تخطي إلى المحتوى
دعوات القراء وآراؤهم دعوات القراء وآراؤهم > دعوات القراء وآراؤهم

دعوات القراء وآراؤهم

منذ سنوات، وبعد تقدم تجربتي في الكتابة، وبسبب انحيازي الكبير للقارئ، بوصفه أحد أركان صناعة الكتابة المهمة، لا أرفض أي دعوة للقراء لمناقشة تجربتي أو مناقشة رواية لي، وكنت أحاول تطويع ظروفي دائما للحضور، وحين ظهرت تقنية الزوم التي تستحضر الكاتب والمناقشين في جلسة شبه حقيقية، بعد انتشار وباء كوفيد 19، وحظره للسفر، كثرت مثل تلك الدعوات، وغالبا ألبيها، وأنغمس في النقاش مع من يناقشني، وحقيقة كان فيها جلسات ممتعة، عرفتني بقراء مبدعين ومتابعين، لم أكن أتصور وجودهم.
بالمقابل بعض تلك الجلسات، قد تبدو محبطة، حين تستعد لها، وفي وقت بث الزوم لا تجد سوى أشخاص قلائل تظهر صورهم وأسماؤهم على الشاشة، وتعرف بعد ذلك أن كثيرين اعتذروا بسبب ظروف طارئة، كما قالوا، وفي إحدى المرات اعتذر مقدم الأمسية نفسه، واعتذر من ينوب عنه، وظللت وقتا أنتظر، ثم أغلقت البرنامج، ولم أستجب لدعوة من تلك المجموعة مرة أخرى. لكنني لا أصاب بالإحباط في هذا المجال إلا نادرا، ومسألة غياب القراء عن ندوة، ليست محركا كبيرا للإحباط بقدر محركات ضخمة عشت معها وعايشتها، حتى نضجت التجربة.
منذ فترة قليلة دعاني نادي وسم الثقافي بالاشتراك مع جمعية الثقافة والفنون، في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، للقاء عبر حضوري هناك. للحديث عن تجربتي والحوار مع قراء اطلعوا على روايتي الأخيرة «فوتوغرافي- غليان الصور» لم أتردد خاصة أنني عضو فخري في ذلك النادي المهم، الذي أسسه أصدقاء مهتمون بالقراءة والكتابة والشأن الثقافي عموما، ونشيطون في إقامة المنتديات، وعلى رأسهم تركي آل حارث، وطارق المالكي، ويحظون باحترام كبير، وأعرف أن أمسياتهم لها رونقها وأهميتها.

سافرت للدمام، ولم أكن قلقا من عدم نجاح الأمسية، وكما قلت توجد أمسيات ناجحة وأخرى غير ذلك، وهكذا هي الكتابة عموما، لديك نصوص تنجح بشدة، ونصوص لا تنجح، على الرغم من المجهود الضخم الذي تبذله فيها، إنها حظوظ النصوص أو أقدار النصوص، وأنظر دائما بعين الحسرة لرواية مثل «توترات القبطي» استغرق الإعداد لها وكتابتها عامين، ولم تنجح كثيرا، وأخفقت كل المحاولات التي جرت لترجمتها للغات عدة.
الأمسية أقيمت وكان فيها زخم كبير لحسن الحظ، أو كما قدرت، ونلاحظ جميعا في الآونة الأخيرة، تلك الصحوة التي بدأ فيها الناس من الأجيال الجديدة يستعيدون مجد القراءة، وإن كانت قراءة الأدب المترجم، تبدو أكثر رواجا من قراءة الأدب العربي، وذلك موضوع آخر أظنني تحدثت عنه من قبل. لا أريد الخوض في تفاصيل الأمسية، التي كان فيها كثير من الجهد والأمل، ومعظم من أتوا قرأوا النص الذي جئنا لمناقشته، وأدلوا بآرائهم، لكني سأتوقف عند بعض الأسئلة التي تبدو قدرية أو رئيسية في حياة الكاتب، ولا بد من الإجابة عليها حتى لو تكررت كثيرا، وهي بالفعل تتكرر كثيرا، ولا يتوقف طرحها مهما أشرنا إلى ذلك.
في رأيي أن الكاتب ينبغي أن يناقش في تجربته الخاصة، وأعني نصوصه، أن تكون الأسئلة من داخل النصوص وليس أسئلة عامة، وهذا يحدث لكن في أحيان قليلة، يكون السائل أصلا مهتما بتجربة الكاتب، وعندي حوارات أعتبرها عظيمة، كان فيها جهد في الإعداد والتقديم مثل حوار الصديق جابر القرني، في برنامج «صنوان» الذي بث منذ فترة في القناة الأولى السعودية. من تلك الأسئلة التي ذكرتها، سؤال عن علاقة الطب بالأدب، وهذا يطرح لكاتب يعمل في مجال الطب، ويمكن أن يكون عن علاقة القانون بالأدب، يطرح على كاتب يعمل قاضيا، وعلاقة الرمل والخرسانة بالأدب لمهندس مدني، وربما علاقة الكلاشنكوف والبندقية بالأدب لعسكري يكتب الرواية.. هكذا، هذا السؤال، أجيب عليه بكل تلقائية وبطريقة مباشرة أنه لا علاقة لهذا بذاك، فأنا أكتب منذ طفولتي، وبعد ذلك جاءت الدراسة التي هي اجتهاد بعيد عن الموهبة، ولا داعي لفلسفة الأمور وذكر أوهام عن علاقة ليست ذات أهمية.
ترك الشعر والاتجاه للرواية، وهذا سؤال مباشر أيضا، ولا يحتاج لتفكير عميق، ثمة شاعر في وقت ما، مبكر أو متأخر، قرر ترك الشعر وكتابة الرواية، ولن أتفلسف وأقول أشياء مثل: امتلكت ثقة فجأة، أو تطور عالمي، أو رأيت أن الرواية أقرب لي، على الرغم من أن هذه الإجابات قد تكون حقيقية، المهم في الأمر أن الإجابة ستكون مباشرة، وليس فيها حد أدنى من التعمق، وخياطة ثقوب لم توجد قط. سؤال عن الكتابة المستمرة، ولماذا تكتب سنويا، وهنا أيضا السؤال مباشر، ويحتمل إجابات عدة، أنا أرد عليه بأنني لا أتعمد ذلك، لكن مشروعي تأقلم مع الكتابة السنوية، أو كل عامين على الأقل، ولذلك لديّ أعمال كثيرة، بعضها ناجح جدا وبعضها غير ناجح كما قلت.
لقد بينت بعض الأسئلة العامة التي ألتقي بها في كل مكان فيه رائحة ثقافة، والغرض من توضيحي ذلك، أن هناك من يعتبر إجاباتي سطحية وساذجة، لمجرد أنني أجيب على السؤال بما يشبهه أو ما يتحتم عليّ الإجابة به، وأقول صراحة أنني أمقت التكلف، ومحاولة تخيل بطولات غير موجودة.
نحن نكتب وننتشي أو نكتئب بكتابتنا، نلتقي القراء لغرض واحد، هو لقاء من تعنيهم كتابتنا، والشكر بالتأكيد لنادي وسم، وجمعية الثقافة والفنون في المنطقة الشرقية، التي يرأسها يوسف الحربي، على استضافة غالية، خرجت منها منتشيا، وخاليا من الكآبة.
وبالطبع شكرا خاصا لكل من قرأ وجاء وحاور، واستفدت من قراءته كثيرا.

المصدر: 
القدس العربي