بشّرت صحيفة "الغارديان" البريطانية بقرب إتاحة أول مجموعات لتشخيص سرطان الثدي وسرطان الدم من إنتاج المغرب تجارياً "في غضون شهور"، ما من شأنه أن يقلّل التكاليف المادية وأوقات الانتظار التي يتحملها المرضى في البلد بل وفي جميع أنحاء أفريقيا.
معظم أدوات تشخيص السرطان والأمراض الأخرى في أفريقيا تستورد بأسعار باهظة من خارج القارة، غالباً من أوروبا والولايات المتحدة. واعتبرت "الغارديان" اختبارات التشخيص المغربية 100% "خطوة شديدة الأهمية" في سبيل تقليل اعتماد القارة السمراء على العلاجات واللقاحات المستوردة.
وطالما أقلق اعتماد أفريقيا على الاختبارات والعلاجات واللقاحات المستوردة من الغرب السلطات الصحية في القارة لا سيّما بعد جائحة Covid-19 والتقارير عن عدم عدالة توزيع اللقاحات وأدوات الوقاية. علماً أن 70% من المنتجات الصيدلانية وما يصل إلى 99% من اللقاحات المستخدمة في البلدان الأفريقية مستوردة.
ماذا نعرف عن المشروع؟
يعكف باحثون من المؤسسة المغربية للعلوم المتقدمة للابتكار والبحث العلمي "مصير" (MAScIR) على هذا المشروع منذ عام 2010. علماً أن المؤسسة أُنشِئت سنة 2007 لغرض النهوض بالبحوث والتنمية وتطويرها بالمغرب، وتوفير احتياجات البلد في التكنولوجيات المتقدمة، وبالتحديد في قطاع البيولوجيا الطبية.
وفق البروفيسور حسن الصفريوي، عضو مجلس إدارة "مصير"، استُخدمت اختبارات الكشف عن اللوكيميا المغربية على 400 مواطن. وذلك بعد أن كان يتم جمع العينات من المرضى في السابق وإرسالها إلى فرنسا لتحليلها، ما يتسبب في إطالة فترة العلاج وتأخيرها.
واستطرد: "لكن مع مجموعات الاختبار المصنعة محلياً، يمكننا الحصول على النتائج في غضون ساعات"، متابعاً أن أسعار الاختبارات ربما يوازي ضعفَيْ تكاليف إنتاجها محلياً لأن عملية التصنيع طويلة إذ يتوقع أن تكون جاهزة في غضون أسابيع أو شهور.
في أثناء ذلك، لم يستبعد يُنوي تِبجي، رئيس أنظمة وشبكات المختبرات في المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض التي تتعاون مع MASciR لإتاحة مجموعات التشخيص المغربية في بلدان أفريقية أخرى، أن تكون التكاليف الأولية لشراء اختبارات السرطان من المغرب أعلى من تلك الغربية لأن الشركات الصغيرة تضطر إلى استيراد المواد الخام.
مع ذلك توقع: "ما نعوّل عليه هو الأثر الطويل المدى. عندما تصبح هذه الشركات قوية وتوسع قدرتها التصنيعية، سنرى فوائد خفض التكلفة"، متوقعاً أن يحدث ذلك في غضون ثلاث سنوات.
ليس هذا أول إنجازات "مصير" التي سجّلت حتى الآن أكثر من 180 براءة اختراع ذات امتدادات على المستوى الإقليمي والأفريقي، وأنتجت 650 مقالاً علمياً نُشرت في دوريات علمية موثوق بها، ونفّذت أكثر من 100 مشروع بالتعاون مع منتجين محليين وأجانب.
وسبق أن طورت المؤسسة أول اختبار مغربي لتشخيص السلّ. وخلال وباء كورونا، طورت MASciR مجموعات تشخيص لكوفيد-19 مغربية 100%، بيعت أيضاً في السنغال وتونس وساحل العاج ورواندا. رجّح الصفريوي إتاحة اختبارات السرطان المغربية لتلك البلدان كذلك.
إنجاز آخر موازي
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أعلنت جامعة محمد الخامس بالرباط، في بيان ، فوز اثنين من باحثيها بالميدالية الذهبية وجائزة التميز في المسابقة الدولية للاختراع والابتكار “إيكان 2022″ لابتكارهما "سكانر ذكياً جديداً للكشف عن سرطان الثدي عن طريق التصوير بالميكروويف".
أوضحت الجامعة المغربية أن الابتكار هو "أول سكانر مغربي ذكي فعال وغير ضار ومنخفض التكلفة" في المجال الطبي.
وفي حين أن سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان انتشاراً في المغرب ويعد سبباً رئيسياً للوفاة بين النساء، وأن معدلات البقاء على قيد الحياة ترتفع مع التشخيص المبكر للمرض، تبقى نسبة كبيرة من حالات سرطان الثدي في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، مثل المغرب، عُرضة للوفاة بسبب الاكتشاف المتأخر.
وذكر البروفيسور حسن عمر، مدير مركز الابتكار التكنولوجي بالمدرسة المحمدية للمهندسين التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريحات صحافية، أن الابتكار المغربي 100% "يوفّر أكثر من 80% من سعر أجهزة الكشف عن سرطان الثدي الحالية" و"يسمح باكتشاف وتحديد موضع الأورام ذات أبعاد أقل من ملليمترين، وهو ما يدل على دقته العالية التي أثبتته نتائج ممتازة لتجارب أجريناها على ثدي اصطناعي".
وأضاف أن الخطوة التالية هي "اختبار نتائج التجريب السريري، ثم العمل للحصول على دعم مالي بشراكة بين القطاعين العام والخاص لوضع اللمسات الأخيرة على النموذج الأولي للجهاز للانتقال بعدها لتسويقه".
ويأمل المسؤولون عن الصحة في أفريقيا أن تُسهم مجموعات التشخيص المغربية وغيرها من الابتكارات المماثلة في توفير احتياجات دول القارة من مستلزمات القطاع الصحي التقنية وخفض الاعتماد على الابتكارات الغربية ذات الكلفة الباهظة والتي يمنح منتجوها عادةً الأولوية للدول الغربية في شرائها.