ربما يبدو الجوع والشبع مجرد أحاسيس مباشرة، فنحن نشعر بالجوع ببساطة عندما نتوقف عن تناول الطعام لعدة ساعات، ونشعر بالشبع بعد تناول كمية كافية منه. لكن الواقع معقد للغاية، إذ تنظم مجموعة من الهرمونات مسائل الجوع والشبع، وهضم الدهون وتخزينها بطرق معينة يكون لها تأثير في وزن الجسم وصحته.
هذا ما يسلط الضوء عليه مقال نشره موقع «ناشيونال جيوغرافيك»، الذي ينقل عن كارولين إم أبوفيان، وهي أخصائية طب السمنة والمديرة المشتركة لمركز إدارة الوزن والصحة في مستشفى بريجهام قائلة: «نظام إدارة الطاقة في الجسم معقد للغاية؛ فالتفاعل بين الهرمونات في الأمعاء والمخ سيما منطقة ما تحت المهاد، هو الذي ينظم الجوع والشبع» وتضيف: «تعمل هذه الهرمونات بطريقة تآزرية أو عكسية لحمايتك من الجوع، إذ يؤدي ذلك في النهاية إلى حماية مخزونك من الدهون والحفاظ على ثبات وزن جسمك قدر الإمكان».
7 هرمونات تخص الجوع والشهية
في الواقع، فإن لهذا النظام الدقيق الذي ينظم عملية الجوع والشبع أساسًا تطوريًّا، إذ يؤثر في معدل الأيض، ويحاول ضبط وزن الجسم للحفاظ على وزن معين، وعوامل أخرى ضرورية تساعدك على البقاء حيًّا. وتتأثر بعض هذه الهرمونات بالعوامل الوراثية، بينما يتأثر البعض الآخر بنمط الحياة، أو الأمراض التي تصيب الجسم، أو أي متغيرات أخرى في وزن الجسم أو تكوينه.
في ضوء ذلك، فإن لبعض الهرمونات تأثيرًا قصير المدى في الطعام الذي يدخل الجسم، بينما تسعى هرمونات أخرى للحفاظ على كميات طبيعية من مخزون الطاقة في الجسم على المدى الطويل كما يوضح لورانس تشيسكين، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي وأستاذ التغذية ودراسات الغذاء في كلية الصحة العامة بجامعة «جورج ميسون».
وينقل المقال تحذير الخبراء من تركيز الاهتمام حصريًّا على واحد من هذه الهرمونات لأنها تعمل معًا مثل الآلات الموسيقية في «أوركسترا» متناغمة، ويحدد سبع هرمونات تؤدي دورًا مهمًا في عملية تنظيم الشهية.
أولًا: اللبتين
اعتاد علماء الأحياء على الاعتقاد بأن الأنسجة الدهنية خاملة، لكن وفقًا للمقال فهذا المفهوم تغير مؤخرًا، إذ تعد الدهون الآن عضوًا من أعضاء الغدد الصماء لأنها تنتج الهرمونات، ومنها اللبتين الذي تفرزه الخلايا الدهنية في جميع أنحاء الجسم لتنظيم عملية الشبع وتقليل الشهية واستهلاك الطعام، تقول كارولين: «لقد اكتُشف اللبتين عام 1994، وهو ما أحدث طفرة في البحث في هذا المجال، قبل ذلك، لم نكن ندرك كيف تتواصل مخازن الدهون (في الجسم) مع الدماغ».
ويميل الأشخاص الذين لديهم سمنة مفرطة إلى الحصول على مستويات أعلى من اللبتين لأن لديهم نسبة دهون أكبر في الجسم، أو لأن أجسادهم مقاومة للهرمون، في المقابل إذا خُفضت السعرات الحرارية ونسبة الدهون في الجسم، فإن مستويات اللبتين ستنخفض، وتشير كارولين إلى أن : «اللبتين يحاول حماية الجسم من الجوع وفقدان كتلة الدهون».
ثانيًا: الجريلين
تفرزه المعدة، وغالبًا ما يطلق عليه «هرمون الجوع»، وترتفع مستويات هرمون الجريلين قبل الطعام مباشرة، ثم تنخفض بعده. فإذا حاولنا إنقاص الوزن بخفض السعرات الحرارية، فإن مستويات الجريلين الأساسية في الجسم سوف تزداد. ويقول مارسيو جريبيلر، أخصائي السمنة والغدد الصماء ومدير مركز السمنة في معهد الغدد الصماء والتمثيل الغذائي في «كليفلاند كلينيك»: «هذا يجعل فقدان الوزن أكثر صعوبة لأن جوعك يُحفَّز أكثر من المعتاد».
وقد وجدت دراسة نشرت في عام 2017 أن الأشخاص الذين لديهم مستويات أساسية أعلى من الجريلين تتولد لديهم رغبة شديدة في تناول الطعام، خاصة تلك الأطعمة الغنية بالدهون أو السكريات، مع زيادة الوزن أكثر خلال فترة ستة أشهر.
ثالثًا: الكوليسيستوكينين
يعد الكوليسيستوكينين هرمون الشبع الذي يفرز في القناة الهضمية عقب تناول الطعام، وظائف هذا الهرمون هي أنه يساعد على الشعور بالشبع، ويحسن الهضم عن طريق إبطاء معدل مرور الطعام من المعدة، ومن ثم تعزيز الشعور بالامتلاء وزيادة إفراز السوائل والإنزيمات من البنكرياس؛ ما يساعد في أيض الدهون والبروتينات والكربوهيدرات.
كما أن الهرمون قد يؤثر (بآلية غير مفهومة بعد) في مراكز الشهية في الدماغ بطرق تقلل الشهية، ومن ثم تقلل تناول الطعام.
رابعًا: الإنسولين
تفرزه خلايا بيتا في البنكرياس استجابة لزيادة نسبة السكر في الدم. يقول جريبيلر: «عندما تتناول الكربوهيدرات، يبدأ البنكرياس بإفراز المزيد من الإنسولين، مما يعيد المزيد من الجلوكوز إلى الخلايا التي تحصل منه على الطاقة».
وتشير كارولين إلى أن الإنسولين يعزز الشبع أيضًا. ولكن تحدث مقاومة الإنسولين عندما يتجاهل الجسم الهرمون أو لا يستجيب استجابة صحيحة؛ وهو ما يمكن أن يكون مرتبطًا بالسمنة، أو نقص ممارسة الرياضة، أو تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات.
خامسًا: الكورتيزول
يشير المقال إلى أن الكورتيزول يُعرف باسم «هرمون التوتر»، إذ يُنتج بكميات أكبر استجابةً من الجسم للضغوطات، أو عندما يكون في حالة تأهب قصوى، ولهذا الهرمون العديد من الوظائف المختلفة، منها تنظيم عملية التمثيل الغذائي. ويذكر جريبيلر أن المستويات الأساسية المرتفعة من الكورتيزول مرتبطة عادة بمقاومة الإنسولين أو زيادة الدهون المخزنة في الجسم.
كما تلاحظ فرانسيس لي، وهي ممرضة متخصصة في طب السمنة في جامعة شيكاغو، أن تعرض الجسم للضغوطات المستمرة، بما يتبعه من زيادة في الكورتيزول يرتبط عادة بزيادة الشهية، خاصةً للأطعمة الحلوة أو المالحة أو الدهنية، مع زيادة في مستوى سكر الدم والإنسولين. وإن كانت بعض الدراسات الحديثة تشير إلى أن المستويات المرتفعة للغاية من الكورتيزول تسبب الجوع وتقلل من تدفق الدم في مناطق المخ المسؤولة عن تنظيم تناول الطعام.
سادسًا: الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 (GLP-1)
يتحدث المقال عن هذا الهرمون الذي يُفرز في القناة الهضمية بعد تناول الطعام، ويتفاعل مع مستقبلات معينة في الدماغ لتحفيز الشبع. كما أنه يبطئ من معدل الهضم وحركة الطعام بداخل القنوات الهضمية، ما يجعل الشخص يشعر بالشبع لفترة أطول، ومن ثم يميل إلى تناول كميات أقل من الطعام عامة.
سابعًا: عديد ببتيد الإنسولين المعتمد على الجلوكوز (GIP)
هذا الهرمون يُفرز من الأمعاء الدقيقة بعد تناول الطعام، وهو يعمل على زيادة هرمون الإنسولين الذي يحفز إنتاج الجليكوجين والأحماض الدهنية التي تمنع تكسير الدهون. هذا الهرمون حديث الاكتشاف نسبيًّا، ومن ثم هناك العديد من الأسئلة التي لا تزال تنتظر الإجابة بخصوصه.
كيف يساعدنا فهم هذا النظام الهرموني على محاربة السمنة؟
ينقل المقال عن جريبيلر أن أحد أهم التطبيقات العملية فيما يتعلق بهرمونات الجوع هو تطوير أدوية جديدة تستخدم تأثيرات هرموني «الببتيد 1 الشبيه بالجلوكاجون» و«عديد ببتيد الإنسولين المعتمد على الجلوكوز» لعلاج السمنة وداء السكري. وتشمل هذه الأدوية مثلًا عقار «سيماجلوتايد»، الذي وافقت عليه «إدارة الغذاء والدواء» عام 2021 تحت الاسم التجاري «ويجوفي». وهي حقنة أسبوعية تُعطى للأشخاص لمن يعانون من السمنة المفرطة أو زيادة الوزن مع مشكلة صحية واحدة أخرى على الأقل (مثل ارتفاع ضغط الدم).
وفي عام 2017، تمت الموافقة على العقار نفسه باسم «أوزمبيك»، أيضًا حقنة للأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الثاني. وفي عام 2022، وافقت إدارة الغذاء والدواء على عقار يؤخذ عن طريق الحقن كذلك يسمى «مونجارو» للبالغين المصابين بداء السكري من النوع الثاني.
وفقًا للمقال، فقد غيرت هذه الأدوية قواعد اللعبة، إذ تقلل من الشهية وتنظم نسبة السكر في الدم. كما تساعد الذين يعانون من السمنة على فقدان كميات كبيرة من الوزن. ولكن من المفترض استخدام هذه الأدوية مع حمية غذائية مناسبة مع المواظبة على الرياضة، إذ يرى جريبيلر أنه «لا يمكنك الاعتماد فقط على الأدوية، فهي ليست حلًّا وحيدًا»، بل يجب أن يصاحبها تعديلات نمط الحياة.
«لايف ستايل» صحي للتحكم الأمثل بالهرمونات
الالتزام بنظام غذائي صحي
يعني هذا تناول أقل كمية ممكنة من الأطعمة المصنعة والكثير من الفواكه والخضراوات، والبروتينات الخالية من الدهون، بحيث يشعر الفرد بالشبع مع مستوى مناسب من السعرات الحرارية، ووفق كارولين: «فلا يقتصر الأمر فقط على مقدار ما تأكله، بل يعتمد أيضًا على سرعة تناول الطعام، وعدد الوجبات في اليوم، ومكونات الطعام نفسه»، ويوصى تشيسكين تناول وجبات خفيفة كل ثلاث ساعات للحصول على مستوى ثابت من هذه الهرمونات.
الحصول على قسط وافر من النوم
النوم الجيد ضروري لتنظيم العديد من هرمونات الجوع. يقول جريبيلر: «إذا كنت لا تنام جيدًا، سترتفع مستويات الكورتيزول والجريلين وتنخفض مستويات اللبتين». في الواقع، وتشير دراسة نشرت في مارس (آذار) الماضي في «مجلة السمنة» إلى أن النساء انخفض لديهن هرمون الشبع اللبتين بعد ليلة من الحرمان من النوم مقارنة بالرجال، وأن الأشخاص الذين يعانون من السمنة ارتفعت لديهم مستويات هرمون الجريلين (هرمون الجوع) بعد قلة النوم.
ممارسة الرياضة بانتظام
يشير المقال إلى أن التمارين الهوائية يمكن أن تثبط الجوع مؤقتًا، ومستويات الجريلين في الدم، وتزيد من مستويات «الببتيد 1 الشبيه بالجلوكاجون» لدى الأشخاص. وتشير الأبحاث إلى أن التمارين المكثفة لها تأثير أكبر في خفض نسبة هرمون الجريلين لدى الأشخاص الأصحاء، كما أن ممارسة الرياضة بانتظام تساعد الإنسولين على العمل بشكل أفضل.
إيجاد طرق لإدارة التوتر
بالطبع سيكون من المستحيل تجنب التوتر تمامًا، ولكن مع بعض الخطوات للتحكم فيه، سيكون ذلك أفضل بكثير فيما يتعلق بهرمونات الجوع والقدرة على تنظيم الشهية. وقد وجدت الأبحاث أنه في حين أن الإجهاد الحاد يجعلنا نتناول كميات أقل من الطعام، فإن الإجهاد المزمن يزيد من مستويات الكورتيزول التي تدفع الفرد لتناول كميات أكبر، وخاصة الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية.
ولتخفيف التوتر وخفض مستويات الكورتيزول، يختتم المقال بتوصية بممارسة التنفس العميق بانتظام أو ممارسة الرياضة. إذ وجدت دراسة نشرت في عدد 2022 في «مجلة العلوم السلوكية» أن مجرد إجراء جلسة مدتها 12 دقيقة من التنفس العميق الذي يساعد على الاسترخاء يؤدي إلى انخفاض كبير في تركيزات الكورتيزول.