تخطي إلى المحتوى
20 رواية تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 ....من الماضي إلى المستقبل مرورا بالواقع الراهن..2/3 20 رواية تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 ....من الماضي إلى المستقبل مرورا بالواقع الراهن..2/3 > 20 رواية تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 ....من الماضي إلى المستقبل مرورا بالواقع الراهن..2/3

20 رواية تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 ....من الماضي إلى المستقبل مرورا بالواقع الراهن..2/3

"بياض على مد البصر " لمحمد عبد الرزاق

حادثة وفاة كان يمكن أن تكون عابرة في قرية بسيطة، ولكنها تتحول إلى زلزال نفسي واجتماعي داخل تلك القرية. في رواية "بياض على مد البصر" لمحمد عبد الرازق يكشف ذلك الحادث كل سوءات القرية، ونتعرّف من خلالها الى ما يخفيه أفرادها من أسرار في ماضيهم وحاضرهم، وما يصل بهم إلى تلك اللحظة الصعبة المأزومة، بدءا بالأم هالة المسكينة المغلوبة على أمرها التي تسعى الى فهم ما جرى لابنتها، فيما نتعرف الى حكايتها المأسوية وعلاقتها بزوجها/الأب مسعد الذي سعى إلى نقل أسرته من القرية الى المدينة. ولكن يبدو أن للقرية نداهة لا يمكن التخلص منها، كذلك الجدة حليمة التي تسيطر على الجميع وتفرض وصايتها وكلمتها عليهم. وإذا كانت هذه شخصيات الرواية الرئيسة، فإن السارد يعرض أطرافا من حكاية عدد من الشخصيات الثانوية، بدءا بالطبيب وصولا إلى مأمور القسم، وكيف يحمل كل واحدٍ منهم هما ثقيلا من ماضيه يظل يطارده حتى أحلك اللحظات.

هكذا استطاع محمد عبد الرازق أن يعرض صورة عامة لمجتمع القرية المصري، ليس فقط ما يدور فيها وما يؤثر فيها، ولكن يربط بين ما يجري فيها وعلاقتها بالمدينة وضريبة محاولاتهم للحصول على الرفاهية، وكيف يجمع بينهم فجأة موقف أو حادثة كتلك. كما يطرح من جهة أخرى تغير العلاقات بين أهل الريف وأهل المدينة، وكيف يؤثر كل ذلك على المواقف والحياة.

"الموت عادة يومية" لشكري سلامة

بين أخبار الموت التي تحاصرنا كل يوم، والتفكير في الحياة والموت وتقلبات الزمن، يخوض بنا الروائي المصري الشاب شكري سلامة تجربة مختلفة مع بطله الذي عانى منذ فترة مبكرة في حياته من غياب والده، ويسعى إلى التأكد من سر اختفائه وهل لا يزال حيا أم أنه أصبح في ركب الأموات. يأخذنا السارد إلى رحلة تمزج الواقعي بالأسطوري، والحقيقي بالمتخيل، ويعود بنا إلى عوالم كتّابٍ آخرين تناولوا الموت وجعلوا منه أسطورة ليتحكموا فيه، فيحضر غلغامش وأبطال مقامات الهمذاني وعدد من القصص والحكايات الفانتازية المختلفة التي يحكيها السارد بشكل شيق، فتجعل القارئ يتأمل العالم من حوله وحكايات الموت التي لا تنتهي.

تحضر الحكاية في رواية "الموت عادة يومية"، وكأنها تعويض عن كل ما يفقده الأبطال في حياتهم، كما يحضر عدد من القيم الغائبة المفتقدة في عالم اليوم، مثل قيمة الأبوة والصداقة، وهل يمكن الحفاظ على تلك العلاقات مع التغيرات المتسارعة التي تلاحق الأبطال في عالم اليوم، أم أن كل فردٍ يبحث عن نجاته الفردية بغض النظر عن الآخرين، سواء كان زوجة شريكة للحلم والحياة أو أبناء أو حتى أصدقاء. تطرح الرواية عددا من الأسئلة الشائكة بطريقة شيقة وسلسلة، وتترك القارئ في النهاية رهن حالة طويلة من التفكير في عالمه وعلاقاته.

"اللعب مع الجنود"  لطارق عسراوي

نوفيلا أخرى، لكنها هذه المرة من فلسطين، قصة تبدو يومية وبسيطة، يقدمها الروائي طارق عسراوي في روايته الأولى ، ويحكي من خلالها كيف يتعامل الأطفال في فلسطين مع جنود الاحتلال الإسرائيلي، وكيف تتحول المقاومة إلى "لعبة" يتسلى بها الأطفال ويتمكنون من خلالها من تكدير صفو هؤلاء الجنود. في الوقت نفسه، يعرض عسراوي لحياة البسطاء هناك في فلسطين بين مقاوم للاحتلال ومهادن له وكيف يكون مصير كل واحدٍ منهم بعد تطور الأحداث ومرور الأعوام.

على قصرها وقلة عدد صفحاتها، استطاع عسراوي أن يقدم صورة عامة مختلفة لفلسطين في فترات سابقة للعصر الحالي، ويخرج بنا عن الصورة التي يتابعها الملايين عبر الشاشات، ويعرض كيف تكون الحياة والمقاومة تحت قبضة الاحتلال. يرسم عسراوي من خلال السرد البسيط صورة الفلسطيني وحياته اليومية، كيف يتعامل أهل الحارة وكيف تكون علاقاتهم، والأسرار التي يخبئونها ومحاولات التغلب على صعوبة الحياة وما يمرون به من مشكلات وأزمات، تبدو في مجملها عادية وعابرة، ولكن الاحتلال يضع بصمته بين الحين والآخر على تلك العلاقات والحكايات، ويسعى بعضهم الى تجاوزها .  

"هند أو أجمل امرأة في العالم" لهدى بركات

تعود هدى بركات إلى عالم الرواية الثري بعد نحو 5 سنوات، لتقدم روايتها "هند أو أجمل امرأة في العالم"  وترصد من خلالها تلك العلاقة الملتبسة بين أم وابنتها التي أصيبت بمرض نادر شوه ما كان فيها من جمال حتى اضطرت أمها إلى أن تعزلها عن الناس، ومن تلك العزلة تبدأ رحلتها بعيدا عن الناس حتى تتمكن من السفر إلى فرنسا أملا في حياة أفضل، ولكنها تفاجأ هناك بأن لا شفاء من حالتها، وتعيش حياتها مشردة.

تركز هدى بركات في روايتها على حالة الاغتراب التي تعيشها البطلة، وتلك العلاقة المريبة التي جمعت بينها وبين أمها، تروي في أثناء ذلك تفاصيل حياتها اليومية، ما بين محاولات النجاة وخيبة الأمل، بين الماضي الذي عاشته معها أو الحاضر القاسي الذي تعيشه بعد عودتها إلى لبنان أثناء الحرب. تلقي كل المشكلات الراهنة بآثارها على الفتاة التي تتحول حياتها إلى تساؤلات عدة حول قيم الجمال والذكاء وصولا إلى الحياة والوجود، بينما الموت يحاصرها من كل مكان.

تجدر الإشارة إلى أن الرواية وصلت أخيرا إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.

"نزوح" لحبيب عبد الرب سروري

إلى المستقبل والفضاء، يأخذنا الروائي اليمني حبيب عبد الرب سروري في روايته "نزوح" ، لنرى ونبحث هل يمكن أن يعيش الإنسان هناك في الفضاء؟ رحلة خلال مركبتين فضائيتين، كل منهما تحمل على متنها خمسة أفراد من خبراء ذلك العالم المجهول بالنسبة الى الكثيرين، ولدى كل واحد منهم حلمه الخاص في البدء بحياة جديدة هناك على سطح القمر. نتعرف من خلال عرض سردي سريع الى كل شخصية منهم، كيف وصلت إلى تلك الرحلة، وكيف رشحوا، وما هي آمالهم وطموحاتهم في تلك الرحلة المختلفة المحفوفة بالأخطار.

يجمع سروري في الرواية ببراعة بين الواقعي والمتخيل، بين أحلام الناس الطبيعية وبين ما تفرضه التكنولوجيا والخيال العلمي من وسائل حديثة قد تغيّر في طرق تعامل الناس وعلاقاتهم، وهل يمكن أن تقوم علاقة حب في ذلك الفضاء المتخيّل؟ هل يمكن أن يعيش هؤلاء الأفراد في سلام وأمان طوال فترة رحلتهم أو بعد استقرارهم؟ لا يكتفي الكاتب بذلك، بل يعود في قفزات زمنية إلى ماضي عدد من الشخصيات ليعرض التغيرات التي حدثت في البلاد في ذلك المستقبل، ويتنبأ بما آلت إليه الأمور في عدد من دول العالم العربي بعد مرور سنوات الحروب والدمار التي أحاطت بهم لسنوات طويلة.

ورغم انطلاق الكاتب من الخيال وبحثه في المستقبل ووسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، إلا أنه يبدو مرتبطا بالواقع الذي يفرض شروطه، حتى أنه يراهن في النهاية على الحب الذي يجمع الناس وعلى الفطرة السليمة التي يمكن أن توحدهم، بعيدا من سيطرة التكنولوجيا والآلات الجامدة مهما بلغت مهارتها ومهما وصلت إلى آفاق العلم الحديث، تبقى فكرة الناس هي المتحكمة في النهاية، وهي التي تطوع كل تلك الوسائل والأدوات لخدمتها.

"بركات العالق في الخيال" لعبد العزيز الصقعبي

قد لا يحتاج المرء إلى الترحال البعيد عن عالمه الواقعي، ولكن أن يسبح في خيالٍ حر، ويتناول مشكلات الواقع التي تخص شخصيات من عالمه من خلال ذلك الخيال المحلّق، ولعل هذا ما يقدمه الروائي السعودي عبد العزيز الصقعبي في روايته "بركات العالق في الخيال" مع بطل روايته بركات الذي تنقسم حياته بعد حادث مفاجئ إلى حياتين، يعيش في واحدة منهما حياة الغنى والثراء كمدير عام لشركة كبرى، وفي الثانية تسير حياته كرجل من طبقة متوسطة بسيطة يعيش على الكفاف، وبين الحالتين تتوزع حياة بركات ولا يعرف إلى أيٍّ منهما ينتمي، وهل يمكن بالفعل أن تتوزع حياته على هذا النحو؟

تركز الرواية على شخصية البطل، وتبدو كل الشخصيات من حوله انعكاسا له، لا سيما أن الرواية كلها تقوم على حكاية البطل عن نفسه بتقنية الراوي المتكلم، التي تجعل القارئ متعاطفا مع الرواية وأحداثها، بالإضافة إلى تلك التنقلات المختلفة في الأحداث التي تتغير وتتلاحق على بركات والتي تجعل القارئ مشدودا إلى ذلك العالم وما فيه من مصادفات وغرابة. فالخيال هنا ليس فانتازيا بل هو واقعي شديد الواقعية، ولكنه يحمل غرابته من الفكرة نفسها. شيئا فشيئا يستخدم الكاتب أيضا تقنية كسر الإيهام في الرواية، فيحضر أمام شخصياته، ويخبرهم بعد حادثة أنه تورط في خلق عالمين وأنه يجب أن يتخلص من هذه الورطة بشكل يرضي القراء.

"صلاة القلق" لمحمد سمير ندا

رغم أن التجربة التي ينطلق منها الروائي المصري محمد سمير ندا في روايته "صلاة القلق"  تبدو واقعية تعود إإلى التاريخ تحديدا لحظة النكسة 1967 في مصر وما تلاها، إلا أن القارئ يفاجأ بأن ثمة بناء أسطوريا وفانتازيا تقوم عليه الرواية، التي تحكي عن قرية مصرية، نجع المناسي، التي انعزلت عن العالم، بل وأوهم سكانها أن انتصارا مصريا تحقق في ذلك العام بدلا من النكسة، وظل الناس لعشر سنوات أسرى ذلك الخيال/الوهم، الذي ساهم فيه عدد من الشخصيات التي استطاعت أن تفرض سيطرتها على القرية بدءا بخليل الخوجة الذي أصبح بمثابة وزير إعلام النجع والمتحكم في كل ما يصل أهلها من أخبار ومعلومات، أو أيوب المنسي الشيخ الذي يبرر ويقرر ما تدور فيه القرية من أحوال حتى يصبح وسيلتهم لتقبل الأمر الواقع والرضا والتسليم التام به.

من خلال شخصيات القرية المختلفة، نتعرف الى ذلك العالم الذي يغرق في الخرافات والأساطير الى درجة أن أبناء أهل القرية يغيبون في حربٍ لا يعرفون تفاصيلها، ولكنهم يستسلمون لمشيئة الأقدار، ويروي الكاتب ببراعة كيف يستسلم البسطاء لهذه القوى، وكيف تؤثر على حياتهم، بل إن بعضهم يعلم يقينا أن الخرافات والأساطير تحيط به لكنه لا يملك إلا أن يخضع لها. ندور بين شخصيات نوح النحال ومحروس الدباغ ووداد الداية وشواهي الغجرية والشيخ جعفر الولي وغيرهم، ومع كل شخصية تتكاثر الحكايات وتتشابك حتى تغرق القرية في ظلام لا يظهر منه أي ضوء.

يمزج محمد سمير ندا بين الواقع والفانتازي، فثمة نيزك يضرب القرية ويحوّل وجوه أصحابها فتصبح كوجوه السلحفاة، ويقر الشيخ بأن ذلك غضبٌ من الله على أهل القرية، ويفرض عليهم صلاة خاصة بطقوس محددة يسميها "صلاة القلق" ويستجيب له الكثيرون، وهكذا تنشيء الرواية عالمها الموازي للواقع، الذي يكشف عن الكثير مما يدور في عالم اليوم، حتى لو لم تفرض على الناس العزلة ولم يقهرهم سلطان ظالم.

المصدر: 
مجلة " المجلة"