تخطي إلى المحتوى
ورّاق أربيل.. صامد في المهنة رغم قلة الطلب وغَلبة التكنولوجيا ورّاق أربيل.. صامد في المهنة رغم قلة الطلب وغَلبة التكنولوجيا > ورّاق أربيل.. صامد في المهنة رغم قلة الطلب وغَلبة التكنولوجيا

ورّاق أربيل.. صامد في المهنة رغم قلة الطلب وغَلبة التكنولوجيا

ما زالت مهنة تجليد الكتب والوثائق يدويا، ويُدعى محترفها "الورّاق"، تقاوم الزوال في العراق، على الرغم من انخفاض عدد الحرفيين والزبائن عما كان عليه في الماضي القريب.ويشير من تبقى من الورّاقين، إلى أن تاريخ مهنتهم يعود إلى عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي أنشأ دار التدوين في بغداد، وأعقبها استحداث مهنة الوراقة، التي تشمل النسخ والتصحيح والتجليد والتصوير والخط والتذهيب وتزويق الكتب وبيع الورق والأحبار وسائر أدوات الكتابة، واستمرت هذه المهنة وازداد أعداد العاملين فيها وتوسعت في غالبية مدن العراق وصولا إلى يومنا هذا.

فريدون عبدالله، أحد أبرز الورّاقين الذين ما زالوا يحافظون على مهنة تجليد الكتب يدويا، وسط التطور الذي تشهده مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، في مجال الطباعة والنشر.

يقول لـ"ارفع صوتك": "أعمل في المهنة منذ أكثر من 25 عاما، وأشعر براحة لا مثيل لها في مزاولتها، لأنني أعيد الحياة إلى الكتب القديمة التي مضى على تأليفها وطباعتها عشرات السنين، من خلال تجليدها بشكل فني".ويضيف عبدالله، أن أغلب زبائنه من الطلبة وأساتذة الجامعات، الذين ما زالوا متمسكين بتجليد الكتب يدويا، لسببين، الأول الحفاظ على المصادر المهمة التي لم تعد تُطبع وأصبحت نادرة في السوق، والآخر لتجليد أطروحات الماجستير والدكتوراة والأبحاث والدراسات.ويشير إلى أن "التجليد الفني يضفي حلة جديدة وجميلة على الكتاب القديم لدرجة أن صاحب الكتاب عندما يأتي لاستلامه لا يتعرف عليه".

"أما سر نجاح واستمرار التجليد اليدوي حتى الآن، فهو الذوق وحب الحرفي للمهنة"، بحسب عبدالله.

وتمر عملية تجليد الكتاب يدويا بمراحل عدة، تبدأ بتثقيب الكتاب ثم خياطته وصنع الغلاف الجديد من الكارتون، وتغليفه بالجلد وإعداده للتذهيب وكتابة العنوان. وآخر خطوتين تعتمدان على رغبة الزبون.

وفي العاصمة العراقية بغداد، نلتقي محمد قرطبة، الذي بدأ مهنة تجليد الكتب عام 1970 في شارع المتنبي، لكنه اضطر إلى تركها عام 1990، وحين عاد لمزاولتها، استفاد من التطورات في المجال.

والسبب كما يقول قرطبة "انخفاض عدد الزبائن والأوضاع الاقتصادية المتردية التي شهدها العراق خلال تسعينيات القرن الماضي".

يحتفظ قرطبة في ذاكرته بتفاصيل المهنة يدوياً، لكنه يواصل العمل حالياً بالطريقة الميكانيكية. يوضح لـ"ارفع صوتك": "كنا سابقا ننجز تجليد وترميم الكتاب يدويا خلال 10 أيام كنا نعتمد على الأدوات القديمة اليدوية بالعمل، وكان الوراق يحتفل بإنجاز تجليد الكتاب لأنه صنع تحفة فنية جميلة، أما الآن، فالآلة اختصرت الوقت إلى ساعة واحدة".

ويشير إلى أن مهنة التجليد اليدوي "أصبحت تجارية تعتمد على الجلد الصناعي (المشمع الملون) وانخفض عدد حرفييها من القدماء الذين كانوا يتقنون المهنة بكامل تفاصيلها".

وكان الوراقون في السابق، القماش والجلد الطبيعي والصمغ الطبيعي في عملية جليد الكتب، بينما استبدلت جميعها بالورق والجلد الصناعي المستورد من دول مجاورة.

في نفس السياق، يقول مدير "دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع"، محمد هادي، إن مهنة الوراقة "مرتبطة بالذهنية العراقية، أي ذهنية اقتناء الكتاب والحفاظ عليه وإنشاء مكتبات في البيوت، وهو تعبير العراقي عن محبته للكتب".

ويوضح هادي لـ"ارفع صوتك": "وجود المكتبة بحاجة إلى إدامة، لذلك كانت هناك أسر تختص في مجال تجليد الكتب، وكانت لهذه المهنة أصولها. والزبون كان ينتظر شهرا كاملا كي يصل دوره لتجليد كتابه، لأن الكتب كانت مكدسة بالمئات عند الوراقين".

"أما اليوم، فمفهوم القراءة اختلف بالكامل عند الناس، وككل شيء أصبح سريعا، باتت القراءة سريعة والكتب التي تُقرأ بسرعة هي الأكثر رواجاً"، يتابع هادي.

 ويرى أن "فكرة الصرف على الكتاب لم تعد موجودة الآن، وأصبح القارئ يبحث عن كتاب رخيص السعر ليقتنيه، وربما يكلف تجليد الكتاب الواحد أضعاف سعر الكتاب نفسه".

ويصف هادي الوراقة بأنها "مندثرة الآن"، مبيناً أن العديد من العوامل أدت لذلك، منها "اختلاف مفهوم القراءة والضغوطات المادية وكثرة الإنتاج، وإصدار الكثير من الكتب مجلدة بشكل جيد، حيث أثر التطور الصناعي في إنتاج الكتب ميكانيكا على هذه الصنعة".

المصدر: 
مجلة " ارفع صوتك "