الانتماء، اللغة، المواطنة، التاريخ المشترك، الثقافة...ذلك كله ما يشكل هوية الإنسان، ويصنع شخصيته، وهي عناصر مترابطة متماسكة؛ إذا أضاع الإنسان أحدها، فقد هويته، وفقد معها شخصيته.
أول ما يفقده إنسان التخلف، الخارج لتوه من دورة حضارته؛ انتماؤه..
ينـزع الإنسان بطبعه للتشبث بجذوره؛ بأسرته، بحيه، بمدينته، في دوائر تنداح في توسعها حتى تصل إلى المحيط الإنساني برمته.. وتتوسع القواسم المشتركة بين الناس، كلما ضاقت الدائرة، في اتجاه عكسي؛ تتميز فيه كل أسرة ضمن الحي الواحد، وكل حيّ ضمن البلد الواحد، وكل بلد ضمن القطر الواحد ، وكل قطر ضمن الإقليم الواحد، وتتنافس كلٌّ منها في دائرتها بخصوصياتها وتفخر بها.
كان ذلك جلياً في أواسط القرن الماضي .. كان العائد من مهجره الذي هاجر إليه طالباً للرزق، وحمل جنسيته، يتنازل عنها فور عودته، بل إن بعض المهاجرين كان يرفض تغيير جنسيته في مهجره، اعتزازاً بها.. وأنا هنا أتحدث عن حالات لصيقة بي أعرفها جيداً..
وها نحن، منذ بضعة عقود، نرى الناس يتسابقون لحمل جنسيات بلدان أخرى؛ ينسلخون بها من جلدتهم، يتنكرون بها، فينكرون أنفسهم.
ما الذي تغير؟! وما الذي يجب أن يتغير؟!