يقدم المؤلف في هذا الكتاب مالك بن نبي - وهو أحد تلامذته - مفكراً وعالم اجتماع استطاع الوصول عميقاً إلى فهم الحالة الاجتماعية والحضارية الإسلامية الحالية، فعرف مواطن ضعفها وسبل النهوض بها، والخروج من القابلية للاستعمار.
في البحث الأول من الكتاب الذي يتألف من بحثين يوضح المؤلف منـزلة بن نبي في تاريخ الفكر الإسلامي، ويقارن تجربته بتجربة الأمير عبد القادر الجزائري، ويحاول من خلالها أن يقدم رؤية بن نبي الذي يؤمن بأن النشاط الفكري هو إنتاج المجتمع المتحضر؛ الذي ينتج الأفكار كما ينتج الأشياء والأدوات اللازمة لمسيرته التاريخية.
وما أنتجه المجتمع المسلم من نشاط فكري في العصر الإسلامي الأول، إنما كان بسبب حمله لروح التغيير الكامنة في النفسية العربية حين نزول الوحي؛ فقد خاطبت الرسالة روح المؤمن، لذلك تولد التركيب الهائل للعناصر المكونة لأي حضارة وهي الإنسان - والتراب - والوقت. وعبر العوامل هذه يكون العامل الإنسان هو الأكثر تصميماً للتوجه نحو الهدف.
وبحسب مالك بن نبي فإن الإنسان وحده يمنع سقوط المجتمع إذا ما وصل إلى درجة معينة وهو الذي يساهم في الثقافة، وهذه تتجلى في أربعة مظاهر: الأخلاق، والجمال، والمنطق العملي، والتقنية. وهنا تدخل العلوم في المرتبة الرابعة إذ لن تكون لها فاعلية في حال غياب ارتباطها بالعناصر الأخرى.
والفكرة هي مبدأ الحركة والحياة اللتين تميزانها عن الوثن الذي هو رمز الخمول والموت، وهي كالروح التي تنسج التناغم والفاعلية والتماسك في مسيرة الحياة.
في البحث الثاني يتحدث المؤلف عن مستقبل المجتمع الإسلامي؛ وفي مقارنة بين مالك بن نبي ومحيي الدين بن عربي لاحظ المؤلف أن بن نبي يرجع الشكل المتردي للمفهوم الغيبي الإسلامي لكونه فاقداً لأي فاعلية اجتماعية، وقد انتقدها في مجمل ما انتقد من مجالات مختلفة في المجتمع الإسلامي. ويرى أن العمل في الفاعلية الاجتماعية لا بد أن يتحرك ضمن معطيات الحقيقة المتعالية، خروج فاعلية الطاقة عن مجراها يعني الخروج من الحضارة، وهذا ما يقصده بـ (مسلمي ما بعد الموحدين) الذين أصيبوا بتراجع في قوة الإنتاج، كما أصيبوا بتحلل الشخصية في الجانب الروحي. لذا فلاستعادة دورهم الحضاري عليهم استعادة الثقة والشجاعة ليوظفوا فعل الخير كطاقة حركة في مسيرة الحضارة.
إن المسلمين اليوم لن يكونوا سوى عامل اتصال وتلاحم لذلك المناخ الجوهري الدافع نحو الإنسانية والعيش المتناغم مع العدالة والمساواة.