تخطي إلى المحتوى
الروائية الجزائرية زهرة كشاوي: سوف نتحرر عندما نهزم جهلنا الروائية الجزائرية زهرة كشاوي: سوف نتحرر عندما نهزم جهلنا > الروائية الجزائرية زهرة كشاوي: سوف نتحرر عندما نهزم جهلنا

الروائية الجزائرية زهرة كشاوي: سوف نتحرر عندما نهزم جهلنا

تعود زهرة كشاوي إلى حقبة غير معروفة من تاريخ الجزائر، تحكي عن حامية فرنسية في شرق البلاد، تأسست في القرن السادس عشر، واستحوذت على صيد وتجارة المرجان، كما تسرد في روايتها الأخيرة «مدن المرجان» (منشورات ميم، 2023) الأعوام الأخيرة التي سبقت احتلال الجزائر، في نص يحاول أن يشرح نظرة الغرب إلى الشرق، وتحولات العلاقات التجارية، ثم السياسية بين الجزائر وفرنسا، وكذلك انعكاسات الحملة الفرنسية في مصر على شمال افريقيا. في هذا الحوار، تتحدث المؤلفة عن روايتها التي تفتح باباً جديداً، يطل على التاريخ المجهول في الجزائر.

□ لماذا العودة إلى التاريخ القديم، وسرد قصة حامية فرنسية في مدينة القالة (شرق الجزائر)؟
■ هناك محطات مهمة في تاريخ الأمم تميزها عن غيرها، يجب استثمارها في السينما والأدب ومختلف المجالات. الجزائر هي مدن المرجان، والمرجان هنا هو رمز الثروات الهائلة لهذه البلاد. حكاية الحامية هي أيضا حكاية الاستغلال الدميم للشعوب، جاءت لتعرية الوجه القبيح لتفوق الإنسان الأبيض، فالثورة الصناعية والكشوفات الجغرافية وسعت الأطماع ولم يرافقها توسيع لإقرار حقوق الإنسان، دائما ظل هناك إنسان أدنى وآخر أعلى فأعلى! باكرا امتلك الفرنسي نظرة اقتصادية أعمق، فسعى للحصول على امتيازات تجارية وأسس شركات قوية احتكرت الثروة، دون أن يلتزم ببنود الاتفاقيات والصداقة، لكن جاءت الرواية كانتقاد للذات أيضا وهذا فعل جمالي فكري يجب أن نمارسه.

□ هل يمكن القول إن تلك الحامية مهدت كذلك إلى احتلال الجزائر؟ لماذا؟
■ ساهمت الحامية والقنصلية في تزويد الفرنسيين بالمعارف اللازمة في فترة التخطيط وجمع المعلومات، فالتجارة كانت غطاء لحركة التجار والبحارة والرحالة والضباط السريين وهذا ما يحدث غالبا في كل الأمم.

□ من خلال قراءة الرواية، يبدو أن الفرنسيين جاؤوا إلى الجزائر يحملون في بالهم شرقاً متخيلاً. شرقاً محبوكاً بالأساطير. مع مرور القرون، هل تغيرت رؤية الأوروبيين لهذا الشرق؟ لماذا؟
■ الغرب أعجب بثروة الشرق لا بأساطيره، لأنه تحرر من الخرافة وقاد ثورة للإصلاح الديني. الغرب لا يغير رغباته لأنه لا يغير حاجاته، لكنه يغير طريقة تعبيره وسياسة حصوله على ما يريد. عندما يغير الشرق نظرته لنفسه سيفعل الغرب أيضا.

□ هي رواية بصوت واحد، لماذا هذا الخيار في الكتابة؟
■ الصوت الواحد هو صوت فرنسي شاهد على بدايات الثورة الصناعية في أوروبا ومظاهرها في فرنسا. لأن الرواية تحاول تصوير السقوط الحضاري والعلمي الذي سبق السقوط العسكري، لكن حتى لو هيمن الصوت الواحد هناك مساحة للأصوات الأخرى، لإيزابيل التي مثلت شهرزاد أوروبية، الرايس حسين، باش المكاحلية، تجار المرجان، اللورد الإنكليزي، دييغو الإسباني وشخصيات أخرى.

 

□ من الصراع على المرجان إلى الصراع على الغاز والبترول. يبدو أن الجزائر ظلت دائماً بؤرة صراعات في حوض البحر الأبيض المتوسط؟
■ حدد الإنسان سعرا للكتب المقدسة وتاجر بها، تاجر بكلمة «الله»، تاجر بأخيه الإنسان، فباع واشترى الرجال والنساء والأطفال، والتجارة بالثروات تحصيل حاصل. الثروة هي أصل الصراع بين الأمم، والأرض كما البحر هي لعبة شطرنج كبيرة يتحرك فيها الملوك والفرسان للفوز، الجاهل يهلك بضعفه، والعارف يتقدم إلى حين. القدرات الهائلة التي تتمتع بها الجزائر جعلت منها مطمعا للآخر وما زالت.

□ علاقة الرجل الغربي مع المرأة، في تلك الحقبة، لم تكن سوية. نلاحظ ذلك في علاقة فيكتو دي أوغو مع زوجته، وإيزابيل التي يستغلها في الإيقاع بشخصيات لها نفوذ. لكن المرأة الغربية كسبت حريتها، والمرأة في جنوب الأبيض المتوسط لا تزال في الانتظار. لماذا؟
■ الرجل الغربي مسكون بالبحث عن المجد، عرف الحرية وكسر القيود التي كبلت العقل والفكر. في زمن بونابارت كانت هناك معارضات لسياسته، رسامات ونبيلات، بل إن أوروبا عرفت ملكات خلدهن التاريخ. فقد أدركت المرأة الغربية أن الحرية لا تكتسب بالتراشق بين الجلاد والضحية، وإنما بالتفكير والعمل. أما المرأة الشرقية فلا تنعم بالحرية لأن الحرية لا تقاس بحرية الأفراد، وإنما بقوة المؤسسات الحرة في كل أمة. سوف نتحرر عندما نهزم جهلنا، فالمعركة مع الذات هي المعركة الأصعب والأطول على مرّ التاريخ، لذا يجب أن لا نقاتل كل شيء لكن يجب أن نُحرر كل شيء.

□ ماذا يفرق الذات المُستعمِرة عن الذات المُستعمَرة؟
■ الفرق هو العلم. والعلم هو النار التي يسرقها الإنسان من أخيه الإنسان، ينير بها في أرض ويحرق في أخرى، يشعل هنا ويضرم هناك، يُخلف النور هنا ويترك الرماد هناك. فرق آخر مهم، المستعمِر يعيد تقديم نفسه باستمرار، يعيد خلق الدهشة. المستعمَر لا يعيد تقديم نفسه، جامد فكريا يقدم نفسه كضحية، فيخطئ عندما يُسائل الجلاد فقط ولا يُسائل نفسه، لأن الضحية ليست دائما بريئة. على الأمم أن تعترف بالشرور التي تسبب فيها جهلها!

□ في كل مرة يعود شبح نابليون في الرواية. ما هو موقع هذا الرجل في التاريخ الاستعماري الفرنسي؟
■ نابليون رمز للقوة الاستعمارية الحالمة بالتوسع المجنون، كقائد لعب دورا في إرسال مستطلعين مهمتهم جمع المعلومات وإرسال التقارير تمهيدا لحملة ناجحة، لكن المدن لا ترفع عرشاً لأحد، يحكمها عدوك حينا وتستعيدها أنت حينا آخر، لكنها دائما ما تتحرر منكما معاً، المدن كالصخر باقية بينما الإنسان فانٍ كالغبار.

□ اخترت أن يكون بطل الرواية فرنسياً، في بيئة شرقية. لماذا؟
■ لأنه الراوي الوحيد الذي كان باستطاعته أن يحدث الشرق عن: الآلات، واكتشاف المحرك البخاري، ظهور السكك الحديدية، المطبعة، التليسكوب، الفحم والكهرباء كطاقة، عن ظهور الصحافة والجرائد، عاصر بناء البنوك وتشييد الأكاديميات، المسارح والمستشفيات والنقابات والمصانع، بينما كان الشرق غارقا في الجانب المظلم من العالم يعيش خارج الحضارة، منهمكا في الصراعات ونزاعات الحكم. عندما نشاهد هذا التفوق الغربي تتراجع حماسة الاكتفاء بالتحرر من العدو وتتعدى إلى حماس أعمق هو حماس التحرر من الخرافة والجهل. كان الراوي فرنسيا أيضا ليخبرنا كم كلفه الطريق ليصل إلى مدننا، وكم كلفنا الوصول إلى المدن نفسها من زمن وتضحيات كبيرة وموجعة، ولكن النص كما يحمل بعض الإجابات المتخيلة عن شكل الحياة في تلك الفترة يترك أسئلة أيضا، من أهمها: هل وصلنا إلى مدننا حقا فقط لأن المستعمر غادر؟ أم دائما ظلت بيننا مسافة ما تتسع عجزنا عن قطعها؟ لأن الأمم التي لا تقاتل لسنوات في مجال البحث والتأليف والتجربة والإبداع، تحصل على حيز جغرافي لا تنجح في تسييره، فكيف تنجح في تسيده؟

المصدر: 
القدس العربي