في البحث عن عجائب الدنيا السبْع كما صنَّفَها فيلون البيزنطي (280-220 ق.م.)، عرضتُ في الجزء الأَول من هذه الثلاثية هَرَمَ الجيزة الأَكبر (مصر)، والجنائن المعلَّقة في بابل (العراق)، وفي الجزء الثاني عرضتُ معبد أَرتيميس في أَفسُس (تركيا)، وتمثال زوس في الأُولمبيا (اليونان).
في هذا الجزء الثالث الأخير أَعرض للثلاث العجائب الباقية: ضريح موزولوس في هاليكارناسوس (تركيا)، تمثال هيليوس في رودس (اليونان)، منارة الإِسكندرية (مصر).
فماذا عن كُلٍّ منهما؟
5. ضريح موزولوس في هاليكارناس
تَـمَّ بناؤُه لأَجْل موزولوس، حاكم مدينة كاريا الإِغريقيا القديمة (مقاطعة الأَناضول - آسيا الصغرى). وكان الضريح من الضخامة والفخامة أَنْ بات اسم ذاك الحاكم رديفًا كل ضريح بهذا الحجم.
جمع مبناهُ طرازًا من الإِغريقي والمصري وبعض الشرق الأَدنى، وجيْءَ بمرمَره الأَبيض من نواحي الأَناضول وصخور بينتيليكوس (قرب أَثينا). استغرق بناؤُه من سنة 353 إلى سنة 350 (ق.م.) لكن سلسلة من الزلازل دمَّرته في القرن الثالث عشر.
عند الكشف عليه وجد فيه المنقبون آثار قرابين طقسية: ثيران، خرفان، وعصافير وسواها من الدلائل على ما كان يجري حول الضريح من احتفالات دينية.
6. تمثال هيليوس في رودس
مذهل الهيبة هندسيًّا وجماليًّا، ينتصب عاليًا نحو 33 مترًا على مدخل ميناء يوناني قديم في رودس. وهو تمثالٌ ضخم، على اسم هيليوس إِله الشمس الإِغريقي، استغرق نحو 12 سنة لإِنجازه (نحو 282 ق.م.) في قالب حديديّ تحوطه شرائح من البرونز.
يرجِّح الباحثون أنْ كانت تقام احتفالات دينية حوله في القديم، فيما التمثال على قاعدة عالية كأَنه يستقبل السفن الراسية ويرحب بها.
دمَّرَه زلزال ضرب المدينة بعد نحو قرن على إِقامته، وبقيَت قطع منه على الأَرض حوله عقودًا عدة. وهَيبتُه أَوحت بإِقامة تماثيل ضخمة مماثلة، منها تمثال الحرية في نيويورك.
7. منارة الإِسكندرية
استغرق بناؤُها عند جزيرة فاروس نحو خمس عشرة سنة، وتَـمَّ بناؤُها في القرن الثالث قبل الميلاد، إِبَّان حُكْم بطليموس الثاني، وهي أَحدث العجائب السبع تسلسلًا زمنيًّا. يرجِّح الباحثون أَنها علَت نحو 122 مترًا ما جعلَها، طوال عقود لاحقة، ثاني أَعلى مَعْلَم مبنيٍّ بعد هرَم الجيزة الكبير. وبقيت فاعلة حتى القرن الرابع عشر (م.).
هي من ثلاث طبقات تعلُوها قبَّة مستديرة، عليها تمثال يرجَّح أَن يكون لــزوس (كبير الآلهة) أَو بوزييدون (إِله البحار) أَو هيليوس (إِله الشمس). في وسْطها مرآة ضخمة تعكس نورَ الشمس نهارًا ووهْجَ النار ليلًا، مدى أَميال بعيدة (نحو 65 كلم) كي تَـهدي السُفُن إِلى ميناء الإِسكندرية.
داخل المنارة كانت رافعةٌ ضخمة تحمل الطعام والوقود إِلى بُرج المنارة. ولم تكن للسُفن حسب، بل كان لها دور فاعل في الاتصالات مع أَبراج منارات أُخرى لإِيصال خبر أَو حدَث أَو تنبيه.
ذكَرَ المؤَرخ سترابون أَن المنارة كانت مبنية بالحجر الأَبيض الصلصالي الذي يقوى في احتكاكه بالماء، وقد تكون أَجزاءٌ من المنارة مبنية بالحجر الغرانيتي من أَسوان، وهو الحجَر الذي عادت بُنِيَتْ به قلعة قاتباي مكان المنارة.
في تلك الحقبة القديمة كانت الإِسكندرية بوابة الدخول إِلى أَفريقيا وتاليًا مدخل تجار الشرق الأَوسط وشرق أَفريقيا والبحر الأَحمر إِلى أَسواق أُوروبا. سوى أَنَّ الميناء لم تكُن عميقة كفاية، ما سبب تحطُّم عددٍ من السُفن على الصخور الناتئة تحت الماء عند رُسُوِّها في المرفأ.
من المدهش أَنَّ هذه المنارة بقيَت نحو 1400 سنة قبل أَن هدَمتها ثلاثة زلازل ضربَت المنطقة بين القرنين العاشر والرابع عشر، آخرُها سنة 1323. وحين سنة 1349 بلغَها ابن بطوطة كتب عنها: "كان دَمارها فاجعًا حتى أَنني لم أَجد باب الدخول إِليها."
في أَواخر القرن الخامس عشر، انبرى السلطان الأَشرف سيف الدين قاتباي (أَحد آخر المماليك البرجيين على مصر) فأَمَرَ بتشييد قلعة من حجارة المنارة كي يحمي المدينة من تهديدات السلطنة العثمانية.