توطئة: يرمي كتاب "نحو النصّ العربيّ" إلى تفسير الظواهر والأساليب النحويّة التي من شأنها أن يشتمل عليها النص العربيّ، مُستقرءًا الكاتب عبر تاريخ اللُغة كيفيّة تناول العرب للمناهج النحويّة وطرق تدريسها قديمًا وحديثًا، مُشتملًا بذلك كلا الجانبين النظري والتطبيقي.
الكتاب في فحواه يأخذ القارئ في رحلة إلى معرفة الإرهاصات الأولى لماهية منهج نحو النصّ مفهومًا وتطبيقًا، ولو انطلقنا إلى هذا المصطلح لوجدنا أنه يشتغل على وصف المظاهر اللغويّة المختلفة للأبنيّة النصيّة وتحليلها، فقد أسهم النصّ القرآني -وما يزال- بأثره البالغ في بيان القدرة اللغويّة؛ مُشَكِّلة اللغة بمشاربها المختلفة العقل العربي، لا سيما وأن الدراسات التي غُرِفَت من مائدة العربيّة أصبحت الآن تسعى لأن تُخرِجَ جُلّ علوم اللغة بما فيها نحوُ النصّ إلى آفاق أرحب من ذي قبل.
بيانات الكتاب:
كتاب "نحوُ النصّ عند العربِ" الصادر عن دار الفكر المُعاصر للباحث الدكتور محمد بن سالم بن خلفان المسلمي، الطبعة الأولى، عام 2024م.
الكاتب:
الدكتور محمد بن سالم بن خلفان المسلمي، حاصل على الدكتوراة في اللغة العربيّة تخصص النحو والصرف، وماجستير في الدراسات اللغويّة العربيّة، نشر العديد من البحوث والمنشورات في موضوع نحو النص في التراث العربي كان من بينها في جمهورية مصر العربيّة، وجامعة البصرة، إلى جانب مشاركاته لأوراق العمل تحت العنوان نفسه، آخرها كان بجامعة فاروق كاليوكت بجمهورية الهند. بالإضافة إلى البحوث والأوراق الأخرى التي نُشرت تحمل عناوين ومواضيع لدراسات مُختلفة، جميعها ينصب في مجال اللغة العربيّة. وبعد مسيرة حافلة خاضها الباحث في البحث والتقصيّ ها هو ينشر أحدث كتبه في اللغة العربيّة "نحوُ النصّ عند العربِ".
جوهر الكتاب:
ضمنّ فحوى الكتاب في المستويات الأربعة للنص، قسمها الباحث لفصول، وتناول كل مستوى بالتفصيل، استهلّ الباحث الكتاب بالمقدمة، جاء بعدها الفصل الأول، وتحدّث فيه عن المستوى الصوتي، بينما الفصل الثاني تمحور بحثه في المستوى الصرفي، يتبعه المعجمي ثمّ التركيبي (النحوي). وقبل الخَوضِ في تفاصيل فحوى الكتاب ومناقشته، فنّد الباحث العنوان بصورة مكثفة في التمهيد، خصوصًا فيما يتعلق بالمفهوم لُغة واصطلاحًا مستندًا على آراء جُلّ علماء اللغة.
المقدمة:
على الرغم من أن الباحث حاول أن يعتمد على مواضيع مركزيّة لتوصيل الهدف من الكتاب، إلّا أنه قسّم الكتاب لفصول، جاء في التمهيد أولًا تعريف ماهيّة نحو النصّ، قسّم الباحث المصطلح إلى ثلاثٍ، النحو أولًا كونه مصطلحًا تركيبيًّا إضافيًّا، أما اصطلاحًا فقد ذُكِرَ في الكتاب ما جاء في كُتُبِ علماء اللغة أمثال ابن السراج وأبو علي الفارسي وابن جني والسكاكي وغيرهم.
جاء مصطلح النحو بمعانٍ عدّة في المعجمات العربيّة، كالقصد والمِثل والناحيّة والنوع وبعض والحرف، مُتتبعًا الباحث كلّ تعريف منها. بينما أصلُ هذه المعاني مثلما ورد هو القصد؛ وذلك بأن النحو مأخوذ من قول أبي الأسود الدُّؤَلي "... انحوا هذا النحو" أي بمعنى اقصدوه، والنحو القصد، فسُمّي لذلك نحوًا.
أمّا النصّ لُغةً فهو الذي لم يرد في المعجمات القديمة إلا ما ذكره الخليل وابن فارس، ولكن جاء في تعريف أحمد رضا على أنه "اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره". أما اصطلاحًا فهو لم يرد عند القدماء إلا بمعنى المتن، وقد ذكره كل من الفراهيدي والشريف الجرجاني والكفوي والتهاوني وغيرهم، اُسْتُعملَ أيضًا من قِبَلِ المحدثون على أنه "ما ينتهي إليه السند من الكلام، وما بعد الإسناد"، ولم ينحصر هذا اللفظ فقط في الدراسات العربيّة، فقد تجاوز ذلك فوَرَدَ في البحوث الغربيّة لدى الباحث الروسي لوتمان، وجوليا كرستيفا وغيرهم.
انتقل الباحث بعدها في المقدمة إلى الحديث عن نشأة العلوم العربيّة، البواكير كانت لأبي الأسود الدُؤلي صاحب الفضل الكبير في نهج سبل العربيّة، فهو أول من أسس العربيّة عندما امتزجت بالأعجميّة. استقرأ الباحث هنا بواكير اللغة عند العرب، بدءًا من إنزال القرآن الكريم على محمد ﷺ حتى جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي ليستخرج علم العروض ومن بعده تلميذه سيبويه ثم إلى الدراسات الحديثة.
تطرّق الباحث إلى عناية اللغويين القدامى بالنصّ "معاني القرآن"، لما للنصّ القرآني عناية بالغة الأثر؛ فهو منطلق الدرس النحوي وموضع بيان القدرة اللغويّة العظيمة في العربيّة، فما كان لعلماء اللغة والقرآن إلا أن يبذلوا قُصارى جهدهم في سبيل إيضاح معاني القرآن والإعجاز اللغويّ والنحويّ والصرفيّ، وشرح ما وَرَدَ من غريب الألفاظ فيه.
انتقل الباحث في هذا الجزء إلى ذكر بعض كتب التفسير التي تُعنى بالجانب اللغوي في القرآن الكريم، فقد حظيت كتب معاني القرآن مثل: "معاني القرآن" لأبي زكريا الفرّاء، "معاني القرآن لأبي الحسن الأخفش، و"معاني القرآن" لأبي العباس المبرد، وغيرهم، وكتب إعجاز القرآن وشروح الشعر باهتمام كبير من قِبَلِ علماء اللغة، ومع ذلك فقد اقتصرت دراسة الباحث إلى جملة الكتب والمراجع المذكورة في الكتاب؛ ذلك لاتساع المادّة العلميّة المطروحة.
الفصل الأول: الكلام/ المستوى الصوتي.
ففي هذا الفصل تناول الباحث أهم المستويّات الصوتيّة في اللُغة التي عالجها العلماء القدامى منفصلة؛ متوصلين إلى أن مصطلح الصوتيّات لم يظهر إلّا عند العلماء المُحدثين. ومن الظواهر الصوتيّة التي طُرِحَت:
1). الإبدال، تناول الكاتب فيها المفهوم، وأهم كُتُبَ القٌدامى التي أُلفت في الإبدال، بالإضافة إلى مؤلفات المُحدثين فيه.
2). الإعلال، الذي ذكر فيه آراء الفرّاء والكسائي وأبو عبيدة بالإضافة إلى تفسير أبو الأخفش وسيبويه وحديث ابن قتيبة عنه.
3). الإدغام، جاء في هذا المصطلح تفسير الفرّاء والأخفش وابن جني وسيبويه الذي قال في باب الإدغام "فأن وقع حرف مع ما هو من مخرجه أو قريب من مخرجه مبتدأ، أدغم وألحقوا الألف الخفيفة؛ لأنهم لا يستطيعون أن يبتدئوا بساكن".
4). أما القلب فقد تناول غالبيّة علماء اللغة تفسيره، فهو "تحويل الشيء عن وجهه، وكلام مقلوب، وقلبته فانقلب، وقلَّبته فتقلَّب" بينما اصطلاحًا جاء بمعنى "تغيير ترتيب أحرف الكلمة الواحدة، ومنه جذب -جبذ، وبكل – لبك".
الفصل الثاني: المستوى الصرفي.
تناول الباحث في الفصل الثاني المستوى الصرفي؛ من مبدأ أن معرفة ذات الشيء ينبغي أن يكون أصلًا لمعرفة حاله المتنقلة؛ فرأى علماء اللًغة بأنه من الواجب على من أراد معرفة النحو أن يبدأ قبلها بمعرفة التصريف أولًا؛ لذا فإن الباحث قد قَسّم الفصل الصرفي إلى قسمين، الأول يتحدث فيه عن أبنيّة الأسماء تندرج فيه الجموع والمصادر والتصغير والمقصور والممدود والمنقوص والنسب والتذكير والتأنيث، بينما القسم الثاني تطرق فيه إلى الحديث عن أبنيّة الفعل وفعل وأفعل والاشتقاق.
الفصل الثالث: المستوى المعجمي.
أمّا في هذا الفصل فقد تناول فيه الباحث المستوى المعجمي، الذي أسهم فيه العرب كثيرًا في الكشف عن العلاقات الدلاليّة بين الكلمات والألفاظ العربيّة، وكان للفراهيدي السبق في محاولة جمع كلمات اللغة العربيّة في معجمه للكشف عن المكنونات الدلاليّة لها، تتابعت بعدها جهود علماء اللغة في الكشف عن الكلمة، وتبلورت تلك الجهود في كتب الآتية: ابن دريد في كتابه جمهرة اللغة، أبو علي القالي في معجمه: البارع في العين، أبو منصور الأزهري في معجمه: تهذيب اللغة، وغيرهم الكثير ممن اهتموا في دراسة الحقل الدلالي.
يدرس المستوى المعجمي الجملة والنصّ اللغوي معًا؛ وذلك من طريق تحليل معاني الكلمات وتفسيرها وتصنيفها؛ وفقًا لعلاقتها بين الكلمات في الحقل الدلالي الواحد، قسمها الباحث على ثلاثة أقسام، أولًا: المشترك اللفظي وفيه الكلمات الآتية ذنوب، المحصنات، وأذن، ثانيًا: التضاد، وبحث في الكلمات الآتية أيضًا: الظن، اشترى-شروه، سدفه، وراء، أزواج، وأخيرًا كلمة قروء، وثالثًا وهو الأخير تناول فيه المعرّب، وفيه جبريل-إسرائيل-إسماعيل، بالإضافة إلى إبراهيم، إستبرق وأباريق.
الفصل الرابع: المستوى التركيبي (النحوي).
استهدف الباحث في هذا الفصل المستوى التركيبي أو النحوي، جاء في مبحثين، الأول تناول فيه عن الجملة، بينما الثاني فكان عن الأساليب. تطرق في الجملة إلى الجملة الفعليّة، كان فيها التجرد والزيادة ومتعلقاتها من المفاعيل والظرف، والاسميّة تطرّق إلى سوابقها ولواحقها، بينما في الأساليب اتخذ كلًا من التعجب-التقديم والتأخير-الدعاء-الإغراء والتحذير-الاستفهام-المدح والذم-والنداء مواضيعًا ليُميّز بها المهتم والدارس للعربيّة بينها وبين الجملة.
إطلالة على المراجع:
تنوعت مراجع الكتاب، بعد غِمار الباحث لمشارب كتب اللغة العربيّة، بحث في جملة القديم والجديد منها؛ ليتمكن من ربط دراسة التراث والحداثة في النحو، توغل في متون الكتب، وقرأها قراءة فاحصة؛ ليحصد في نهاية المطاف كتاب "نحوُ النصّ عند العرب".
الخاتمة:
في مُستخلص الحديث عن "نحو النصّ عند العرب"، التي ستعدّه المكتبة العربيّة فيها مرجعًا مُهمًا في إثراء الفكر العربيّ اللغويّ، تفرّد الباحث في منهجه وأدوات بحثه محاولًا التوصل إلى أهم النتائج فيما أُنجزه العرب في تناول (نحوُ النصّ) صوتًا وصرفًا ومعجمًا وتركيبًا.
ومما وجب التنبيه عليه أنّه دقيق الإشارة في أهميّة دراسة علم النصّ وفهم أبعاده وتفسير الظواهر وأساليب النصّوص العربيّة، متوصلًا الباحث من طريقها إلى جملّة من النتائج بمثابة حصيلة ومرجع مُهم يستفيد منها القارئ والباحث معًا؛ ليُصبح (نحو النص عند العرب) إضافة حديثة ومُميزة للمكتبة العربيّة، ومرجعيّة جديدة في نحو النصّ في التراث العربيّ.
كتاب: "نحوُ النصّ عند العربِ"
المؤلف: د. محمد بن سالم بن خلفان المسلمي.
الناشر: دار الفكر المعاصر، 2024م.
عدد الصفحات: 328 صفحة.