تخطي إلى المحتوى
"بسطات الكتب" في المغرب... ثقافة بالثمن المتاح إقبال لافت على مكتبات الشوارع ومريدوها: .."تحوي كثيراً من النفائس الثمينة والفرص والمفاجآت" "بسطات الكتب" في المغرب... ثقافة بالثمن المتاح إقبال لافت على مكتبات الشوارع ومريدوها: .."تحوي كثيراً من النفائس الثمينة والفرص والمفاجآت" > "بسطات الكتب" في المغرب... ثقافة بالثمن المتاح إقبال لافت على مكتبات الشوارع ومريدوها: .."تحوي كثيراً من النفائس الثمينة والفرص والمفاجآت"

"بسطات الكتب" في المغرب... ثقافة بالثمن المتاح إقبال لافت على مكتبات الشوارع ومريدوها: .."تحوي كثيراً من النفائس الثمينة والفرص والمفاجآت"

"يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر". هكذا يسوغ زبناء وعشاق البسطات، أو مكتبات الشوارع في المغرب حرصهم على ارتياد هذه الفضاءات التي تضج بالكتب القديمة والمؤلفات الجديدة أيضاً وتخفي في أحشائها أحياناً كتباً ومخطوطات نادرة.

في المغرب يفترش باعة الكتب المستعملة قارعة الطريق في أحياء وأماكن اشتهروا بالوجود فيها من أجل بيع المعرفة بأرخص الأثمان، مما يجذب إلى مكتبات الشوارع هذه فئات معينة من الزبناء، بخاصة الراغبين في تصفح كتب نادرة يصعب العثور عليها في المكتبات الكبرى، أو الرغبة في امتلاك نسخ قديمة من مجلات عتيقة وغيرها من المفاجآت المعرفية الجميلة.

بسطات مغربية

تفيد معطيات غير رسمية بأن المغرب يضم أكثر من 200 سوق للكتب المستعملة والقديمة، وأيضاً آلاف البسطات ومكتبات الشوارع تتوزع في عدد من مدن البلاد، غير أن أشهرها وأكثرها عدداً موجود في مدينة الدار البيضاء.

وتعد سوق "ساحة السراغنة" بالمدينة أكبر مكتبات الشوارع في المغرب ويعرض فيها أكثر من 400 ألف كتاب ويزورها آلاف الناس والزبائن وينظم مهرجان سنوي في رحابها كل عام لعرض الكتب والمؤلفات القديمة والنادرة أحياناً.

وفي المدينة ذاتها أيضاً تنتشر مكتبات شهيرة على قارعة الطريق في "سوق لقريعة" و"سوق درب غلف" وحي البرنوصي و"سوق البحيرة" التي تضم مكتبات شوارع تعرض النوادر من الكتب والمخطوطات ويقبل عليها عشاق هذا الصنف من المؤلفات.

وهناك بسطات معروفة أخرى بمدينة فاس، خصوصاً في سوق "الليدو" وفي مدينة مراكش هناك سوق "باب دكالة" و"باب الأحد" وجميعها تختص بعرض الكتب والمؤلفات وأحياناً مخطوطات ربما لا توفرها المكتبات الكبرى.

يروي بائع الكتب المستعملة الحسين صناك لـ"اندبندنت عربية" أن هناك "بسطات تعرض كتباً نادرة أو نسخاً لأمهات الكتب العربية القديمة، فهناك أفراد يبحثون عن هذه الجواهر المعرفية".

ويضيف أن "مكتبات الشوارع تجمع فئات عدة من المجتمع، فهناك الزبون الفقير الذي يجد في البسطة ملاذاً له من ارتفاع أسعار الكتب في المكتبات العمومية والخاصة، وهناك الطالب الذي يبحث عن مؤلفات ومقررات دراسية بأقل ثمن، كما أن هناك مثقفين وشخصيات فكرية لامعة يقصدون هذه البسطات للنهل من معينها المعرفي الزاخر".

مهنة شاقة

من جهته، يقول مدير المعرض الوطني للكتاب المستعمل ورئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين يوسف بورة إن هناك إقبالاً لافتاً على مكتبات الشوارع بدليل الإشعاع الذي يحظى به معرض الكتاب المستعمل الذي ينظم في الهواء الطلق وفي أحياء شعبية ويمتد تقريباً شهراً كاملاً.

وتابع بورة لـ"اندبندنت عربية" أن معرض الكتب المستعملة والقديمة يزوره مواطنون من جميع الشرائح الاجتماعية، بحيث يقصده الزوار الوافدون من جميع مناطق المغرب، وأحياناً من دول أخرى.

 
ويفسر بورة هذا الإقبال على معرض الكتب الذي تحتضنه الدار البيضاء بالأسعار الرخيصة التي تكون في متناول جميع الشرائح المجتمعية، علاوة على مهنية واحترافية الكتبيين، لافتاً إلى أن مهنة الكتبي صعبة مادياً ومعنوياً، فهي تحتاج إلى "مال قارون وصبر أيوب وعمر نوح"، وفق تعبيره.

واستطرد أن أسواق الكتب المستعملة تعاني إهمالاً واضحاً ولا تتجاوز 200 سوق متخصصة في جميع مناطق البلاد، مؤكداً أن "ميدان الكتاب صعب ومعقد جداً".

وأردف أن "هناك عدداً من العناوين والمجالات التي تضمها أسواق ومكتبات الشوارع من طب وفلسفة وأدب وقانون وقصص وقواميس ومجلات وتاريخ وفنون وفلك"، مشيراً إلى أن "مهنة الكتبي شاقة، وإذا توفي أحدهم لا يمكن تعويض خبرته".

سوق المعرفة

يلتقط خيط الحديث الكاتب مصطفى لغتيري الذي قال لـ"اندبندنت عربية" إن مكتبات الشارع فضاءات شعبية يؤمها الناس بشكل عفوي واعتباطي أحياناً، كما يؤمها الطلبة بحثاً عن كتاب نادر وفي المتناول".

ويكمل "في الدار البيضاء مثلاً تميزت بعض الفضاءات المحددة في هذا المجال، وهي في مجملها مرتبطة تحديداً بأسواق شعبية معروفة لدى ساكن المدينة ومنها البحيرة في المدينة القديمة وسوق درب غلف التي تعرف ببيع الأجهزة الإلكترونية والسلع المستوردة، لكنها تتضمن كذلك حيزاً لبيع الكتاب المستعمل، وسوق القريعة التي تحبل بكل أنواع السلع والبضائع".

وأبرز لغتيري أن "هذه الكتب المعروضة للبيع تتسم برخص الثمن، كما أن محبي الكتاب والمنقبين عن النوادر منها يجدون ضالتهم هناك، بخاصة الكتب التي نفدت طبعاتها، كما أن الأعداد القديمة للمجلات لا يمكن الظفر بها إلا هناك".

وأردف "نظراً إلى أهمية هذه السوق الموازية للكتاب فكرت بعض الجمعيات المهنية والثقافية في تنظيم معرض سنوي بالدار البيضاء، ولاقت بعض دوراته نجاحاً لفت إليه الانتباه، لكنه يحتاج إلى كثير من الدعم من الجهات الراعية للثقافة في البلاد بهدف تحقيق الأهداف المتوخاة منه".

مفاجآت وطرائف

بالنسبة إلى الكاتب والباحث إدريس الكنبوري، من أشهر زبائن البسطات ومكتبات الشارع، فإن "سوق الكتب المستعملة ربما تحوي أحياناً كثيراً من النفائس الثمينة، وهي للباحثين وعشاق الكتب بحر واسع مليء بالفرص والمفاجآت، وقد يحصل فيها الزبون على مؤلفات نادرة في طبعاتها الأولى ولم تطبع من جديد، كما قد يجد طبعات حجرية أو مخطوطاتها".

ويتذكر أن هذا الأمر حصل معه شخصياً أكثر من مرة ويقول لـ"اندبندنت عربية"، "وقعت مثلاً على نص آخر عرض سياسي للقيادي اليساري الراحل المهدي بن بركة في الجزائر قبل عامين من اختفائه يهاجم فيه النظام المغربي، كما حصلت على كتاب للزعيم السياسي الراحل علال الفاسي يتضمن إهداء بخط يده إلى المؤرخ الراحل محمد المنوني".

ويورد الكنبوري بعض الطرائف التي حكاها له كتبيون في مدينة تطوان، منها أن أحدهم كان يبيع الكتب والأغراض المستعملة وكان حانوته يضم مكتباً خشبياً صغيراً، وذات صباح سأله مواطن إسباني عن ثمنه، لكن صاحب الدكان أراد أن يصرفه لأنه كان يتناول فطوره فطلب منه 10 آلاف دولار مقابل المكتب، فما كان من الإسباني إلا أن أخرج شيكاً بالمبلغ، وحينها أصيب صاحب الدكان بصدمة نفسية لازمته مدة طويلة لأنه لم يكن يتخيل أن يقبض كل هذا المال، لكن الرجل الإسباني كان يعلم أن المكتب يعود لأحد أشهر الرسامين الإسبان الذين عاشوا في المغرب.

وتابع "مرة حكى لي كتبي في الرباط أن أحد الكتبيين عثر في المتلاشيات التي يعثرون فيها أحياناً على كتب أمام البيوت أو في القمامات، على أوراق قديمة مكتوبة بالخط المغربي فباعها لزميل له بـ30 درهماً مع كتب أخرى، وبعد يوم دفع أحدهم للأخير 30 دولاراً وأخذها، ثم جاء في ما بعد شخص من الأعيان اشتراها بمبلغ 14 ألف دولار لأنها كانت وثيقة عدلية تتضمن شجرة نسب تعود لأسرته".

المصدر: 
اندبندنت عربية