"على يمين القلب" لليالي بدر
إلى فلسطين تأخذنا الروائية والمخرجة السينمائية الفلسطينية ليالي بدر في روايتها الأولى "على يمين القلب" في حكاية تجمع بين قصة الحب المستحيلة والوطن المسلوب. حكاية غرام، التي تنتمي الى أسرة تجمع بين جدة يهودية وجد فلسطيني عاشا قصة حب استثنائية في فلسطين أيام الانتداب البريطاني، وكيف كانت بدايات الحلم بإنشاء إسرائيل. تعرض الكاتبة لأطراف من حياة الفلسطينيين في ذلك الزمان وتمزج في حكايتها تفاصيل التراث الفلسطيني في الغناء والطعام والأزياء وتفاصيل الحياة اليومية في وقتٍ كانت فلسطين بلدا يجمع الديانات والأعراق كلها على السواء. تحكي أطرافا من تاريخ فلسطين الذي نعرف الكثير عنه، ولكن هذه المرة من وجهة نظر الناس والبسطاء، كيف تفاعلوا مع الأحداث وكيف كان أثرها عليهم. مفارقات الأحداث لا تفرق فقط بين الزوجة وزوجها، بل بين الأم وبنتها التي عاشت تعاني من الاغتراب، فيما هي تستعيد من الحكايات قصة الأجداد، كأنما توثق صلتها بذلك الماضي البعيد.
لا شك سيبدو أثر الأحداث الراهنة حاضرا في ثنايا الرواية وتفاصيلها، فالحرب لا تزال مستمرة وبوتيرة أقوى، والصراع يزيد اليوم شراسة وعنفا، ولكن الرواية تتجاوز ذلك كله لتنقل بواقعية وبسردٍ متماسك ومؤثر تفاصيل الحياة الفلسطينية سواء في الداخل أو في المهجر، هناك حيث تنتقل غرام البطلة إلى الكويت وتعاني أيضا ما يعانيه الفلسطينيون هناك. هكذا تأتي الرواية لتكون إضافة مهمة ومختلفة للحكاية عن فلسطين في فترة طويلة نسبيا، ولكن بشكل مكثف وموجز.
"صيف سويسري" لإنعام كجه جي
في روايتها الجديدة (دار تكوين) تنقلنا الروائية العراقية إنعام كجه جي إلى مدينة بازل بسويسرا في تجربة مختلفة، حيث أربعة عراقيين مختلفي التوجهات والعقائد يخضعون لتجربة فريدة للتخلص من ذكرياتهم في تلك المدينة عاصمة الدواء والاختراعات في العالم. تطرح الرواية في البداية ذلك التساؤل، هل يمكن أن يتخلص المرء من ذكرياته، لا سيما إذا كانت تلك الذكريات القاسية والمؤلمة التي امتلأت بها حياتهم السابقة كلها؟
وهكذا نتعرّف بشكل متناغم الى حكايات كل شخصية من الأربعة، وتمنح الكاتبة أبطالها أصواتهم ليعبر كل واحدٍ منهم عن نفسه، بين حاتم ضابط الأمن السابق والمؤمن بالعروبة والقومية المنتمي الى النظام السابق، وبشيرة حسون المعارضة اليسارية التي نكتشف أنه قد جمعتها به من قبل علاقة غريبة، علاقة السجين والسجان. وبينما هو يغرق في علاقة حب صامتة، تجمع بينهما تلك المصادفة القدرية العجيبة. هناك ايضا غزوان البابلي المهتم بآل البيت، ودلالة المبشرة، كل هؤلاء يجمع بينهم الطبيب، خامسهم بلاسم المشرف على تجربة العلاج من جهة، والذي يقوم بدور الراوي الخارجي لهذه الشخصيات من جهة أخرى.
تمتلك كل شخصية من شخصيات الرواية العديد من القصص والحكايات، ويبدو كل واحدٍ منهم مثقلا بهمّ الماضي الذي لا يمكن التخلص منه. وعلى الرغم من حساسية رحلتهم وأهمية الفكرة التي تحملها الرواية، هناك السؤال هل يمكن أن يتخلص المرء من ذاكرته التي أثقلت حياته وكدرت طرفا كبيرا من عمره؟ نتعرف من خلالهم الى تلك الحياة الصعبة التي كان يعيشها العراقيون في أيام صدام حسين، وكيف كان يتم قمع المعارضين واستجوابهم والقضاء عليهم. تلتقط الكاتبة أطرافا من حياة كل شخصية منهم وتعرضها بطريقة شاعرية حتى تترك القارئ في النهاية أمام صورة بانورامية موجزة ومعبرة عن حياة الناس في العراق التي لا يمتلكون الفرار منها حتى لو عاشوا في رفاهية صيف سويسرا.
"دانشمند" لأحمد فال الدين
من موريتانيا يعود بنا الروائي والإعلامي أحمد فال الدين إلى سيرة الإمام أبو حامد الغزالي، الذي كان لقبه "دانشمند" وتعني "كبير المعلمين" بالفارسية، ليستحضر حياته وتلك الفترة العصيبة التي عاشها، والتحولات التي مر بها في رواية مهمة (دار مسكلياني) تتجاوز الـ 600 صفحة وتجول بين دول العالم الإسلامي في ذلك الوقت، من إيران إلى الشام وفلسطين، متتبعة حياة وتغيرات الإمام الغزالي في تلك الفترة الحرجة في التاريخ الإسلامي قبيل الحروب الصليبية. تأخذنا الرواية في رحلة طويلة متشعبة، منذ ولادة الغزالي وطفولته وبداية تلقيه العلم حتى انتقاله من بلدته طابران إلى بغداد، وكيف تحول من متعلم إلى كبير المعلمين، وكيف بدأت مواجهته الكبرى في ذلك الوقت الذي احتدمت فيه الصراعات بين الطوائف والفرق المختلفة، ليكتب كتابه الشهير "تهافت الفلاسفة"، ثم تلك الرحلة الخاصة التي انتقل بها إلى العزلة التي جعلته يقترب من عالم التصوف، ليكتب كتابه الأهم، "إحياء علوم الدين"، وكيف أخذه الناس وتناقلوه عنه.
لا يكتفي فال الدين بالحديث عن الغزالي ومن حوله، بل يأخذنا في رحلة أخرى بين شخصيات عديدة وأماكن مختلفة، خاصة في تلك الفترة الزمنية العصيبة، فنتعرف معه الى ما كان يدور في فرنسا والقسطنطينية وكيف كانوا يعدون العدة للحروب وكيف كانت استعداداتهم، وما جرى آنذاك من مراسلات بينهم وبين قادة الجيوش وقادة الحصون وغير ذلك، حتى سقوط القدس بين أيدي الصليبيين، والقتل والجرائم التي مارسوها هناك. وفي المقابل كيف كانت الأخبار تنتقل إلى عموم بلاد المسلمين، وكيف يتعامل معها العلماء والمفكرون والعامة في ذلك الوقت.
لا شك أن القارئ سيلتمس بين ثنايا حكايات الإمام الغزالي ومن حوله أثرا لما يدور بين الناس اليوم، ويرى كيف يعيد التاريخ نفسه سواء في التناحر بين الفرق المختلفة، أو تجاهل الكثير من العلماء والمفكرين الحديث عما جرى ويجري حولهم في العالم الإسلامي وانشغالهم بأنفسهم، وكيف كانت المواجهة أحيانا بين العلماء والسلاطين في ذلك الزمن البعيد.
"بيت من زخرف" لإبراهيم فرغلي
من الغزالي شرقا إلى ابن رشد في المغرب، ومن مصر يأخذنا إبراهيم فرغلي في روايته الجديدة (دار الشروق) في رحلة بين الماضي والحاضر إلى زمن العالم والفيلسوف العربي الوليد ابن رشد، ويستل من سيرته ورحلته الفكرية فرصة للحكاية عما يدور في عصرنا الحالي، حيث يحكي عن مفكر وفيلسوف مصري يواجه أزمة التكفير في مجتمعه مما يضطره للسفر هربا من الملاحقة. بين حكاية ابن رشد ورحلته الفكرية والفلسفية والرحلة التي يخوضها الأستاذ الجامعي اسكندر الذي تجمعه قصة حب بطالبة تدفعه الى البحث والتنقيب بل والكتابة عن الفيلسف ابن رشد الذي يعد أحمد أهم الفلاسفة في العالم الإسلامي والذي قدم شروحات مهمة لأرسطو واعتبر أحد المنادين بالتفكير العقلاني ضد القائلين بالاعتماد على النقل والالتزام بالنصوص بشكل حرفي جامد. لا يتوقف فرغلي عند ذلك، إنما يأخذ ابن رشد إلى قصة عاطفية تجمعه هو الآخر بطالبة من طالباته تعرفت اليه وأحبته ولازمته، وهي التي حملت العنوان الجانبي للرواية، "عشيقة ابن رشد".
الرواية التي يهديها إبراهيم فرغلي الى روح المفكر المصري الراحل نصر أبو زيد، يلتمس القارئ فيها أثر ما حدث فعليا في مصر مع نصر أبو زيد الذي واجه اتهاما بالتكفير وفرقت الدولة بالفعل بينه وبين زوجته مما اضطره للسفر فعاش فترة من عمره منفيا في هولندا. تحتوي على رسالة واضحة للقراء اليوم ومواجهة لمواقف بعض المثقفين من الفكر والحرية وحديثا مفصلا عن دور المثقف يدور في حوارات دالة بين الأستاذ وطالبته، كل ذلك يجعل الرواية تتجاوز فكرة الرواية التاريخية التي تستعرض أطرافا من سيرة وحياة أحد العلماء المسلمين الكبار إلى وسيلة لعرض فكرة مهمة تؤرق الكاتب بشكل خاص وتجعل من حكاية ابن رشد سبيلا إليها.
"هجمة واعدة" لعلوان السهيمي
تجربة جديدة ومختلفة يخوضها الروائي علوان السهيمي برواية "هجمة واعدة" (دار رشم) التي تتبع مسيرة حياة وليد، لاعب كرة سعودي من أحد أفقر أحياء مدينة تبوك، إلى أن يتحول إلى لاعب شهير في النادي المفضل له. يكشف الكاتب عن العديد من كواليس عالم كرة القدم وما يدور فيها من صراعات، والتحول الذي ينقل البطل فجأة الى عالم مختلف كليا. بين ماضيه الصعب وما يدور في حياته بعد انتقاله إلى حياة الترف، ينتقل السرد بانسيابية ليرصد تلك التناقضات بين العالمين.
يمسك السهيمي بتلابيب حكايته جيدا، ويجذب القارئ إلى تفاصيلها المختلفة منذ السطور الأولى، حيث مفاجأة وفاة والدة ذلك اللاعب، إلى الحديث عن تفاصيل حياة اللاعبين وعالمهم، والعلاقات بين مدير النادي وأعضائه وكيف يستقطب أحدهم وينبذ الآخر، ثم التحولات التي تطرأ على اللاعب بعدما ظن أنه وصل إلى ذروة المجد والشهرة، كما يعكس من خلال بطل روايته تلك العلاقات الملتبسة بين الأم الراحلة وابنها الغائب من جهة، وعلاقته بإخوته من جهة أخرى، وكيف أثر تحول حياته عليهم في فترة زمنية قصيرة.
"غرفة الأم" لليلى الجهني
بعد أكثر من 15 عاما، تعود الروائية السعودية ليلى الجهني إلى عالم السرد بنوفيلا قصيرة أيضا هي "غرفة الأم" (دار أثر) تتناول فيها علاقة البطلة غادة بأمها بعد وفاتها، وتضطر إلى أن تفرغ محتويات غرفة أمها لتتحول الغرفة إلى مكان للشجن ومحطة للذكريات، حيث تعود إلى ذكرى علاقة هذه الأم بالموت، بداية من رحيل ابنها الأول زياد، وكيف أثّرت تلك الوفاة على العائلة كلها، مرورا بالمرض الذي أصاب الأم وجعلها نزيلة المستشفى، حتى وفاتها المفاجئة. وبين حالتي الوفاة ترصد الكاتبة والبطلة على السواء تلك التغيرات التي حدثت للعائلة.
لا تتوقف ليلى الجهني عند الموت والفقد فحسب من خلال استحضار تلك العلاقة، وإنما تتأمل كذلك حالة الحزن وموقف الناس منه، وكيف يتعاملون معه، هل يترك الموتى أثرا لهم في الأشياء والأماكن التي رحلوا عنها، أم أنها تنتهي برحيلهم بالفعل؟ ومن خلال مشاهد موجزة ومكثفة، تعكس للقارئ حالة بطلة الرواية التي تبدو حياتها في تلك اللحظة اختبارا أمام الموت من جهة، وأمام ردود الأفعال حولها من جهة أخرى، وهل باستطاعتها تغيير تلك الحالة أو جعلها أقل تأثيرا على من حولها بعد الرحيل؟
"هوارية" لإنعام بيوض
الرواية أثارت جدالا واسعا في الجزائر بعدما حصلت على جائزة آسيا جبّار لهذا العام، وكتب عنها الروائي واسيني الأعرج مدافعا عنها وعن حق كاتبتها في الجائزة. رواية "هوارية" (دار ميم) تتناول أحداث التطرف الديني الذي عانت منه الجزائر في التسعينات، من خلال بطلة العمل، هوارية، التي تكتشف وجودها داخل إحدى المصحات النفسية وتحاول أن تتذكر ماضيها لكي تعرف ما الذي قادها إلى هذا المصير. من خلال ذكرياتها وحكايتها نتعرف الى واقع حياتها الصعب، حيث كانت تعيش في أحد الأحياء الشعبية الفقيرة التي تنتشر فيها شتى أنواع الموبقات، وتصف الكاتبة بالتفصيل عددا من تلك الجرائم وكيف يتعامل أفراد ذلك المجتمع البسيط سواء مع المرأة أو مع السلطة الأكبر منهم، وهو الوصف الذي أثار حفيظة العديد من القراء بمجرد أن حازت الرواية الجائزة، بل وهاجمها الكثر، مدعين أنها تروج للفساد والانحراف.
لم تكن إنعام بيوض أكثر من صوتٍ لطائفة من النساء عاشت وتعيش في المجتمع الجزائري، تعاني من القمع والإرهاب سواء بالكلام أو بالتصرفات، ولكنها استطاعت أن تجد لروايتها طريقا للنشر وأن تصل إلى الكثير من القراء رغم كل محاولات التشويه التي لاحقتها بعد حصولها على الجائزة. فكثيرا ما يتهافت القراء على الكتابة التي تمنع أو تصادر، لا سيما بعدما أعلنت "دار ميم" انسحابها من المشهد وأغلقت أبوابها بعد تلك العاصفة الشعبية من الهجوم على الرواية وناشرتها.