المصحف المصغّر الذي طُبع في أواخر القرن التاسع عشر يحتوي على ما يقارب 900 صفحة، يُعتبر من أصغر المصاحف في العالم، كان سببا في اعتناق عائلة ألبانية في تيرانا للدين الإسلامي، تناقلته لأجيال وحمته من بطش الحكومات المتطرفة ومخاطر الزمن.
ولعدّة أجيال، تناقلت عائلة بروشي هذا المصحف الذى نجا من الحروب الدموية لأحد أكثر الأنظمة تعصباً، ويقول المختصون إنه واحد من أصغر المصاحف المطبوعة في العالم. محفوظ في علبة فضية صغيرة بدأت تطدأ مع الوقت. ومن منزله في العاصمة الألبانية تيرانا، قال بروشي: "لقد احتفظنا به من جيل الى جيل بتفانٍ مطلق".
المصحف الذي لا يحتوي على أي تواريخ لطباعته، كامل السور مع فهرسه، وذو أوراق رقيقة، مرقّم ومزخرف الصفحات، لكن لا يستطيع أحد قراءته إلا من خلال الاستعانة بعدسة مكبرة مدمجة في علبته. يبلغ عرض الكتاب سنتيمترين فقط (0.7 بوصة) وسمكه سنتيمتراً واحداً، ويكاد يختفي في راحة يد بروشي.
نجا بأعجوبة
الحجم الصغير ليس الأمر الاستثنائي الوحيد بخصوص هذا المصحف، فقد كان أيضاً السبب الحقيقي وراء اعتناق عائلة بروشي الكاثوليكية للدين اللإسلامي، ويقول بروشي: "كان أجدادي يحفرون الأرض لبناء منزل جديد في منطقة دياكوفيتشا في كوسوفو، عندما عثروا على جثة محفوظة بشكل كامل لرجل مدفون هناك، وكان القرآن سليماً موضوعاً على قلبه".
اعتبرت العائلة هذا إشارة إلهية واعتنقت الإسلام، وكان الجد ضابطاً في جيش زوغ ملك ألبانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، يجيد اللغة العربية ويدعو أصدقاءه إلى منزله كل ليلة لقراءة آيات من هذا الكتاب. لكن تلت ذلك 41 سنة في ظل الديكتاتورية الشيوعية لأنور خوجة، الذي عُرف عنه عداؤه الشديد لكل ما يمتّ إلى الإسلام بصلة، وجرّم جميع أشكال الممارسة الدينية، فمن كان يجرؤ على إظهار شعائر الدين كالصلاة والصيام، يتعرض لكافة أنواع التعذيب ويُزج به في السجن. لكن المصحف المصغّر نجا، لأنه كان من السهل إخفاؤه.
قال بروشي: "في أحد الأيام تم إبلاغ الشرطة بأن لدينا مصحفًا في البيت، لكن صغر حجمه مكّن والدي من إخفائه. لقد قاموا بمجهودات جبارة دون أن يتمكنوا من العثور عليه.
بركات
في أعقاب هذا الحادث، قرر إسكندر والد بروشي أن يعهد به إلى أحد أصدقائه في كوسوفو المجاورة، وقام بتهريبه عبر الحدود مخبأً في شاحنة مليئة بالفحم. ولم يستعده إلا عند انتهاء الحرب في كوسوفو عام 1999، حيث تم دفنه هناك كي ينجو من الاقتتال.
ثم ورث بروشي القرآن قبل وقت قصير من وفاة والده في عام 2012، وهو متأكد من أن "هذا الكتاب الصغير يحمل الكثير من القصص والبركات والمعجزات". وتشاركه زوجته نفس الشعور: "في كل مرة ألمس هذا المصحف أتأثر، وحين نمر بظروف سيئة، كأن تتعرض ابنتنا إلى وعكة صحية، لا يفارقنا الشعور بالطمأنينة، لأننا نعلم أن القرآن معنا وسيحمينا، إنه تعويذة حقيقية".
وتلقت الأسرة العديد من العروض لشراء المصحف، من قبل المهتمين بالتحف والمقتنيات التراثية، وحتى من بعض المتاحف، لكن بروشي عبّر عن حبه وتعلقه وحرصه على عدم هجر هذه النسخة النادرة من القرآن الكريم، ويقول:"لا أفكر في بيعه أبداً، هذا المصحف ملك لعائلتي وسيبقى معنا دائماً".