منذ أن بدأ الأوروبيون في استكشاف الآثار المصرية والتنقيب عنها، سيطرت عليهم قناعات قوية بأن للمصريين القدماء قدرات بعضها خارجة عن القوانين الطبيعية، وبعضها الآخر ذات طابع علاجي، فعلى سبيل المثال انتشر في القرن الماضي ما عُرِف بـ«لعنة الفراعنة»، والتي تقتل كل من ينتهك حرمة المقبرة.
أما الشق الآخر العلاجي فمنذ بدء اكتشاف المومياوات المصرية انتشر اعتقاد في أوروبا بأن لتلك المومياء قدرة على علاج جميع الأمراض بداية من الصداع وصولًا للطاعون الدبلي، وساد هذا الاعتقاد تحديدًا في بريطانيا، حيث كانت تستخدم المومياء المصرية في طقوس السحر وصناعة العقاقير والأطعمة منذ العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر، ولكن هل انتهت تلك القناعة بين الأوروبيين؟ وهل تسربت تلك القناعات لبعض المصريين سواء في الصعيد، بين من يتعاملون مع المستكشفين والأثريين، أو في مصر بشكل عام؟
النوم بجوار مومياء لعلاج الشلل النصفي
لا تزال القناعة الأوروبية بوجود قدرات علاجية للمومياوات المصريات، أو الآثار المصرية بشكل عام، مستمرة حتى الآن ولكنها أخذت شكلًا يندرج تحت بند «العلاج بالطاقة»، لذا تواصل «ساسة بوست» مع الهولندية إيفون تاكين، 50 عامًا، وهي واحدة من المهتمين بالآثار المصرية القديمة وعلاقتها بالطاقة والعلاج، والمشاركة في المنتجع العلاجي «بيت الحياة» في سوهاج، وقد قالت إيفون إن «لبعض المومياوات المصرية قدرات علاجية قوية لدرجة يجب معها اتخاذ الحذر»، مؤكدة أنه في عوالم العلاج بالطاقة غير مسموح لأي شخص بالتعامل مع مومياء لعلاج شخص آخر أو علاج نفسه إلا إذا كان مؤهلًا.
«غير مسموح بهذا النوع من العلاج إلا لأصحاب الأرواح النقية والخبراء في علاج الطاقة»؛ هكذا تؤكد إيفون، مشيرة إلى أن العلاج بالمومياء سلاح ذو حدين ويجب على من يتعامل مع المومياء في العلاج أن يكون مدركًا لطبيعة «النور» الذي تحمله تلك المومياء، على حد وصفها.
وتزور إيفون مصر ثلاث أو أربع مرات سنويًّا، في كل مرة تصطحب معها مجموعة من السائحين لأغراض علاجية، وتعتمد في طرق علاجها على التعامل مع المومياء المصرية وبعض الآثار المصرية، وتقول إنها كانت شاهدة على واقعة علاج بالطاقة من خلال اثنين من المومياوات المصرية كان يملكهم رجل من الصعيد، وكان يستخدمهما لهذا الغرض.
وأضافت إيفون أنها حضرت جلسة علاج لرجل هولندي مصاب بشلل نصفي، وكان عليه أن ينام بين المومياوات وقد فعل، وعندما سألها «ساسة بوست» عن باقي تفاصيل تلك الجلسة العلاجية التي حضرتها قالت: «هذه معلومات إذا وقعت في الأيادي الخاطئة قد تجلب المعاناة والخطر عليه وعلى من حوله».
العلاج النفسي بالآثار المصرية
في عام 2015 ذهبت مروة (اسم مستعار) 30 عامًا، إلى أحد المعالجين بالطاقة في الصعيد بعد أن حدثتها صديقة صعيدية عن قدرات الرجل في العلاج بالطاقة باستخدام بعض الآثار المصرية، وقد كان غرضها من العلاج التخلص من الاكتئاب والتوتر المزمن وبعض العادات الإدمانية، تقول مروة لـ«ساسة بوست» إن طريقة العلاج التي شهدتها في ذاك الوقت كانت «غريبة بعض الشيء».
هذا الرجل كان يمتلك قطعًا مهدمة من جدران بعض المعابد، وأحد تلك الأحجار كان مرسومًا عليه عقرب، وقد كان الرسم واضحًا تمامًا، وكان يترك معها ثلاث قطع على أن تنام هي على ظهرها واضعة قطعة قرب منطقة القلب، وقطعة على أسفل الصدر وقطعة على المعدة، وتحرص على أن تنام بهذا الشكل حتى الصباح، واستمرت على هذا الطقس لمدة أسبوع كامل، بجانب جلسات أخرى كانت يُجريها لها المعالج الصعيدي على ظهرها وقدميها؛ حتى شعرت مروة بتحسن نفسي بالفعل، وتقول: «لا أدري هل هو الإيحاء أم أن لهذه الأحجار قدرات علاجية بالفعل».
الإيمان بقدرات الآثار المصرية بشكل عام على العلاج، لم يتوقف لدى الأجانب فقط، فحين زارت معدة هذا التقرير أحد معابد مصر القديمة وهمَّت أن تشعل عودًا من البخور في المعبد، هرع إليها الأمن ليمنعوها عن ذلك، وأوضحوا لها أن إشعال البخور في المعابد المصرية أصبح ممنوعًا بأمر من وزارة الآثار المصرية نظرًا إلى أن العديد من السائحين القادمين من أنحاء العالم يقيمون طقوسًا علاجية غريبة عبر استخدام البخور والشموع في المعابد، وأن الوزارة رأت في ذلك تهديدًا لسلامة جدران المعابد بسبب الأدخنة المتصاعدة من البخور.
زيارة المعابد للنجاح في الامتحانات.. وعلاج العقم
تواصل «ساسة بوست» مع محمد خضر صاحب المنتجع العلاجي في قرية أبيدوس، والذي يمارس العلاج بالطاقة عن طريق الطب الفرعوني القديم باستخدام الأعشاب والزيوت العطرية؛ فأكد خلال حديثه أن الأوروبيين ليسوا وحدهم من يصدق بقدرات الآثار المصرية القديمة على العلاج أو الاستجابة للطلبات الإنسانية بشكل عام.
وأشار خضر إلى أن معظم معابد مصر وبخاصة معبد الكرنك ومعبد سيتي الأول في سوهاج، حيث توجد المقبرة الرمزية للإله أوزريس، ذات قدرات علاجية؛ مضيفًا: «هناك اعتقاد كبير بأن زيارة أماكن معينة في تلك المعابد وفي أوقات معينة تساعد النساء على الإنجاب»، لافتًا إلى أن للـ«أوزريين» (معبد لعبادة أوزوريس) أيضًا سمعة قوية بين سكان الصعيد بأن له قدرات علاجية، وكذلك بركة الماء فوق سطح معبد سيتي الأول في سوهاج، إذ يؤمن بعض سكان الصعيد بأن الاستحمام في هذا الماء يشفي ويقي من بعض الأمراض ويعالج النساء من العقم.
وحكى خضر أنه في قرية أبيدوس كان هناك رجل مشهور يملك جعرانًا أثريًّا لونه أزرق، وقد كان هذا الرجل المسن قادرًا على علاج النزيف لدى النساء بهذا الجعران أو هكذا أُشيع عنه، مضيفًا أن بعض المعابد التي تحتوي على تماثيل كبيرة يلف الناس حولها سبعة مرات مع الشكوى بما يجول في بالهم وطلب حل الأمر كما يعتقدون، لافتًا إلى أن تلك القناعة بالشفاء وتحقيق الأمنيات تمتد لتشمل الجعران الموجود في معبد الكرنك بالأقصر بجوار البحيرة المقدسة؛ إذ يلف الناس حولها سبع مرات بنية حل مشكلة معينة.
وذكر في هذا السياق أنه يُشاع في محافظة سوهاج، خاصة بين كبار السن، أن هناك غرفة في هيكل أوزريس بداخل معبد سيتي الأول لها القدرة على علاج المشكلات النفسية والجسدية، وأن هناك تعويذة تقال في هيكل رع يعتقد البعض أنها تحل المشكلات إذا جرت تلاوتها داخل الهيكل.