يعد شهر رمضان في تايلاند موسما جديدا تتزين فيه الحياة، وتتشكل فيه فسيفساء تمزج ما بين العادات القديمة والحديثة التي يختص بها شهر الصوم والذي يعتبر موسما لافتتاح المساجد الجديدة وهي عادة يحرص عليها أهل كل مدينة وقرية لاسيما في الجنوب أو على الأقل تجميل وتزيين المساجد القائمة، ولما لا وهو شهر تجدد فيه الروح طاقتها وتستعيد العائلات ترابطها، لكن ماذا عن بقية عادات رمضان في تايلاند؟
· دعني أعود بك إلى بدايات شعبان، إذ تنعقد الاختبارات لمن أتموا حفظ القرآن الكريم حديثا ومع بدايات شهر رمضان تُعلن أسماء الحفاظ احتفاء بهم وتكريما لهم، كما يذكر محمد داوود سماره في كتابه "مسلمو تايلاند.. التاريخ والمستقبل"، وتفتح أمامهم أبواب المساجد للتلاوة وإمامة المسلمين في الصلاة، وتشتهر تايلاند بحفاظها الذين يحجزون مقاعدهم الأولى في مسابقات القرآن سنويا.
· ما إن يعلن شيخ الإسلام في تايلاند ثبوت رؤية هلال شهر رمضان إلا وتبدأ الاحتفالات في مناطق المسلمين سواء في العاصمة بانكوك أو مناطق الشمال، أو في الجنوب حيث تتركز غالبية مسلمي تايلاند.
· هنا في الجنوب يبدأ الاحتفال برمضان قبل أسبوع من بدايته، حيث تقوم العائلات بالتنزه والخروج إلى المطاعم وشراء احتياجاتهم، ويتجمع المسلمون لتنظيف المساجد وتزيينها، ولا يفوتهم تحري رؤية هلال رمضان في الأماكن المخصصة لذلك.
· طاولة في المسجد
· وفيما يخص الإفطار الجماعي بالمساجد فهو على صورتين، أولاهما هي ما تعرف بـ"تحديد الطاولات" كأن يحدد القائمون على إدارة المسجد عددا من الطاولات للإفطار الجماعي، ويتطوع مسلمون بتجهيز طعام الإفطار لطاولة أو أكثر حسب استطاعة كل منهم حيث يعد الإفطار لهذه الطاولة التي تكفي لخمسة أو ستة أشخاص، وهنا يتنوع الطعام بحسب ما أعده كل بيت، أما الثانية فهي أن يقام بالمسجد إفطار جماعي والطعام موحد لكل الطاولات، وغالبا ما يكثر الإفطار الجماعي بالمساجد في العشر الأخيرة من رمضان، وهناك وجود ملحوظ لمساهمات مؤسسات خيرية من الدول والعربية والإسلامية بإعداد إفطار الصائمين.
·
وبخصوص الأطعمة كعادة شعوب جنوب شرق آسيا، يتربع الأرز والأسماك على مائدة الإفطار بجانب الحساء والسلطات، ومشروب جوز الهند وقصب السكر، وكما في بلادنا العربية أيضا تتهادى الأسر بأطباق رمضان.
· البلال يضرب الدفوف
· وتشتهر هذه المناطق بعادة كانت في الماضي وترتبط بشهر رمضان لكنها لم تعد موجودة في أغلب المناطق مع التطور التكنولوجي ومكبرات الصوت، وهي عادة ضرب الدفوف، حيث كانت تُضرب الدفوف في المساجد للتنبيه بدخول وقت الإفطار والسحور، وكان الشخص الذي يقوم بهذه المهمة يسمى "البلَال" أسوة بالصحابي الجليل بلال بن رباح مؤذن الرسول.
المسلمون في تايلاند
· إذا كانت هذه مظاهر رمضان في تايلاند خاصة بمناطق الجنوب، فلابد وأن للحضور الإسلامي فيها خصوصية، وهذا ما يجسده الواقع، فالإسلام يشكل حضورا قويًا في المحافظات الجنوبية الخمسة وهي "فطاني، جالا، ناراتيوات، ستول، وجزء من سونكلا)، ويشكل مسلمو الجنوب حوالي 80% من مسلمي تايلاند عموما، وهؤلاء أغلبهم من العرق الملايوي، كما أن نسبة المسلمين لا بأس بها في المحافظات الجنوبية الأعلى وهي "فوكيت، كرأبي، فتلونج، وسورات تاني"، بالإضافة إلى الوجود الإسلامي في المنطقة الوسطى بالعاصمة بانكوك وضواحيها، وهؤلاء أغلبهم نتاج التهجير القسري لمسلمي الجنوب ويشكلون 4% من مسلمي تايلاند، أضف إليهم مسلمو المنطقة الشمالية والذين يمثلون حوالي 1% من مسلمي البلاد.
· وحول نسبة المسلمين في تايلاند تتفاوت الإحصاءات ما بين 5 إلى 10%، ووفق تقديرات المسلمين فإنهم نحو 10 ملايين مسلم من إجمالي سكان البلاد البالغ 69 مليون نسمة، أما عن التعايش فيتمتع المسلمون بحرياتهم كاملة من عبادات وإنشاء المساجد التي تقدر بنحو 3500 مسجد، ولهم قوانينهم التي تتوافق مع الإسلام، ومنهم مسؤولون ووزراء، إلا أن مناطقهم الجنوبية ظلت لفترات طويلة تعاني تهميشا في التنمية مقارنة ببقية أقاليم البلاد، وإن كان الوضع أحسن حالا في السنوات الأخيرة.
· ويتمتع المسلمون في تايلاند "التي كانت باسم مملكة سيام" وتغير إلى تايلاند في يونيو 1939″ بحرية دينية؛ بموجب المادة (5) من الدستور الصادر عام 2007م والذي ينص على المساواة في الحقوق بين أفراد الشعب التايلاندي بغض النظر عن الانتماء الديني، كما لا يمنع الدستور المسلمين من تشكيل الأحزاب السياسية.