تخطي إلى المحتوى
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 1/3 أميرة وهابية تهزم الجيش المصري وسلطانة تنهي الحروب الصليبية وملكات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 1/3 أميرة وهابية تهزم الجيش المصري وسلطانة تنهي الحروب الصليبية وملكات > بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 1/3 أميرة وهابية تهزم الجيش المصري وسلطانة تنهي الحروب الصليبية وملكات

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 1/3 أميرة وهابية تهزم الجيش المصري وسلطانة تنهي الحروب الصليبية وملكات

في "اليوم العالمي للمرأة" الموافق للثامن من مارس/آذار من كل عام؛ يستعيد كثيرون في العالم لحظة يؤرَّخ بها لبداية الاحتفاء بهذا اليوم، عندما خرجت 15 ألف امرأة عام 1908م إلى شوارع مدينة نيويورك الأميركية للمطالبة بتقليل عدد ساعات العمل وزيادة الأجور ونيل حق التصويت في الانتخابات.

وفي مقابل نظر العالم إلى ما قبل قرن واحد فقط متأملا مظاهرة تنشد عدالة العمل؛ هناك من قد يحلو له أن يتجه بذاكرته إلى قرون خلت ليرى أن المرأة -في ظل الحضارة الإسلامية وعلى الصعيد الواقعي- تخطت أحيانا كثيرة ما هو أهم وأعظم من عدالة الوقت أمام آلة، رغم كل ما يمكن تسجيله من سلبيات تاريخية طبعت أوضاعها في العموم.

إن إلقاء نظرة فاحصة على ذلك التاريخ سيستعيد -بلا ريب- شهادات موثقة لعدد وافر من علماء الإسلام وهم يشيدون بالمهارات السياسية والإدارية لنساء انخرطن في إدارة الدول مشاركة أو انفرادا، فحقق نجاحات ارتقى بعضها إلى مستوى تغير معه تاريخ دول وأقاليم وتبدلت مصائر أمم وشعوب، على نحو ما يرويه هذا المقال.

إن عبارات من قبيل "ساست السيدة المُلك ودبّرت الأمور أعظم من الرجال" إنما تستمد قيمتها من كونها جاءت من أئمة في علوم الشريعة حديثا وفقها وقضاءً، لا من مجرد رأي أو تحليل لمؤرخ عادي؛ إنها من فقيه يعلم ما هو مستقر نظريا في المذاهب الفقهية بشأن إسناد "الولايات العامة" إلى المرأة، ويعلم حجم الحساسية الفقهية بل والاجتماعية من الزعامة النسوية.

لكن كل ذلك لم يمنع هؤلاء الأئمة الثقات الأثبات -وإن كانت انطباعاتهم الخاصة ليست حجة شرعية- من أن يسجلوا تلك الإشادات بالكفاءة السياسية لدى طيف واسع من النساء المسلمات، ارتقيْنَ العروش أو كنّ -لأسباب عديدة- وصيّاتٍ على من ارتقاها من الذكور، حتى إن إحداهن "دبرت الأمور أعظم من الرجال"!!

إن مناقشتنا -في هذا المقال- لموضوع تاريخ تولي المرأة السلطة في الدول الإسلامية -في شتى الأقاليم ومن كل العرقيات وطوال ألف سنة- لا يقترب من الجدل الفقهي المعروف بشأن "ولاية المرأة"، وإنما يبحث هذه الظاهرة في بُعدها التاريخي العملي، وما "جرى به العمل" أحيانا كثيرة في حياة الناس داخل الحضارة الإسلامية، ونقله المؤرخون -ومعظمهم من المحدّثين والفقهاء- بأمانة وحياد، ودون نكير أو استغراب في أغلب الحالات.

والواقع أن ما يوصل إليه الرصد التاريخي في هذه القضية يؤكد أن باب القيادة السياسية ظل مفتوحا عمليا أمام النساء من كل الفئات في المجتمع الإسلامي، سواء من خلال القيادة المباشرة أو من خلف الحُجُب بمختلف أنواعها، بل ووصل الأمر بهن إلى قيادة مراكز حضارية في العراق ومصر وفارس والهند.

ولا يأتي هذا الأمر من فراغ؛ فحضور المرأة تاريخيا في المجال العام الإسلامي يعدّ مقدمة طبيعية لتلك الظواهر التي نناقشها في هذا المقال، فقد حضرن في حلقات العلم ودوائر الإفتاء، ومجالس الأدب والشعر، ومناشط البِرّ والإحسان. وذلك من اللحظات الأولى لإسنادهن رسالة الإسلام وهي تلامس الأرض أول مرة بمكة، وحتى تدبيرهن مملكة بهوبال الإسلامية وسط شبه القارة الهندية.

 

سوابق هادية
فتح الإسلام -منذ انبلاج أنواره وحيا سماويا وهديا نبويا- للنساء أبواب المشاركة في الشأن العام تعلما وسياسة وجهادا ومساءلةً عن الحقوق ودفعا للمظالم؛ فقد جاء في ’صحيح البخاري’ أن النساء قلن للنبي ﷺ ذات يوم "غلبنا عليك الرجال! فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن". وقد أثنى ﷺ على نساء الأنصار خيرا وشجعهن على روح الاقتحام لطلب العلم والسؤال عما يعرض لهن من قضايا.

وبلغت المساءلة النسائية والحضور الأنثوي ذروتهما في المدينة النبوية يوم تكلمت واحدة منهن أمام الرسول الكريم ﷺ باسم نساء الدنيا كلها بصفتها مندوبتهن إليه؛ إذ أتت أسماء بنت يزيد الأنصارية (ت 69هـ/689م) النبي ﷺ وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلم -نفسي لك الفداء- أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي"!!

وبعد تثبيت دورها مندوبة عن نساء عصرها؛ قدمت أسماء عريضتها المطلبية فقالت: "إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم..، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات..، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا أخرج حاجا أو معتمرا ومرابطا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابا، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟!".

وقد قابل النبي ﷺ هذه المرافعة القوية بالإعجاب "فالتفت إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: «هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟!»، فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي ﷺ إليها، ثم قال لها: «انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعُّل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته تعدل ذلك كله». قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا"؛ كما في رواية الإمام المحدِّث أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ/1067م) في ’شُعَب الإيمان’.

وفي العهد الراشدي؛ واصلت المرأة المسلمة حضورها في الشأن العام استشارة وتنفيذا، لا سيما في عهد عمر الفاروق (ت 23هـ/645م) الذي عرف استقرارا داخليا كبيرا فكان للنساء حضورهن المعتبر في المجال العام.

فقد تصدت له إحدى الصحابيات -بعد أن صار خليفة للمسلمين- أثناء خطبة له فوق منبر رسول الله ﷺ حين أمر بتقليل مهر النساء؛ "فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتَحرمنا [أنت]! أليس الله سبحانه وتعالى يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا)؟ فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر..، وترك الإنكار" في شأن المهور؛ كما في ’الجامع لأحكام القرآن’ للإمام أبي عبد الله القرطبي (ت 671هـ/1272م).

وما كان الفاروق عمر ضد النساء؛ فقد حفظ لنا التاريخ أنه كان يقدم الصحابية الشفاء بنت عبد الله القرشية (ت 20هـ/642م) "في الرأي ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق"، لأنها "كانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان رسول الله ﷺ يأتيها ويقيل عندها في بيتها"؛ حسب رواية الإمام ابن عبد البر (ت 463هـ/1071م) في كتابه ’الاستيعاب’.

لقد شهدت سفارة المرأة لقومها ونذارتها للحُكّام تحوّلا هائلا فيما بعد الخلافة الراشدة انتبه لقيمته الأدبية والفكرية والسياسية الأقدمون، فضمنوه ثنايا الموسوعات أو أفردوه بالتأليف مثل كتاب ’أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان’ للعباس بن بكار الضبّي (ت 222هـ/837م)، فهذا السِّفْر الصغير يعرض لنا صورا حية من تاريخ المشاركة القوية للمرأة سياسيا وفي الحروب التي قامت حفاظا على الخلافة الراشدة ومناوأةً لتحوّل الحكم الإسلامي إلى ملك جبري عضوض.

تعزُّز ورسوخ
ويتقدم الزمان فتتعزز أكثر مشاركة النساء في السلطة وتدبير الشأن العام، حتى إنه لم تخلُ أغلبية الدول الإسلامية في المشرق والمغرب من وجود امرأة تشارك في الحكم بأحد مستويات ثلاثة: أن تنتزع من رجال الدولة الاحترام لآرائها فتكون مستشارة مؤتمنة، أو تزاحمهم في تصريف الشؤون العامة تخطيطا وتنفيذا، أو تغالبهم على العروش فتتولى بنفسها زمام القيادة والتفرد بالسيادة.

ففي صدر الدولة العباسية؛ كانت فاطمة بنت علي بن عبد الله بن عباس (توفيت بعد 136هـ/754م) عمة الخليفتين السفاح (ت 136هـ/754م) والمنصور (ت 157هـ/775م) "امرأة حازمة.. وكان إخوتها وبنو إخوتها -أبو العباس أمير المؤمنين وأبو جعفر المنصور أمير المؤمنين- وغيرهم يكرمونها، ويعظمونها ويبجلونها لحزمها وعقلها ورأيها"؛ كما يخبرنا ابن عساكر (ت 571هـ/1175م) في ’تاريخ دمشق’.

وحين تولى هارون الرشيد (ت 193هـ/809م) الخلافة؛ فوّض تدبير شؤونها تفويضا مطلقا إلى وزيره يحيى بن خالد البَرْمَكي (ت 190هـ/806م)، وقال له: "ولَّيتُك أمرَ الرعية، وخلعتُ ذلك من عنقي وجعلته في عنقك، فولِّ مَنْ رأيتَ، واعزل من رأيتَ"!!

ومع هذه السلطة التفويضية المطلقة للوزير البرمكي؛ فإن أمه الخَيْزران (ت 173هـ/789م) كانت حاضرة في تدبير خلافته الممتدة من الجزائر غربا إلى الصين شرقا، فقد كانت "هي المشاوَرةَ في الأمور كلها، لا يقطع يحيى بن خالد أمرا حتى يشاورها فيما يُبْرِمه ويحلّه ويمضيه ويُحْكِمه"؛ وفقا للإمام ابن كثير (ت 774هـ/1372م) في ’البداية والنهاية’.

كما أن الرشيد نفسه كان يشاور أمه من الرضاعة أم جعفر بن يحيى البَرْمَكي (توفيت بعد 193هـ/809م) "مظهرا لإكرامها والتبرّك برأيها، وكان آلَى (= أقسَم) وهو في كفالتها أن لا يحجبها، ولا استشفعته لأحد إلا شفّعها، وآلت (= أقسَمت) عليه أم جعفر أن لا دخلت عليه إلا مأذونا لها، ولا شفعت لأحد لغرض دنيا. قال سهل: فكم أسير فكّت، ومبهَم عنده فتحت، ومستغلق منه فرّجت"؛ كما في ’العقد الفريد’ لابن عبد ربه الأندلسي (ت 328هـ/940م).

وقد كان نفوذ الخيزران العظيم -في دولة ابنها الرشيد- فاتحةً لمسار طويل من التحكم النسوي في دوائر السلطة، وصلت فيه الجواري الإماء إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه المرأة العربية أو المسلمة الحُرَّة، وهو أن تحظى بأن تكون أمًّا للسلاطين الحكّام وصانعة للوزراء العظام، حتى إنه من أصل 37 رجلا عباسيا تولوا منصب الخلافة ببغداد لا نجد إلا ثلاثة كانت أمهاتهم من "الحرائر"، وهم: السفاح (ت 136هـ/754م)، والمهدي بن المنصور (ت 169هـ/786م)، والأمين بن الرشيد (ت 198هـ/813م).

وفي أقصى الغرب الإسلامي تبرز ظاهرة حضور النساء في الحكم عبر المشورة والرأي؛ فنجد زينب بنت إسحق النفزاوية (ت 464هـ/1072م) زوجة المؤسس الفعلي لدولة المرابطين الأمير يوسف بن تاشفين (ت 500هـ/1106م)، والتي كانت سببا في استفراده بالجناح الشمالي من الدولة.

فقد وصف المؤرخ ابن الأثير (ت 630هـ/1232م) -في ’الكامل’- زينب هذه بأنها كانت "من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده". وعند ابن خلدون أنها "من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرئاسة"، "وأنها كان لها رياسة أمره وسلطانه".

ثم يذكر واقعة إقناعها زوجها بالانقلاب على أمير دولته الشرعي أبي بكر بن عامر اللمتوني (ت 480هـ/1087م)، وكيف خططت له لينفرد دونه بحكم المغرب ويترك له صحراء الغرب الأفريقي؛ فيقول إنها "أشارت إليه عند مرجع أبي بكر من الصحراء [إلى المغرب].. [بـ]ـإظهار الاستبداد حتى تجافى [أبو بكر] عن منازعته [في الحكم]، وخلُص ليوسف بن تاشفين ملكه" العريض بالمغرب، والذي ظل يتوسع حتى شمل الأندلس بفضل تخطيط زوجته الداهية.

وربما بالغت كتب التاريخ المتأخرة في وصف مهارات زينب النفزاوية السياسية؛ فيقول مثلا المؤرخ المغربي الناصري السلاوي (ت 1315هـ/1898م) -في ’الاستقصا‘- إن زينب كانت لزوجها السلطان يوسف "عنوانَ سعْدِه، والقائمة بملكه والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب"، وإنها سُميت "الساحرة" لما كانت عليه من "عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور"!!

 

ريادة يمنية
تضرب علاقة النساء اليمنيات بالحكم والسلطان بجذور راسخة في التاريخ البشري، وحسبنا في ذلك ما أنبأنا به القرآن الكريم عن ملكة سبأ التي تسميها المصادر الإسلامية بلقيس بنت شراحيل (القرن 10ق.م)، وأنها حكمت اليمنيين "وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ" (النمل/ الآية: 23). أي أنها "أوتِيتْ من كلّ شيء يؤتاه الملوك في عاجل الدنيا مما يكون عندهم من العتاد والآلة"؛ وفقا للإمام الطبري (ت 310هـ/922م) في تفسيره ’جامع البيان‘.

ويتضح من القصة القرآنية أن تقاليد الحكم الرشيد القائم على الشورى ومجانبة الاستبداد كانت مرعية في دولة ملكة سبأ هذه؛ فحين جاءها كتاب النبي سليمان بن داود -عليه السلام- جمعت أعضاء مجلسها الاستشاري -الذي سمّاه القرآن "المَلَأ"- وخاطبتهم قائلة: "مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ" (النمل/ الآية: 32)؛ أي: "أشيروا عليّ في أمري الذي قد حضرني من أمر صاحب هذا الكتاب الذي ألْقِي إليّ، فجعلت المشورةَ فُتْيَا"؛ طبقا للطبري.

خلّد القرآن الكريم إذن قصة ملكة سبأ التي أسلمت وانضوت تحت لواء مملكة سليمان الواسعة، فكان ذلك تأسيسا لسابقة يمنية بالغة الدلالة تلهم -على مَرّ القرون- نساء اليمن وغيرهن من الطامحات للمشاركة في الشأن العام وتصريف شؤون الدول تدبيرا وإصلاحا.

ولذا حين جاء الإسلام ودخلت فيه قبائل اليمن أفواجا؛ سرعان ما ادّعى الأسود العنسي (ت 11هـ/633م) النبوة بإحدى قرى نجران شمالي البلاد فاجتاح العاصمة صنعاء "واستوثقت اليمن بكمالها" لسيطرته، "وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة...، وارتدّ خلق من أهل اليمن [عن الإسلام]، وعامله المسلمون الذين هناك بالتَّقيّة" دفعا لشرّه؛ حسب ابن كثير في ’البداية والنهاية’.

وأمام هذا الحدث الخطير الذي مثّل الشرارة التي ألهمت لاحقا -بُعيد وفاة النبي ﷺ- قادة حركة الردة عن الإسلام في أنحاء عدة من جزيرة العرب؛ ما كان من رسول الإسلام ﷺ إلا أن أرسل مبعوثا له إلى اليمن "يأمر المسلمين الذين هناك بمقاتلة الأسود العنسي ومصاولته...؛ [فـ]ـتوافق المسلمون على ذلك وتعاقدوا عليه".

وتنفيذا للأمر النبوي الجازم؛ لم يَجد رجال اليمن -بقيادة والي البلاد الصحابي الجليل معاذ بن جبل (ت 18هـ/640م)- حرجا في الاستعانة بامرأة للانقلاب على العنسي المتمرد، وهي زوجته التي تسمى "آزاذ"؛ فقد "كانت امرأة حسناء جميلة، وهي مع ذلك مؤمنة بالله ورسوله محمد ﷺ، ومن الصالحات"؛ وفقا لوصف ابن كثير.

كانت الجاهزية لدى السيدة "آزاذ" كبيرة للانقلاب على زوجها المتنبي استجابة لأوامر نبي الإسلام بشأنه، كما أن الرجل الذي كلمها في خطة الانقلاب كان ابن عمها، وقد استثار حماسها بتذكيره إياها بما اشتهر به الأسود العنسي من إذلال لقومها و"فضح النساء" في مجتمعها، فما كان منها إلا أن وافقت على الإطاحة به، بل واقترحت اغتياله قائلة طبقا لابن كثير: "والله ما خلَقَ الله شخصا هو أبغض إلي منه، فما يقوم لله على حق ولا ينتهي له عن حرمة، فإذا عزمتم [فـ]ـأخبروني أعلمكم بما في هذا الأمر".

ولما عزموا على تنفيذ الأمر "اجتمع رأيهم على أن عاودوا المرأة في أمره"، وكان المخطط الانقلابي لديها جاهزا فدخل أحد قادتهم إليها فقالت: "إنه ليس من الدار بيت إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت، فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا من الطريق، فإذا أمسيتم فانقبوا عليه من دون الحرس، وليس من دون قتله شيء، وإني سأضع في البيت سراجا وسلاحا" ليُستعان بهما على قتله.

نجحت عملية الاغتيال التي رسمتها السيدة "آزاذ" بتخطيط مُحْكَم، وقادتْ تنفيذها برابطة جأش أدهشت رجالها. ثم إنها استمرت عقب قتله تعمل مع رجالها للتعمية على ما حدث لصرف أنصار الأسود العنسي عن المبادرة بثورة مضادة.

فأثناء تنفيذ الاغتيال تعالت أصوات منكَرة من العنسي وهو يصارع الموت، وحينها "ابتدر الحرسُ إلى المقصورة (= غرفته خاصة)، فقالوا: ما هذا ما هذا؟!"، فـ"قالت المرأة: النبيُّ يوحَى إليه! فرجعوا"!! وكان لعملها هذا دور مركزي تاريخي في ترسيخ الإسلام في البلاد اليمنية إلى الأبد.