجل تحمّله، وخاصّةً عند المرأة الأم، لاسيّما في حملها ولحظات الولادة والمخاض. لا يستطيع الرّجل تحمّل ما تتحمّله المرأة، إذ قد يتفتّت وينكسر أمام مثل تلك الآلام التي تتحمّلها المرأة من صبر على المتاعب والأوجاع النّفسيّة والجسديّة من تغيّر الشّكل قبل وبعد الولادة مثلاً. لذلك يجب أن يُحترم كيان المرأة لقوّتها، فهي أساس المجتمع، لا أن يصير العكس، بأن تظلّ داخل بوتقة الضّعف والشّفقة من قبل الآخرين، فما إن تصل لعمر 50 سنة حتّى يطلق عليها المجتمع عبارة “راحت عليكِ” ويبدأ الجميع بالتحكّم بها، وقد يكون هذا التحكّم من قبل أقرب النّاس لها، وهم أولادها الذّكور. وبرأيي الخاصّ، لا أرى أيّ مانع ولا أيّ فاصل بين حقوق الرّجل وحقوق المرأة. فإذا كان الرّجل حرّاً في الزّواج بعد وفاة زوجته بمدّة وجيزة لأنّه يتمتّع بعقل عمليٍّ ميكانيكيٍّ، وبحاجة إلى امرأة زوجة كي تخدمه وتلبّي طلباته (بحسب نظرة المجتمع)، فالمرأة أيضاً لها الحق في الزّواج مرّة ثانية بعد وفاة زوجها في حال أرادت ذلك.
الرّجل يتزوّج بعد وفاة زوجته لأنّه بحاجة إلى علاقة جسديّة- جنسيّة، إذ ثمّة نسبة تقريبيّة تقدّر بحوالي 80-90٪ يتقدّم فيها الرّجل على المرأة في العلاقات الجسديّة، وهو نفسه من يُحبِّب المرأة العلاقة الجسديّة أو يُكرّهَها بها. أيّ إمّا أن يكون سلوكه الجنسيّ معها بهيميّاً أو إنسانيّاً راقياً ولبقاً يعرف كيف يستعمل عواطفه ومشاعره بالطّريقة والمكان المناسبين تجاه زوجته. فإذا كان الرّجل مُزعِجاً وسيّئ السّلوك مع زوجته، فسوف تتزوّج من بعده، في حال أرادت ذلك، ووجدت الشّخص المناسب لتفكيرها، أمّا إذا كان الزّوج محبّاً وسلوكه جيّداً معها فإنّها لن تتزوّج من بعده قطعاً، وستظلّ محافظة على ودِّه حتّى بعد الممات احتراماً له. وهنا لابدّ من القول: إنّ القليل من الرّجال من لا يتزوج بعد وفاة زوجته احتراماً لمكانتها وذكراها، وربّما يكون مستمرّاً في العلاقات الشّرعيّة، ولكنّه جهراً يحتفظ بالودّ، مع أنّ العلاقة غير الشّرعيّة بين الرّجل والمرأة يجب ألّا تكون محرّمة على المرأة في مجتمعاتنا فقط، بل على الرّجل أيضاً، فالحكم واجب على الاثنين معاً من غير إقصاء للمرأة وحدها.
-في الجهة المقابلة لا يحتاج الرّجل بعد وفاة زوجته إلى صكّ قبول من الأولاد أو الأصهار أو الأقارب عامّةً، لماذا؟
بالعكس تماماً ما إن تتوفّى الزّوجة يسعى القريب والبعيد من معارف وأصدقاء وأولاد وأصهار إلى تزويج هذا الرّجل كي لا يبقى وحيداً كي تأتي من تشرف على خدمته. فالزّواج بالنّسبة للرّجل يعني موطن الاستقرار والاهتمام والرّعاية وتلبية الحاجات الجنسيّة من قبل الزّوجة، في حين المسألة يختلف معناها عند المرأة الزّوجة التي تتعلّق بالأولاد أكثر. أمّا الزّوجة الأرملة لا يتهافت عليها المجتمع كثيراً كي يقنعها بالزّواج ثانية، ولاسيّما إذا كان عندها أبناء وبنات كبار في السّنّ، في حين إذا كانت صغيرة السنّ، وأطفالها صغار قد تتزوّج، ولكن لا تمتلك حريّة الاختيار في مجتمعاتنا، وأمّا المرأة المطلّقة فهي منبوذة غالباً من قبل المجتمع في الزّواج ثانية.
لذلك أقول: للأسف ثمّة هضم حقيقيٌّ، وظلم قاسٍ في هذه المواضيع تجاه حقّ المرأة في مجتمعاتنا.