تخطي إلى المحتوى
في ذكراه الـ52... الإعلان عن الفائز بالدّورة الثّالثة لجائزة غسّان كنفاني للرّواية العربيّة في ذكراه الـ52... الإعلان عن الفائز بالدّورة الثّالثة لجائزة غسّان كنفاني للرّواية العربيّة > في ذكراه الـ52... الإعلان عن الفائز بالدّورة الثّالثة لجائزة غسّان كنفاني للرّواية العربيّة

في ذكراه الـ52... الإعلان عن الفائز بالدّورة الثّالثة لجائزة غسّان كنفاني للرّواية العربيّة

تزامناً مع ذكرى استشهاد الروائي والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني (1972-1936)، جرى اليوم الإعلان في "قاعة المنتدى"، بمتحف ياسر عرفات في مدينة رام الله الفلسطينية عن فوز الروائي الكويتي عبد الله الحسيني عن روايته "باقي الوشم"،  بجائزة "غسان كنفاني للرواية العربية 2024" في دورتها الرابعة. 

تكوّنت لجنة التحكيم من: رئيسها الأكاديمي الروائي والناقد المغربي الدكتور أحمد المديني، وعضوية كل من: الروائية الأردنية سميحة خريس والأكاديمي الناقد المصري الدكتور محمد الشحات، والأستاذين الناقدين من فلسطين: زياد أبو لبن ورياض كامل. 

واختارت اللجنة العمل الفائز من بين القائمة القصيرة التي أعلن عنها في مايو/ أيار من العام الجاري، وهي: "2067" للروائي المصري سعد القرش، "وجعٌ لا بدَّ منه" للروائي الفلسطيني عبد الله تايه، "باقي الوشم" للروائي الكويتي عبد الله الحسيني، "ربيع الإمام" للروائي العُماني محمد سيف الرحبي، "برلتراس" للروائي التونسي نصر سامي.

"رمزية الجائزة" 

انطلقت جائزة غسان كنفاني للرواية العربية في عام 2022، وذلك بمناسبة مرور 50 عاماً على استشهاد الأديب غسان كنفاني، وتُعدُّ واحدةً من أرفع الجوائز التي تمنحها فلسطين. يرجع ذلك "للناحية الاعتبارية والرمزية" التي يمثلها كنفاني، في الوجدانيْن العربي والفلسطيني كونها تحمل اسمَ واحدٍ من أعلام الرواية والأدب العربيين، وقامة نضالية كبيرة قدّمت حياتها ثمناً لحرية فلسطين وشعبها. إضافةً، لـ"إسهاماته في الحركة الوطنية الفلسطينية والاشتباك الثقافي لمصلحة الهوية العربية والفلسطينية". 

تشرف وزارة الثقافة الفلسطينية على هذه الجائزة، حيث تهدف إلى "تشجيع الكتابة الروائية وتقدير المساهمات التي تعزز التوجهات الجمالية والحضارية وتعميق الوعي القومي والوطني"، وتكريس القيم الوطنية التي مثّلها كنفاني من خلال نضاله من أجل حرية شعبه، وما جسّده أدبياً ومعرفياً من أفكار ورؤى في أعماله الأدبية. وسبق أن نالها في الدورتين السابقتين كل من: المصري عمرو حسين عن روايته "الديناصور، رسالة حب من زمن آخر"، والسوري المغيرة هويدي عن روايته "قماش أسود". 

 

" ابن آخر للمأساة" 

كان اغتيال غسان كنفاني في الثامن من يوليو/ تموز جزءاً من "إرث إسرائيلي دموي" لا يزال مستمراً حتى اليوم في استهداف زعماء حركة المقاومة الفلسطينية. كنفاني الذي كان يقيم يومها في العاصمة اللبنانية بيروت بضاحية الحازمية، عندما قام عملاء "الموساد" بزرع قنبلة في سيارته، ما أدى إلى استشهاده رفقة ابنة أخته لميس البالغة من العمر 17 عاماً حيث تحولت جثتهما إلى أشلاء. 

لم تعترف إسرائيل علناً بدورها في هجوم بيروت، ولكن - كعادتها - شكّل الصمت والإنكار جزءاً من سياسة الاحتلال القديمة، بالنسبة إليها كان غسان كنفاني، الصحافي والناشط السياسي، والمتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - دائماً - أحد الأهداف الأولى في لبنان. إثر عملية الاغتيال الوحشية نعت صحيفة "ديلي ستار" اللبنانية كنفاني واصفةً إياها بأنها "كوماندوز لم يطلق رصاصة واحدة قط". 

عاين كنفاني المأساة الفلسطينية بكل فصولها، كان وأسرته أحد ضحايا النكبة، مهاجراً من عكا باتجاه لبنان، قبل أن يتابع تعليمه الجامعي في دمشق وكتب كنفاني عن ذلك في "أرض البرتقال الحزين". 

درس كنفاني الأدب العربي في جامعة دمشق، لكنه طُرد منها بسبب انخراطه في الحركة القومية العربية بقيادة جورج حبش ووديع حداد.

انتقل بعد ذلك إلى الكويت حيث عمل محرراً في "الرأي"، ثم انتقل بعد ذلك إلى بيروت عام 1960 وتولى تحرير صحيفة أخرى مرتبطة بالحركة وهي "الحرية". في عام 1967 أصبح كنفاني أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فشغل منصب محرر مجلة الجبهة "الهدف"، ثم متحدثاً رسمياً لها. 

"رائد الأدب المُقاوم" 

إضافةً إلى دوره السياسي، كان كنفاني أحد أبرز أصوات المنفى، وأدباء "الشتات الفلسطيني"، نبوغه الأدبي ظهر مبكراً من خلال ما كان يكتبه من قصص قصيرة. لكنّ بروزه كأديب تجلى سنة 1962 في عمله الشهير "رجال تحت الشمس"، والتي كانت ذات تأثير عميق عند صدورها، بحيث دفعت كنفاني إلى صدارة الأدب العربي وحازت  اعترافاً فورياً واسع النطاق، وما زالت تعتبر حتى يومنا هذا تحفة فنية.  

في نهاية القصة، يصور الكاتب لاجئين فلسطينيين يختنقون حتى الموت في مؤخرة خزان مياه أثناء محاولتهم دخول الكويت للعمل، وما زالت الجملة الأخيرة منها تطارد القارئ "لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟". 

خلال حقبة الستينات، نشر عملين أدبيين خالدين هما: "كل ما تبقى لك، وعائدٌ إلى حيفا". 

على الرغم من وفاته المبكرة و"عمره الأدبي القصير"، أنتج كنفاني، الذي قُتل عن عمر يناهز 36 عاماً، مجموعة كبيرة من الأعمال، بما في ذلك 63 قصة قصيرة، وثماني روايات قصيرة، وثلاث دراسات، وثلاث مسرحيات ترجمت إلى أكثر من 18 لغة حية حول العالم. 

شكّل الالتزام السياسي بقضية مقاومة الاحتلال الجزء الأهم في أدب كنفاني، يشمل ذلك التطرق لمأساة العيش تحت الاحتلال في فلسطين، أو مواجهة الفقر في مخيمات اللاجئين، أو تبني أدوار مثل المناضل، أو العامل المُستَغل، وصورة الأم الفلسطينية التي لا تزال تحتفظ بمفتاح بيتها القديم. والأهم تعرية صورة الصهيونية كـ"حرية أيديولوجية عنصرية" مارست ولا تزال "الإبادة الجماعية"، ويعبر عن هذا "الاقتران الطبيعي"، بالقول: "إن موقفي السياسي ينبع من كوني روائياً. وبالنسبة إليّ، فإن السياسة والرواية يشكلان قضية لا يمكن الفصل بينها، وأستطيع أن أؤكد قاطعاً أنني أصبحت ملتزماً سياسياً لأنني روائي، وليس العكس".

مما لا ريب فيه أن أدب كنفاني يرتبط بنضال شعبه من أجل تحرير نفسه من كل أشكال الظلم والاضطهاد اللاإنسانية وبمجموعة الأفكار والقيم والمشاعر التي اختبرها الرجال والنساء الفلسطينيون في ظلّ ظروف مجتمعية وسياسية وتاريخية استثنائية. وتالياً، فإن الفهم العميق للتوجه الأيديولوجي والتزام كنفاني يعني فهم ماضي الفلسطينيين وحاضرهم، وهو الفهم الذي يساهم في تحريرهم. 

وبهذا فإنّ أدب كنفاني يمارس تأثيراً فنياً ووجودياً كبيراً هدفه مواجهة الواقع وليس الهرب منه.

المصدر: 
النهار العربي