تخطي إلى المحتوى
فلسطين وكأس العالم.. حين ساعد الفيفا الحركة الصهيونية على سرقة منتخب فلسطين! فلسطين وكأس العالم.. حين ساعد الفيفا الحركة الصهيونية على سرقة منتخب فلسطين! > فلسطين وكأس العالم.. حين ساعد الفيفا الحركة الصهيونية على سرقة منتخب فلسطين!

فلسطين وكأس العالم.. حين ساعد الفيفا الحركة الصهيونية على سرقة منتخب فلسطين!

"بالنسبة للفلسطينيين تظل الرياضة، وخاصة كرة القدم، منصة للمقاومة الثقافية. كل جانب من جوانب مباراة كرة القدم الفلسطينية يشهد على هذا الأمر، من أسماء الفِرَق وهتافات الجماهير، إلى الصور المطرزة على قمصان اللاعبين وأسماء الشهداء. كرة القدم في فلسطين عمل سياسي" ( رمزي بارود،المؤلف الفلسطيني والكاتب في منصة "فلسطين كرونيكل")

في عام 2017، قرر الفيفا عدم التصويت بفرض عقوبات، أو حتى مجرد حث الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم على التوقف عن رعاية الأندية القائمة في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية، وذلك رغم أن "ويفا" (الاتحاد الأوروبي لكرة القدم) قرر عام 2014 منع الأندية في شبه جزيرة القرم من اللعب في الدوري الروسي بعد سيطرة روسيا على المنطقة، هذا بالطبع بخلاف منع الاتحاد الدولي للأندية والمنتخبات الروسية من المشاركة في البطولات بعد الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022.

يُعَدُّ هذا مدخلا جيدا لفهم تاريخ المنظومة العالمية الكروية مع القضية الفلسطينية، الذي يشبه تاريخ معظم المؤسسات الدولية في التعامل مع فلسطين؛ تاريخ من التجاهل والكيل بمكيالين وشرعنة الاستعمار، إذ لعبت كرة القدم حتى قبل النكبة دورا في التمهيد لسرقة تاريخ الفلسطينيين من خلال الاستيلاء على الرموز الفلسطينية وصهينتها قبل السيطرة على أرض الفلسطينيين ومصيرهم. وبينما يُقام كأس العالم هذه الأيام ويتابعه الملايين حول العالم، يمنحنا ذلك فرصة لاستعادة تاريخ لم يُسلَّط عليه الضوء كثيرا؛ إنه تاريخ المنتخب الفلسطيني في تصفيات كأس العالم، ذاك المنتخب الذي مَثَّله حصرا اليهود، دون أهل البلاد الأصليين من العرب الفلسطينيين.

بمساعدة الفيفا.. قصة السطو على المنتخب

تعود بداية حكايتنا إلى عام 1928، حين تأسس الاتحاد "الفلسطيني" لكرة القدم، وانضم إلى الفيفا في العام التالي مباشرة، لكن المفارقة أن ذلك الاتحاد لم يكن فلسطينيا ولا عربيا، لكنه اتحاد أسسه المهاجرون اليهود وسيطرت عليه الفِرَق اليهودية تماما. فكما سرق الإسرائيليون البلاد وتاريخها بعد ذلك سرقة كاملة، فإنهم عملوا في البداية بجد على سرقة كل ما طالته أيديهم من رموزها، ولم تكن كرة القدم بمنأى عن هذا النهج.

في بادئ الأمر، لم يكن معقولا أن ينضم الاتحاد الجديد للفيفا وهو يُمثِّل اليهود فقط في دولة أغلبيتها المطلقة من العرب ولم يأتِ إليها اليهود إلا من سنوات قليلة متمتعين بحُسن الضيافة الذي لم يجدوه في القارة الأوروبية. ومن ثم اضطر الاتحاد "الفلسطيني" المزعوم أن يُشرك العرب رمزيا، لكنه سرعان ما أبعدهم بعد تأسيسه. وتكشف وثائق تلك الفترة أن الفلسطينيين لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام سرقة الصهاينة لمنتخب بلادهم، فقد أسسوا الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي) عام 1931 وأعادوا تأسيسه عام 1944، لكن المشكلة التي واجهتهم هي انحياز الفيفا الصارخ للاتحاد الذي سرق الهوية الفلسطينية.

في النهاية، بات فريق كرة القدم "الفلسطيني" ممثلا من اليهود دون غيرهم، الذين لم تتجاوز نسبتهم آنذاك ثلث سكان البلاد، قبل أن يحولوا شعار ولغة الاتحاد إلى العبرية، ويجعلوا النشيد الوطني للمنتخب هو النشيد الصهيوني "هتكفاه" الذي تقول كلماته: "طالما في صميم القلب، لم يضع أملنا بعد.. روح يهودي هائمة، عمره ألفا سنة، وتنظر عين إلى صهيون، أن نكون أمة حرة في بلادنا". بيد أن الفيفا ظل معترفا بهذا الاتحاد اليهودي باعتباره ممثلا لفلسطين بحجة أنهم تقدموا قبل العرب بطلب الانضمام للفيفا، بل وباتت الفِرَق الفلسطينية غير قادرة على اللعب مع نظيراتها العربية بسبب عدم الاعتراف بها وعدم سماح الاتحاد الصهيوني لها بذلك. وكان الفيفا في رسائله للاتحاد الصهيوني يؤكد سيادته وأنه ليس بإمكان الفِرَق الأجنبية أن تلعب ضد الأندية العربية في فلسطين دون إذن ذلك الاتحاد.

على صعيد كأس العالم، شارك المنتخب "الفلسطيني" اليهودي في تصفيات كأسَيْ العالم 1934 و1938، وقد لعب المنتخب المصري أمام منتخب فلسطين في تصفيات كأس عالم 1934 مباراتين، الأولى في العباسية وانتهت بسبعة أهداف لصالح المنتخب المصري، والثانية في ملعب "هبوعيل" بفلسطين، وهي المدينة التي أخذت بعد الاحتلال الرسمي اسم "تل أبيب"، وفاز المنتخب المصري حينها بأربعة أهداف مقابل هدف. ورغم أن الفريق الذي لاعبه المصريون تحت اسم منتخب فلسطين كان مُشكَّلا من اليهود، فإن الأمر مرّ بسهولة دون انتباه، فلم تعكس قصة سرقة الاتحاد اليهودي لاسم فلسطين حقيقة استعمارية فحسب، وإنما عكست أيضا استيعاب العرب البطيء لنِيَّات وطبيعة للتحركات الصهيونية في أحيان كثيرة.

لقد كانت الرياضة ببساطة هي بوابة الحركة الصهيونية لتقديم فلسطين بوصفها أرضا يهودية، وقد بدأ الصهاينة محاولاتهم في هذا الصدد من خلال ألعاب القوى للهواة، لكن المحاولة فشلت نظرا لأن الاتحاد الدولي رأى أنهم لا يُمثِّلون العرب والإنجليز في البلاد، ومن ثم تعلَّم الصهاينة الدرس حين تقدَّموا بطلب الاعتراف إلى الفيفا، حيث ضمّوا إلى اتحادهم ممثلا عربيا واحدا، وهو ما كان كافيا للاتحاد الدولي لكرة القدم كي يعترف باتحاد اليهود ممثلا للأراضي الفلسطينية.

في مواجهة هذا الاختطاف الصهيوني المبكر لكرة القدم الفلسطينية، دشن الفلسطينيون جهود مقاومة رياضية متأخرة نسبيا، لكنها كانت مكثفة. فبحلول عام 1945 كان هناك 25 ناديا منضما للاتحاد الفلسطيني الحقيقي ومقره في النادي الإسلامي بمدينة يافا، وارتفع هذا العدد ليصبح 60 ناديا بحلول عام 1947 رغم التعسف السياسي والاعتقالات والتضييق الذي مارسته الحركة الصهيونية ضد الأندية الفلسطينية في تلك الفترة قبل النكبة. كما حاول الاتحاد عبر وساطة مصرية أن يُقنع الفيفا بإعطائه الاعتراف أو على الأقل التدخل لفرض تمثيل مناسب للعرب في الاتحاد الذي هيمن عليه اليهود. وقد حاول سكرتير الاتحاد العربي "عبد الرحمن الهباب" السفر إلى لوكسمبورغ لمناقشة الأمر مع الفيفا، لكن رُفِض حضوره لأسباب يرجح أنها مرتبطة بضغوط من الاتحاد الصهيوني.

كانت الأهداف المعلنة للاتحاد الفلسطيني الحقيقي هي التنسيق بين الأندية العربية في فلسطين وإقامة علاقات رياضية بين فلسطين والدول العربية، لكن الاتحاد المعبِّر عن السكان الأصليين لم يجد اعترافا من الفيفا، ورغم ذلك استمر في تنظيم الفعاليات الرياضية مع الفِرَق العربية التي باتت أكثر وعيا بخطورة الصهيونية في فلسطين، وكانت مشاركاتها مهمة ولو رمزيا على المستوى التاريخي أمام محاولة الاتحاد الصهيوني تصوير فلسطين على أنها أرض خالية من العرب.

من المهم هنا أن نُشير إلى طبيعة الأسماء التي اختارتها بعض الفِرَق الفلسطينية في الأربعينيات لنفسها، التي أتت مستوحاة من التاريخ العسكري الإسلامي مثل "خالد بن الوليد" و"صلاح الدين الأيوبي". وبشكل من الأشكال كانت الرياضة في فلسطين تعبيرا عن جيل جديد ووعيه بقضية الاستقلال الوطني وضرورة اتخاذ خطوات سريعة في مقابل أجيال قديمة بطيئة الاستجابة بعض الشيء للتهديدات الصهيونية.

في النهاية، رغم أن الاتحاد اليهودي نجح في سرقة اسم منتخب فلسطين في تصفيات كأسَيْ العالم 1934 و1938 وجعله يبدو وكأنه منتخب إسرائيل المنتظرة، فإن الحركة الرياضية النشطة للفلسطينيين العرب سواء في المراسلات مع الفيفا أو المراسلات مع الاتحادات العربية تركت لنا أرشيفا يُفنِّد السردية التي حاول الصهاينة رسمها من خلال الاستيلاء على المنتخب الوطني وإظهار الأمر وكأن الهجرات اليهودية جاءت لأرض مهجورة أعطتها مظاهر الحضارة مثل الفن والرياضة، إذ يوضح هذا الأرشيف أن الشعب الأصلي كان حاضرا وعبَّر بكل وسيلة عن رفضه سرقة قصته، لكن الفيفا كان لها رأي آخر.

سرقة الأرض بعد سرقة الكرة.. تاريخ المنتخب الفلسطيني بعد النكبة

بعد النكبة كان الكثير من الفاعلين الفلسطينيين واعين بأهمية النضال من أجل استعادة رموزهم المسروقة تماما كما وطنهم المسروق. واستمر الاتحاد الفلسطيني في العمل وحاول أن يطلب مرة أخرى عام 1951 الانضمام للفيفا، لكن الاتحاد الدولي المتواطئ مع الاتحاد الإسرائيلي رفض الطلب مجددا، هذه المرة تحت ذريعة أن الضفة الغربية ليس لها وضع قانوني دولي.

في الستينيات استمرت محاولات الفلسطينيين، وهذه المرة عن طريق قطاع غزة، حيث تكشف سجالاتهم مع الفيفا كمَّ العراقيل التي وضعتها المنظومة الدولية الكروية أمامهم، من وعود بالمباحثة في الأمر إلى طلب إحصاءات مكثفة عن حجم ممارسة اللعبة في القطاع (وهو ما استجاب له الفلسطينيون). وقد وجد الاتحاد الدولي نفسه في النهاية مضطرا لأن يقول صراحة إنه لا توجد دولة اسمها فلسطين ومن ثم لا يمكن قبول طلب الاتحاد الفلسطيني، بيد أن ذلك لم يمنع الاتحاد الفلسطيني من إجراء محاولتين أخريين عامي 1978 و1989، لكن الفيفا استمر في رفض قبول فلسطين تحت مسوغ أنه لا يوجد لفلسطين وضع قانوني دولي.

لم تُقبَل فلسطين عضوا في الاتحاد الدولي لكرة القدم إلا بعد اتفاقية أوسلو وعودة السلطة الفلسطينية إلى البلاد عام 1994، حيث أتى قبول العضوية الفلسطينية أخيرا عام 1998 مع الإقرار بمبدأ فصل الشتات. ومنذ ذلك الحين تعيش كرة القدم الفلسطينية العديد من المآسي، ففي حرب عام 2012 قصفت إسرائيل ملعب فلسطين في غزة، ومبنى اللجنة الأولمبية الفلسطينية واتحاد كرة القدم وملعب اليرموك ونادي الشمس ونادي الشهداء ونادي أهلي النصيرات وملعب رفح، وغيرها من الأهداف الرياضية، هذا فضلا عن لاعبي كرة القدم الفلسطينيين الذين تعرَّضوا لإعاقات دائمة في مسيرات العودة نتيجة الرصاص الإسرائيلي، وهو استهداف يشي بوعي واضح لدى دولة الاحتلال بأهمية عرقلة مسيرة الرياضة الفلسطينية.

ولكن رغم كل المعوقات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية أمام نهضة كرة القدم والرياضة الفلسطينية في العموم حتى الآن، فإن نتائج منتخب "الفدائيين" تسير من جيد إلى أفضل، إذا أخذنا في الاعتبار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة المحيطة بالفريق على جميع الأصعدة. فقد تأهل المنتخب إلى بطولة أمم آسيا لعام 2023 للمرة الثالثة تواليا، وذلك بعد أن تصدر مجموعته في التصفيات المؤهلة للبطولة، فيما لا يزال حلم اللعب في نهائيات كأس العالم يداعب الفلسطينيين، لكنه يظل حلما مؤجلا، تماما كما كل الأحلام التي وأدها الاحتلال إلى حين.
المصدر: 
الجزيرة نت