قبل سنتين، أطلقت وزارة التعليم المغربية «المشروع الوطني للقراءة»، وهو أول مشروع من نوعه في البلاد، برسالة كبرى تتمحور حول إحداث نهضة في القراءة عبر جعلها أولوية لدى فئات المجتمع المغربي لتحقيق استدامة معرفية تسهم في جعل المملكة المغربية في الصدارة ثقافيا بأطفالها وشبابها وسائر مواطنيه، وسعيا إلى تشجيع طلاب المدارس وطلاب الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وأساتذة التعليم المدرسي على القراءة.
المشروع القِرائي والمعرفي الذي بلغ مرحلة التصفيات الوطنية في نسخته الثانية، بدأ أول خطواته في ظل معطيات صادمة كشفت عنها تقارير رسمية مغربية بخصوص مستوى القراءة بالمغرب والتي تفيد بتدهور مستوى تعلّمات الطلاب في مختلف المستويات الدراسية، وبحسب المعطيات فإن «77 في المئة من الطلاب في التعليم الابتدائي لا يجيدون قراءة نص باللغة العربية مكوّن من 80 كلمة. كما أن 70 في المئة لا يستطيعون قراءة نص باللغة الفرنسية مكون من 15 كلمة».
أربعة أبعاد
بالنسبة للدكتور فؤاد شفيقي، المنسق العام لـ «المشروع الوطني للقراءة»، يروم المشروع العُشري تنمية الوعي بأهمية القراءة باللغتين الرسميتين بالمغرب، وهما اللغة العربية واللغة الأمازيغية، وﺗﻮﺟﻴﻪ طلاب اﻟﻤﻐﺮب وشبابه بجميع المؤسسات التكوينية والتعليمية في البلاد بما فيها مؤسسات التعليم العالي، لمواصلة اﻟﻘﺮاءة اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﻨﺎﻗﺪة وفق أربعة أبعاد أو مكونات.
واستعرض الخبير في علوم التربية، متحدثا لـ «القدس العربي»، أبعاد المشروع التنافسي المعرفي، موضحا أن البُعد الأول يرتكز على المنافسة في القراءة بين طلاب المدارس، وتشمل جميع الطلاب المغاربة من المستوى الدراسي الأول الابتدائي حتى السنة الأخيرة في المرحلة الثانوية، بمن فيهم طلاب المؤسسات الخاصة والعمومية والتعليم العتيق (طلاب يدرسون في مؤسسات تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية)، إذ يواصل الطلاب قراءة الكتب وتلخيصها وفق آليات ومعايير محددة.
وأفاد المنسق العام لـ «المشروع الوطني للقراءة»، والذي يشغل منصب المفتش العام للشؤون التربوية بوزارة التعليم المغربية، أن البُعد الثاني يتعلَّق بـ «الأستاذ المثقف»، وهو منافسة في القراءة خاصة بالمعلّمين بالتعليم المدرسي، وتشمل جميع معلمي المستويات الدراسية من المستوى الأول الابتدائي إلى آخر سنة بكالوريا (ثانوية عامة)، في التعليم الخصوصي والعام والتعليم العتيق ويستهدف هذا البعد المعلمين الذين يمتلكون المهارات المهنية والإيمان الكامل بأن القراءة هي الحل الأمثل لبناء شخصية الأستاذ والتلميذ.
وسيعرف بُعد «القارئ الماسي» منافسة في القراءة بين طلاب التعليم العالي، يضيف الدكتور شفيقي، وتشمل جميع طلبة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، حتى يُواصل الطلاب قراءة الكتب وتلخيصها والتفاعل معها استمرارا للعادات التي اكتسبوها في التعليم المدرسي وفق آليات ومعايير محددة.
وأبرز المتحدث أن بُعد «المؤسسة التنويرية»، يهُمّ التنافس بين المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية والمدنية الأكثر دعما لأهداف المشروع الوطني للقراءة، وفق معايير محددة، والتي تقدم مشروعات ثقافية نموذجية مستدامة قائمة على أسس علمية. وأضاف أنه يتعين على المؤسسات المشاركة في المسابقة توثيق مبادراتها المعرفية، والتي لا تدخل في إطار مهامها الرسمية، طيلة سنة، موضحا أن الغاية تروم احتضان 5 مؤسسات لها تجربة من أجل تشجيع القراءة في المجتمع والرفع من منسوب القراءة سنويا.
دعوة للمعرفة
النسخة الأولى من المشروع، عرفت مشاركة أزيد من 272 ألف طالب و1846 معلم، إلى جانب 488 مؤسسة تنويرية. والطالبة عبير عازم واحدة من الفائزين في فئة الطلاب من المستوى الإعدادي، والتي تعتبر أن «المشروع الوطني للقراءة»، ليس مجرد مسابقة، بل هو دعوة لفتح أبواب المعرفة وتوسيع الآفاق، مما يعزز حب القراءة كأداة أساسية للتعلم والنمو الشخصي. ولفتت إلى أنه من خلال هذا المشروع، «يتحقق التواصل بين الجيل الجديد والموروث الثقافي العربي والعالمي، مما يمنحنا فرصة للتفاعل مع الأفكار والرؤى التي تشكل عقولنا المستقبلية».
متحدثةً عن مشاركتها في منافسات المسابقة، أكّدت عبير عازم ضمن تصريح لـ «القدس العربي»، أنها كانت رحلة غنية بالتحديات والإلهام، بدأت بتحديد الكتب التي أثرت فيها. كما سَعَت بجدية لتطبيق مهارات القراءة النقدية، وقالت: «لم أكتفِ فقط بالقراءة، بل تعمقت في فهم المغزى وراء الكلمات، والتفكير في الرسائل التي تحملها. ولأن المشروع يتطلب منا ليس فقط القراءة، بل أيضًا التأثير، قمت بمشاركة أفكاري وآرائي مع الآخرين، مما فتح لي آفاقًا جديدة من النقاشات المثمرة».
واعتبرت الطالبة عازم أن فوزها في هذه المسابقة لم يكن مجرد تتويج على جهد فردي، بل كان شهادة على أن الكتابة والقراءة يمكن أن تخلق تأثيرًا إيجابيًا في المجتمع. وتابعت: «تعلمتُ الكثير عن نفسي، عن قدرتي على التحليل، وعلى كيفية التواصل مع الآخرين بطريقة أكثر عمقًا وصدقًا. والشيء الأكثر قيمة هو أنني الآن أدرك أكثر أهمية القراءة في حياتنا وكيف يمكن أن تكون محركًا للتغيير والتطور».
إلى ذلك، يروم «المشروع الوطني للقراءة» المقام بشراكة مع «مؤسسة البحث العلمي» الإماراتية تحقيق سبعة أهداف محورية، تتمثل في تنمية الوعي بأهمية القراءة لدى المجتمع المغربي لتحقيق المشهد الثقافي المنشود، وتمكين الأجيال من مفاتيح الابتكار عبر القراءة الإبداعية الناقدة المنتجة للمعرفة، وتعزيز الحس الوطني والشعور بالانتماء عبر دعم القيم الوطنية والإنسانية، وإثراء البيئة الثقافية في المدارس والجامعات بما يدعم الحوار البناء والتسامح وقبول الآخر، وتشجيع المشاركات المجتمعية الداعمة للقراءة، والعناية بكتب الناشئة عبر إثراء المكتبات ورفع جودة المجتمع والإخراج، وتقديم مشروع ثقافي نموذجي مستدام قائم على أسس علمية لتشجيع مشروعات مماثلة.
وعلاوة على هدفه الرئيسي المتمثل في تشجيع الطلاب على القراءة، يهدف المشروع الوطني للقراءة في خطته العُشرية إلى تعزيز فاعلية المؤسسات المدنية لتنهض بدورها المجتمعي في دعم القراءة بكل أوجهها وتنمية ما يحقق الأهداف المنشودة للمساهمة في النهضة التربوية.