العراضة أساساً هي قيام فرقة من الفنون الشعبية من الرجال فقط، بمرافقة العريس وأهله وأصدقائه من مكان عرس الرجال، إلى مكان عرس النساء، بالطبل والنحاسيات، وبأهازيج تختلف من منطقة لأخرى ومن مدينة لأخرى، يقودها شخص قوي الصوت، ويردد الحاضرون خلفه ما يقول، ما عدا العريس، الذي يجب أن يظل صامتاً.
المسافة بين مكان عرس الرجال ومكان عرس النساء قد تكون شارعاً من مئات الأمتار، وقد تكون عشرات الأمتار فقط، وفي هذه الأيام يمكن أن تكون المسافة مجرد الانتقال من طابق في صالة أفراح إلى طابق آخر في نفس الصالة، وبهذه الحالة تسير العراضة ببطئ، أو تتم بدون سير، وقوفاً أمام أو داخل مكان عرس الرجال، أو أمام مكان عرس النساء، لتقوم الفرقة التي تحي العرس بعملها الأخير (العراضة).
وتمتد العراضة حوالي نصف ساعة، أكثر أو أقل بحسب المسافة بين مكاني العرسين، وهي آخر دقائق العزوبية التي يعيشيها العريس قبل أن يدخل القفص الذهبي.
وتنتهي العراضة بدخول العريس لوحده إلى عرس النساء، وبذلك ينتهي العرس بالنسبة للرجال، وينتهي عمل فرقة الفنون الشعبية من الرجال، حيث يبقى العريس بعض الوقت بجانب عروسه في عرس النساء، ثم يأخذها ويغادر، وينتهي العرس بالنسبة للجميع.
والهدف من العراضة هو المزيد من إشهار الزواج، أي إخبار من لم يحضر العرسين (عرس الرجال وعرس النساء) بأن فلاناً وفلانة صارا زوجين بالحلال، حتى لا يفاجأ أحد برؤيتهما معاً في اليوم التالي.
لباس فرقة العراضة وأدواتها
يبلغ عدد أفراد الفرقة التي تؤدي العراضة على الأقل15 رجلا، 7 على اليمين، و7 على اليسار، ورئيس الفرقة صاحب الصوت القوي، الذي يحمل غالباً على الأكتاف. وقد يكون في الفرقة طفل، أو كهل من ذوي الأبدان الرياضية الرشيقة.
وتلبس الفرق اللباس العربي التقليدي، المؤلف من الشروال (بنطال واسع) والملس (قميص)، والصدرية (سترة بدون أكمام، أو بنصف كم) والشملة والشالة (تلف على الخصر) والعرقية (غطاء رأس صغير وخفيف أبيض اللون) والمنطوفة أو الكسرية (أحذية تقليدية حمراء) والحطاطة أو الشاشية والسمنية الحرير (ما يوضع على الرأس)، والمحارم التي يلوح بها باليدين.
وتحمل الفرقة أدوات موسيقة قوية الصوت، لتحقيق هدف الإشهار ولفت أنظار المارة وساكني البيوت على طرفي طريق العراضة. ولذلك فأهم أدواتها الطبل، والأدوات النحاسية، وأدوات النفخ.
ويمكن أن تتضمن العراضة فقرة للمبارزة بين شخصين بالسيوف، وفقرة إظهار مهارات اللعب بالسيوف، وفقرة لاظهار مهارة اللعب بالعصا (النبوت).
ما الفرق بين العراضات السورية؟
ولكل منطقة ولكل مدينة مميزات لعراضتها، لا بل إن لكل فرقة مميزات لأدائها للعراضة. وتظهر الفوارق في اللباس، حيث تستخدم الزركشات والقصب في مناطق، بينما تميل مناطق أخرى للباس الجدي الصارم. وتظهر الاختلافات في الأدوات الموسيقية، فتكتفي مناطق بالطبل، بينما تبلغ الأدوات في مناطق أخرى أكثر من 10 أدوات. وتظهر الفوارق أيضاً باللهجات، فالجمل التي تقال في العراضات الشامية فيها مد (مط) لآخر الجملة، بينما في حلب تنتهي الجملة بقطع أو تسكين، دون مد مطلقاً.
العراضة الحلبية
تعكس العراضة الحلبية حب أهل حلب للغناء، وبراعتهم فيه، وانفتاحهم على الغناء العربي من كل الأقطار العربية. موقع تلفزيون سوريا التقى أبو ياسر بابللي مدرب الرقص العربي الحلبي، وصاحب فرقة عريقة للرقص والعراضة، وسأله عن مضمون ما يقال في العراضة الحلبية فقال : “مواضيع العراضة الحلبية هي الاحتفال والفرح، ووصف العريس ووميزاته، وتستخدم أجمل الأغاني الحلبية والعربية مثل أغنية نجاح سلام:
جينا وجينا وجينا جبنا العريس وجينا
وكرمال عيون الكحلة خلي الدنيا تلاقينا
ومثل أغنية صباح :
أهلا بهالطلة أهلا
أهلا بهالعين الكحلة"
وقال البابللي: "إضافة للأغاني السهلة المناسبة لهذه المناسبات، تقوم الفرقة بأداء الشديات في العراضة مثل :
جوزناه وخلصنا منو
عقبال عند الأصغر منو
ومثل:
عريسنا الزين يتهنا
يطلب علينا ويتمنى
ومثل :
عالليمونة والتفاحة
قلبي بحب الصراحة
قلبي بحبك يا عريس
لأنو اللاحة عاللاحة"
العراضة الحمصية
حمص أكثر المدن السورية اهتماماً بالعراضة، وأكثرها استخداماً لها. يقول السيد سعيد الوزير قائد ومدير فرقة تراث حمص لموقع تلفزيون سوريا: “في حمص هناك عراضات للكثير من المناسبات، عراضة للأعراس، وعراضة لاستقبال الحجاج، وعراضات للخميسات، خميس المشايخ وخميس الأموات وخميس النبات ..ولمناسبات كثيرة اجتماعية ودينية ووطنية".
ويضيف الوزير : “ في حمص الخنجر جزء من لباس العراضة، ومن يؤدون العراضة قد يكونون أفرادا من أهل المناسبة وليسوا فرقة محترفة، لكثرة من يتقنون العراضة في حمص، وكلمات العراضات الحمصية كلها رجولة وبطولة وحرب، إنها تعكس أحداث مئات السنين، وخاصة منها الاحتلالات الأجنبية. مثلاً :
وإن هلهلتي هلهلنالك
ودزينا البارود قبالك
وإن هلهلتي يا حمصية
الواحد منا يزيح المية
وإن هلهلتي يا خديجة
حطي الفشك بالعلجية"
ويقول السيد سعيد الوزير: "حمص ابتكرت الحروبي، وهو نوع من العراضة لا تعرفه إلا حمص، ويسمى الحروبية الحمصية، ونصه :
حمص العادية
فيكي سباع وميماسة
وخالد سيف الله
وسيفه حاميكي"
العراضة الشامية
عدى عن تميز لهجتها بمد آخر الحروف، ولباسها الفخم غالي الثمن، تتميز العراضة الشامية (عراضة مدينة دمشق) بالعبارات الوصفية، أي التي تصف العريس، وأسرته، ومكانتهم، وأهلهم، والعرس، والحاضرين، والفرح ولا تستخدم الأغاني الشهيرة كما يفعل أهل حلب، ولا العبارات الحربية كما يفعل أهل حمص.. مثل:
شن كليلة شن كليلة
الله يعينو على هالليلة
من هالليلة صرلو عيلة
ومثل :
ميمتو يا ميمتو
واطلعي لاقيله
واركبي رهوانك
وارقصي مقابيلو
ومثل :
قبل السلام عليكم
جينا الليلة نهنيكم
عريسنا الزين ياغالي
يا عود أخضر وشيالي
تطور العراضات السورية
مع الزمن، تغيرت العراضة في كثير من الحالات، فباتت الفرقة تدخل في الأعراس المختلطة، ولا تسير في شوارع، وتكتب كلاماً خاصاً بالعروس (في السابق كانت لا تذكر العروس مطلقاً)، وباتت تعد فقرات خاصة بالعروس مثل حملها على هودج أو خيول، ومثل حمل المشاعل، ومثل افتتاح البوفيات وقوالب الكاتو، ومثل مضاعفة عدد الفرقة ليناسب الصالات الكبيرة الواسعة، ومثل استخدام الميكرفون ومكبرات الصوت من قبل رئيىس الفرقة، ومثل التغيير الكبير باللباس ليصبح أكثر تلوناً وزركشة، ومثل تقليد الزفة المصرية التي تضم فقرات فكاهية وتمثيلية، إلى جانب الطبل والزمر والغناء.