في محاولة لملاحقة التطور التكنولوجي السريع، وتماشياً مع وسائل التواصل الحديثة، تتبع وزارة الثقافة المصرية أسلوباً جديداً في تفعيل أنشطتها التثقيفية المُختلفة من خلال سياسة التحول الرقمي التي تفرضها مُقتضيات المرحلة، حيث يتم التطبيق على نظام واسع في الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تبدأ فعالياته من 25 يناير/كانون الثاني الجاري وتنتهي في 6 فبراير/شباط المُقبل مُنطلقة من مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس.
ومن دلالات الاتجاه نحو التطوير تعمل وزارة الثقافة في ظل قيادتها الجديدة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة على التناغم مع سياسة الدولة وتشجيعاً لمبادرة اتحضر للأخضر التي تستهدف القيام بأعمال صديقة للبيئة للحد من التلوث والمُحافظة على الصحة العامة وتجنب الأخطار الناجمة عن الإهمال، ووفق هذه القاعدة تدخل الثقافة طرفاً أصيلاً في مسألة التوعية، ومن ثم يُصبح معرض القاهرة الدولي للكتاب مناسبة مهمة لدعم السياسة البيئية في إطار المُحافظة عليها والعناية بها، بخلاف الشعارات الأخرى التي تتصدر برنامج الفعاليات وآليات التنظيم ومن بينها شعار العدالة الثقافية المُضاف مُجدداً إلى جدول الأعمال، كمُتغير إيجابي من شأنه تعزيز الثقة بين قطاعات الثقافة والمُثقفين، لاسيما أنهم يُمثلون شرائح مُتباينة من فئات ثقافية عديدة لم تتساو من قبل في الاهتمام وتوزيع الفرص، ولعل ذلك ما فرض تعريف العدالة الثقافية كعنوان لمُعالجة مساوئ ومُشكلات قطاع من المُثقفين ظل يعاني من التجاهل لفترات طويلة خلال السنوات الماضية.
وفي سياق آخر لمفهوم التفاعل الثقافي في معرض الكتاب هذا العام تُشير الترتيبات النهائية والمُعلنة، إلى اعتبار الشاعر الراحل صلاح جاهين هو شخصية العام الرئيسية خلال الدورة الرابعة والخمسين المقبلة، وفي هذه المُناسبة سيتم طباعة الأعمال الكاملة له وتتضمن 6 دواوين في مُجلد واحد، غير أن الكاتب كامل الكيلاني سيكون له الاعتبار نفسه من الحفاوة والتكريم بوصفة رائد أدب الأطفال وستتم أيضاً طباعة 10 كتب من كتبة المُتميزة في مجال تنمية خيال الطفل المصري والعربي وإثراء ثقافته وتوسيع دائرة معارفه.
وتحت شعار «على اسم مصر.. معاً نقرأ نُفكر نُبدع» تشارك 1047 دار نشر عربية وأجنبية و340 ناشرا عربيا من 53 دولة في حين يبلغ عدد الفعاليات المُقررة 500 فعالية تُقام على مدار 12 يوماً من العاشرة صباحاً وحتى الثامنة مساءً ما عدا يومي الخميس والجمعة، حيث يبدأ استقبال الرواد من العاشرة صباحاً إلى التاسعة مساءً، واللافت أن آلية المُشاركة والتواصل مع إدارة المعرض تمت كلها إلكترونياً عن طريق المنصة الرقمية، وكذلك تتم عملية تسويق الكتب واختيار العناوين وحجز التذاكر والاستفسارات الخاصة بأسعار الكتب ونسبة التخفيضات التي تصل هذا العام إلى 50% على أسعار الكتب المصرية و70% على الكتب الصادرة من دور النشر العربية بامتياز سعري واقتصادي كبير.
وقد أوضحت المصادر في الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن الحد الأدنى لسعر الكتاب لن يزيد عن عشرين جنيهاً، تحفيزاً للشباب على القراءة والإطلاع مع تقديم التسهيلات كافة في ما يتعلق بالشراء والتداول عبر المنصة الإلكترونية الخاصة بالمعرض، ما يعد طفرة غير مسبوقة في مجال التثقيف والمعرفة بالمؤسسات الرسمية على خلفية الدعاية للجمهورية الجديدة بنُظمها الحديثة والمتطورة. وتجدر الإشارة لحيثيات التعاون المصري الأردني في السياق الثقافي والمعرفي ذاته الذي تشهده الدورة الرابعة والخمسين لمعرض الكتاب هذا العام، حيث تم اختيار المملكة الأردنية الهاشمية كضيف شرف مع مُشاركة 28 دار نشر أردنية بعشرة آلاف إصدار جديد وبحضور 85 مُبدعاً ما بين شاعر وكاتب وأديب، وهي الخطوة الرامية إلى توطيد العلاقات الثقافية وتبادل الخبرات في مجالات الطباعة والنشر وتوسيع منافذ البيع والشراء بين عمان والقاهرة، وأيضاً ربط المُثقف المصري والأردني بالمفهوم العربي والطابع القومي لمواجهة التحديات والتسلح بالثقافة والمعرفة في ضوء التعرف على المُشكلات والمعوقات التي تحول أحياناً دون التواصل بين أبناء الأمة العربية الواحدة بفعل ما يُحاك ضدها من مؤامرات ويتم تدبيره في ليل، لإفساد العلاقة بين الأشقاء وقطع أواصر الود والتقارب للانفراد بالشعوب وزرع الفتنة بينها لتسهيل السيطرة والهيمنة.
تلك هي مُعطيات التفرقة التي تتبعها القوى الاستعمارية التي تدير حربها في المنطقة العربية عبر الوسائط الثقافية المُتعددة، لذا يلزم الأمر أن تكون آليات الدفاع والمقاومة من النوع ذاته والطريقة نفسها.