تخطي إلى المحتوى
غلافُ الكتاب والحبّ غلافُ الكتاب والحبّ > غلافُ الكتاب والحبّ

غلافُ الكتاب والحبّ

يذهبُ أحدُنا وفي نيّته شراء كتابٍ معيّن عن موضوعٍ معين. يدخل المكتبة ويبدأ البحث، عناوين لا تنتهي. ألوانٌ وأشكالٌ تطلّ بنفسها عليك من الرّفوف وطاولات العرض، وتنده عليك عناوينها. سياسات وآداب وعلوم، أصوات حروب وصرير تاريخ، بكاء شعوب وضحكات شعوب أخرى، خرائط تغيّر أماكنها ورؤوس تُقطع ورائحة طبيخ. بين لحظة وأخرى قد يصلك صوت شاعر يلقي قصائده من على أحد الرفوف المهملة التي مررنا بها خطأً. ومن غرفةٍ أخرى تصل ضحكات أطفال. ربما لن نسمع موسيقى ولكن هناك صوت خفيض للفلسفة يدمدم تحت الطاولات، لم نجد كتابنا.

من الحالات الطبيعية للذاكرة في فوضى من هذا النوع أن تخونك، فتنسى أية إشارة قد تقودك لكتابك؛ الناشر، سنة النشر، ... ما الحل؟! أنا في المكتبة الآن ولم أجد ما أبحث عنه، هل أرجع خالي اليدين! طبعاً لا. لأشتري كتاباً آخر على الأقل.
نعاود البحث. الورطة صارت أكبر الآن، وهي البحث عن كتابٍ مجهولٍ تماماً لنا، نستعين بأسماء كُتّاب كبار، وربما دور نشرٍ كبرى ومعروفة، ولكن لا شيء يتبادر إلى الذهن. يندر أن تكون عناوين الكتب مغويّة لشرائها، وخاصة أمام الكمّ الكبير من الكتب، وأمام فوضى التشابه والتكرار. لذا فإنه إذا ما حصل ناشر على عنوانٍ مغوي فيمكنه طباعته حتّى على أكياس الإسمنت، وسيحقق مبيعاته المرجوّة منه وأكثر.
ما حدث أننا فقدنا البوصلة التي توجّهنا بين رفوف المكتبات، ولم يعد أمامنا إلا أن نتذكر ما هي الأشياء التي تعجبنا في كتاب نودّ اقتناءه!. هنا ستتفجر آلية ما، وسيستغرق الأمر مجموعة معقدة من العناصر والآليات التي ستتفاعل لتجعلنا في النهاية نقرّر شراء كتابٍ من عدمه.
بالنسبة للشاعر والروائي الإيطالي الكبير تشيزري بافيزه فإن "غلاف الكتاب له تأثيرٌ على الغالبية العظمى من القرّاء أكبر من تأثير مقالٍ نقدي، لأنه يعمل عملاً دقيقاً وخفياًّ في إضاءة الكتاب". ببساطة شديد تساهم أغلفة الكتاب في تشكيل صورة للفكرة التي لدينا مسبّقاً عن كيف ينبغي أن يكون المؤلّف الذي نريد أن نقرأ له. إنه شيء ما يقع في اللاوعي يشبه تماماً النظرة الأولى:
"أنا وحيد/ة وأبحث عن ارتباط" لنعتبر هذا عنواناً أو موضوع كتاب نبحثُ عنه. نذهب إلى حفلة فيها كثير من المدعوين، ونجول بينهم، وفجأةً نرى فتاة / شاباً لأوّل مرة، خلال ثوانٍ معدودة، سنقرّر هو/هي من أودّ أن أرتبط به/بها. هذا ما يحدث في المكتبة حين نرى غلافاً لكتاب: لدينا عنوان عامّ يشبه عنواننا، ولكن هناك شيء خاصّ يجعلنا نقرّر. نتقدّم إلى تلك الفتاة/الشاب لتبادل بعض الحديث، وسينتهي الأمر بعد ذلك إمّا بالنجاح أو الفشل. فقد نعرف أن الآخر مرتبط، أو قد لا يعجبنا كثيراً ما يقول. أما في المكتبة فإن الحاسم في فشل العلاقة بين القارئ والكتاب عادةً ما يكون عنصراً أساسيّاً من عناصر الغلاف وهو كلمة الغلاف.
دور تصميم الغلاف هو أن يستدرج القارئ، أن يجعله يرغب في شراء الكتاب، ودور كلمة الغلاف هو أن تجعل القارئ يشتري الكتاب أو لا. لذا يؤدّي تصميم الغلاف دورًا حاسمًا في مبيعات الكتاب. ولا ننسى أنه منذ بدأ تصميم الغلاف في التاريخ الحديث ازدادت نسبة القرّاء أيضاً والأمثلة على الأغلفة التي كانت سبباً في رفع الكتب إلى قائمة أفضل المبيعات لا تنتهي.
الفرق هنا أن لاوعي الإنسان في أمور الحبّ، واسعٌ ولا تمكن الإحاطة به. لكن "لاوعيه" في ما يخصّ الكتب تُمكن الإحاطة به، وهذه الإحاطة هي ميزة المختصّ في مجال تصميم الكتاب لتجعل منه قادراً على إبداع تصميمٍ يحاكي ذاك اللاوعي عند أغلب القراء.

العربي الجديد

 

المصدر: 
العربي الجديد