قرأت مؤخرا، في موقع إلكتروني اسمه ريدرز زون، باللغة الإنكليزية، تقريرا مطولا عن ما اصطلح على تسميتها: أفضل خمسين رواية في الأدب الأفريقي، على مر التاريخ. وضمت تلك المجموعة التي ذكرتها كاتبة التقرير، واسمها نورا ويلسون، روايات أفريقية شهيرة في الأدب العالمي، وأخرى ليست ذات شهرة كبيرة، وربما تكون مشهورة خارجيا لكن لم تصلنا ترجمات لها. وهذا شيء متوقع، لأن ليس كل ما يكتب ينتشر بشدة، أو يصل لكل الناس، وكلنا نصدم بين حين وآخر بالتعرف إلى أديب لم نكن نعرفه من قبل، بينما هو معروف بشدة في بلاده وبلاد أخرى.
وبالرغم من أنني ذكرت مرة أنني لا أميل كثيرا لتلك الاختيارات التي تذكر أعمالا أدبية بعينها، متناسية أعمالا قد تكون أهم منها، وأنها في الغالب تخضع لذوق الذي قام بالاختيار، أو المجموعة المشاركة في الاختيار، إن كان الأمر طرح للتصويت على الجمهور، إلا أنني اتفقت نوعا ما مع قائمة الأفارقة تلك، خاصة أنني اطلعت على جزء مما ذكر، مثل روايات الجنوب أفريقي كويتزي، خاصة «في انتظار البرابرة» و«خزي». وهما روايتان فيهما الكثير من النقد للمجتمع القاسي الذي تدور أحداثهما فيه، وتبدو رواية «خزي» التي تتعرض للتحرش الجنسي من أستاذ بتلميذة عنده في الجامعة، وإقامة علاقة خاصة معها، واقعية جدا، ونعرف أن مثل تلك الممارسات موجودة وستظل موجودة في كل مجتمع. أما رواية «في انتظار البرابرة» فهي رواية عن القسوة، واستخدام السلطة والنفوذ بلا رحمة، وقهر المقهور أصلا، وقهر من يتعاطف معه، مثل القاضي الذي تعاطف مع مساكين لم يشكلوا خطرا على أحد، وتم اغتياله معنويا، وتعذيبه جسديا، وأظن أن هذه الرواية بالفعل علامة في الأدب الأفريقي والعالمي.
بالنسبة للمعلم تشينوا أشيبي، النيجيري العملاق، فكلنا يعرف «أشياء تتداعى» التي كتبها بشاعرية وعظمة، وغرائبية ملهمة، قد تكون سبقت غرائبية أمريكا اللاتينية. إنها رواية عن الاستعمار الذي يغزو أراض طيبة، وقوما بسطاء يعيشون وسط حقولهم وتقاليدهم وأساطيرهم أيضا، ليعلمهم التحضر كما ادعى، عبر التعاليم الكنسية. وهكذا نتعرف على دخول الاستعمار إلى أفريقيا التي لم يخرج منها حتى الآن، ونرى كيف أن ثروات أفريقيا، تذهب كلها إلى الغرب، وأي انتفاض للشعوب يتم قمعه بطريقة أو بأخرى. وحقيقة رواية أشيبي هذه فعلا مفخرة في الأدب الأفريقي، وما زلت أعود لقراءتها من حين لآخر، لأمتلئ بالشعر والحكمة، والأساطير.
من الذين ذكرت أعمالهم أيضا في تقرير الأفضل، الكاتبة النيجيرية الشهيرة تشيماندا نغوزي أديشي، وهي من جيل حديث نسبيا، ونالت كثيرا من الشهرة حين نشرت روايتها «نصف شمس صفراء» قصة الولد الصغير الذي بدأ كخادم في بيت، وانطلق خلف طموحه ليحقق شيئا. إنها ليست رواية عادية، تسرد قصة وينتهي الأمر، لكن تأخذ القارئ خلف الوجع الأفريقي، وتدخله دهاليز وممرات شتى، ويتعرف على خصائص القارة التي أهمها الفقر والجوع والمرض. ومعروف أن الأوبئة كانت وما زالت، من ملامح القارة الأفريقية، ويوجد في كتب الصحة الوقائية، للدارسين، وفي مواقع كثيرة على الإنترنت، عدد من التطعيمات الملحة التي يجب أخذها لكل من يود السفر إلى إحدى الدول الأفريقية، وحقيقة هذا ليس ترفا ولكن ضرورة ملحة.
ذوق المتلقي
نغوجي واثيونغو، الكاتب الكبير، الذي يذكر اسمه دائما في ترشيحات جائزة نوبل، موجود أيضا، موجود بروايتين صراحة لم أقرأهما، لكني أعرف نغوجي، وقرأت له ما عثرت عليه من ما ترجمه الشاعر سعدي يوسف. فقط أذكر بأمانة أنني لم أحب طريقته، أو لم تشدني وتجعلني ألهث لاقتناء كتبه وقراءتها حتى باللغة الإنكليزية، هذا بالطبع ليس انتقاصا من قدرة الكاتب وإنما أشياء تخضع لذوق المتلقي. وذكرت كثيرا أنني لم أحب أعمالا معروفة، منها أعمال لكويلهو، وموراكامي، أحبها معظم الناس، وأيضا للأمانة هناك من لا يحب ما أكتبه، وهذا شيء عادي كما قلت.
وفي سياق عدم الانجذاب، قرأت عملين للصومالي نور الدين فارح، وهو من المشاهير عالميا، حيث يكتب باللغة الإنكليزية، قرأت «خرائط» التي ذكرها تقرير الأفضل هذا، ورواية أخرى هي «هدايا» وكلا العملين مكتوب بحنكة. لكن لا أنجذب لما هو ممعن في الواقعية، ولا يمنح إيحاءات أو جملا ذات ظلال، أو يستخدم الخيال بشدة في الوصف والحكي عموما، ورغم ذلك أجد رواية «خرائط» قد وضعت بالفعل في مكانها اللائق، من الكتب الأفضل أفريقيا.
هناك روايتان من السودان في هذا التقرير، هما «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح وهذه غنية عن التعريف، فهي من الأفضل في كل وقت، ورواية «صائد اليرقات» التي كتبتها منذ سنوات عن مخبر أمني متقاعد، يريد أن يكتب رواية، وحققت ما حققته.
أسعدني أيضا وجود رواية لكاتب شاب، هي رواية «الصيادون» للنيجيري شيغوزي أبيوما، وهي رواية أولى للكاتب، وتتحدث عن عائلة يصطاد صبيانها في بحيرة ضحلة، مع التركيز أيضا على مآسي القارة الأفريقية وتخلفها. أيضا توجد رواية لبن أوكرى، وهو كاتب ممتاز من جيلنا، ووصل للقائمة القصيرة للبوكر الإنكليزية، لكن قراء عربا كثيرين لا يعرفونه.
ما لم أستوعبه، هو عدم ورود أي عمل للتنزاني عبد الرزاق قرنح، الذي حصل على جائز نوبل منذ عامين، وشخصيا أعجبتني طريقته في الكتابة، إنه كاتب مختلف فعلا.
أخيرا، ليس الأمر كما قلت، درسا مفروضا على الجميع وعليهم حفظه، إنها مجرد تصورات أو اقتراحات، أو حماس لأعمال أدبية معينة، من قبل من يكتب تقارير الأفضل دائما. نحن كقراء لنا رأينا في أن نختار أو لا نختار، نعجب بعمل أو لا نعجب، والأدب بحر واسع يسع آراء الجميع.