قد لا يحل روبوت المحادثة "شات جي بي تي" (ChatGPT) من "أوبن إيه آي" (Open AI) وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة محل الوظائف في أي وقت قريبا، لكن بالتأكيد يمكنها مساعدة الموظفين والطلاب في العديد من المجالات -من التكنولوجيا إلى وسائل الإعلام- على أداء وظائفهم بشكل أفضل وبسرعة أكبر.
واستخدم روبوت المحادثة الشهير -الذي جذب مليون مستخدم بعد وقت قصير من إطلاقه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- في عدة مهمات، بداية من الاستشارات العقارية وتقديم نصائح حول كيفية بدء عمل تجاري، وحتى تأليف الموسيقى، وكان النجاح كما الفشل حليفان له في مهماته المختلفة.
وبينما ضخ المستثمرون مئات الملايين من الدولارات في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية الخاصة بصناعات مختلفة، انطلاقا من الاعتقاد بأن هذه الأدوات لديها القدرة على حل المشكلات التي قد تواجهها المستشفيات وأقسام التسويق على سبيل المثال، يرى عدد من الخبراء أن هذه التقنية ما زالت في بدايتها، وعلينا ألا نستعجل في الاعتماد عليها في أعمالنا.
ويؤيد رئيس "أوبن إيه آي" التنفيذي سام ألتمان هذا الرأي، حيث قال إن "النص التوليفي هو شيء نحتاج جميعا إلى التكيف معه"، وقال في مقابلة مع "ستراكتلي في سي" (StrictlyVC) في يناير/كانون الثاني الماضي "لقد تكيفنا مع الآلات الحاسبة وغيّرنا ما اختبرناه في فصل الرياضيات، هذه نسخة أكثر تطورا من ذلك بلا شك، ولكن أيضا فوائدها أكثر تطورا أيضا".
أما مارك مورو، الأستاذ في معهد بروكينغز الذي أجرى أبحاثا عن تأثير الذكاء الاصطناعي على القوة العاملة، فيقول لموقع "إنسايدر" (Insider) "من الصحيح تماما أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي يمكنها تحسين حياة العمال والموظفين والطلاب بشكل كبير"، لكنه يرى أنه يجب على العمال توخي الحذر عند استخدام تلك الأدوات، حيث يمكن أن تكون هذه التكنولوجيا مصدرا للمعلومات المضللة، ويمكنها إزالة اللمسة البشرية من مهام مثل الكتابة.
أيضا هناك الجانب الإداري، حيث لم تضع معظم الشركات قواعد رسمية بشأن استخدام الموظف أداة الذكاء الاصطناعي، غير أن شركات مثل مايكروسوفت (Microsoft) -الشريك والمستثمر الرئيسي في "شات جي بي تي"- أعطت الموظفين مؤخرا الضوء الأخضر لاستخدام روبوت المحادثة لأغراض العمل، طالما أنهم لا يشاركون معلومات حساسة مع الموقع.
استخدامات عملية لـ"شات جي بي تي"
وحتى لا يبقى الأمر غامضا بالنسبة للجمهور، قمنا بتجربة روبوت المحادثة في عدة مهمات، لنرى كيف يمكنه المساعدة في عمل محرر صفحة التكنولوجيا، وقد قدّم بالفعل المساعدة في 3 منها، وفشل في غيرها.
كتابة المقالات والخطب
أدرك العديد من الطلاب المكلفين بكتابة مقالات أثناء دراساتهم، أن "شات جي بي تي" يمكن أن يكون مفيدا جدا كأداة للكتابة.
وبينما يحاول بعض المعلمين اتخاذ إجراءات صارمة بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي، أخبر إيثان مولليك، الأستاذ بجامعة بنسيلفانيا مؤخرًا موقع "إن بي آر" (npr)، أنه يطلب من طلابه استخدام "شات جي بي تي"، لأنه يعتقد أن الروبوت يمكن أن يساعد الطلاب على توليد الأفكار وتحسين كتابتهم وتوفير الوقت عند كتابة الرسائل ورسائل البريد الإلكتروني أيضا.
وقال جيف ماجينكالدا، الرئيس التنفيذي لموقع "كورسيرا" (Coursera) للدورات التدريبية عبر الإنترنت، إنه يستخدم روبوت المحادثة لكتابة رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل وحتى الخطابات.
وأشار في حديث لشبكة "سي إن إن" (CNN) إلى أنه يستخدم الروبوت "كمساعد كتابة وشريك فكري".
مثال عملي لاستخدام "شات جي بي تي" لكتابة رسالة شكر لأقسام موقع الجزيرة:
وفي هذا المجال، قمنا باستخدام البرنامج لكتابة خطاب شكر للزملاء في أقسام موقع الجزيرة نت، على تعاونهم في نشر محتوى صفحة تكنولوجيا، وهذه كانت النتيجة.
جدولة المهام والتخطيط وإدارة الوقت
قد يستغرق تنظيم جدول عملك المزدحم وقتا طويلا، لكن "شات جي بي تي" وأشكالا أخرى من الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد في جعل العملية أكثر سلاسة.
أجرى الاقتصاديون في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) دراسة عام 2022 حول المهارات التي يمكن للذكاء الاصطناعي تكرارها، ووجدوا أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكنها التعامل مع الجدولة وتحديد أولويات المهام "أفضل من البشر" في كثير من الحالات.
وقالت الدراسة "تبدو جدولة العمل والأنشطة مهمة مثالية للذكاء الاصطناعي".
وجرّب بعض المستخدمين هذا الأمر وخرجوا بنتائج واعدة. ونشر ميكا -وهو صانع محتوى على يوتيوب (Youtube)، متخصص في نشر مقاطع تستكشف الذكاء الاصطناعي- مقطع فيديو يوضح كيف استخدم "شات جي بي تي" لأتمتة جدولة عمله.
فبعد أن طلب من روبوت المحادثة إنشاء جدول عمل يومي يتضمن مهاما مثل الانتهاء من تقرير الأداء وجدولة اجتماع مع رئيسه، تمكن الروبوت من إصدار تفصيل ساعة بساعة لجدول زمني محتمل في غضون ثوان.
ثم طلب من "شات جي بي تي" إعادة ترتيب أولويات مهام معينة، لكنه اقترح أنه "قد لا يكون من الممكن" القيام بذلك نظرا لضيق وقته.
مثال عملي لاستخدام شات جي بي تي لتنظيم مهام العمل والحياة لمحرر موقع الجزيرة نت:
والحقيقة أننا لم نكن متأكدين من نتائج هذا الاختبار، لكن "شات جي بي تي" فاجأنا بطريقة تحليله وإظهاره النتائج، سواء من حيث الترتيب أو التوقيت، ولهذا أعدنا الاختبار مع وضع المهام من دون ترتيب، وقمنا بحذف موعد اجتماع التحرير الصباحي لنرى كيف ستختلف النتائج، ولكنه لم يتأثر بالتغييرات وأعطانا نفس ترتيب الجدول السابق، وهو الأكثر منطقية والأفضل، كما أنه أضاف بعض الأعمال والأوقات مثل تناول الإفطار الذي لم نذكره في قائمة المهام.
وهذه صورة عن الاختبار الثاني بعد تغيير ترتيب المهام.
بدء عمل تجاري واتخاذ قرارات إستراتيجية ودعم العملاء
إذا كنت رائد أعمال حاليا أو طموحا، فقد يكون "شات جي بي تي" قادرا على مساعدتك في التخطيط لبدء عمل تجاري
وطرحت جينيفر أورتاكاليس دوكينز من موقع إنسايدر (Insider) على روبوت الدردشة مجموعة متنوعة من الأسئلة، ووجدت أنه أداة مفيدة لتوليد الأفكار وتقدير تكاليف بدء التشغيل ووضع الخطوط العريضة لخطة العمل.
وقد اختبر موظفو أمازون "شات جي بي تي"، وقالوا إنه يقوم "بعمل جيد جدا" للإجابة عن أسئلة دعم العملاء، وإنه "قوي جدا" في الرد على الاستفسارات حول إستراتيجية الشركة.
مثال عملي لاستخدام "شات جي بي تي" لتصميم إستراتيجية محتوى لصفحة تكنولوجيا في موقع الجزيرة نت:
قمنا باختبار "شات جي بي تي" في هذا المجال، ومع أن النتيجة مرضية إلا أنها تحتاج إلى المزيد من التطوير، وربما تحتاج منا لأسئلة أكثر تفصيلا بشأن ما نحتاجه، كما أن عدم ارتباط "شات جي بي تي" بالإنترنت بعد عام 2021 قد يكون السبب في بعض الإجابات العامة.
شات جي بي تي يحتاج الوقت للتعلم
وكما هي الحال في أغلب الاختراعات التقنية، لا يمكن الحكم على نجاحها أو فشلها إلا بالتجربة، والتقنيات الجديدة تأخذ وقتا وجهدا حتى تعالج أخطاؤها ويتم تطويرها بشكل يتناسب مع توقعات المستخدمين، لذلك فلا بد من القول إن "شات جي بي تي" لا يزال أمامه وقت طويل ليصبح تقنية معتمدة في عدة أمور، كالبحث العلمي، وهو من الأمور التي فشل فيها بشكل كبير، بالإضافة إلى البرمجة.