تنشغل الأم نورة آدم بتحضير وجبة مما تيسر من طعام لطفليها بجوار كوخ أووا إليه منذ سنوات في أحد مخيمات النازحين بضواحي العاصمة الصومالية مقديشو، وذلك بعد أن ضرب الجفاف أراضيهم وشردهم من المناطق الجنوبية في البلاد. تستغرب الأم عند سؤالها عن تعليم طفليها، وهما بنت في الـ11 من عمرها وولد في التاسعة، وتقول أن الأولوية لإبقائهما على قيد الحياة. تقول نورة للجزيرة نت "أسرتنا تصارع للبقاء على قيد الحياة، ووضعنا المعيشي غير مستقر، نأكل يوما ونجوع في آخر، ولقمة العيش غير مضمونة، ناهيك عن رسوم الدراسة، لذلك التفكير في التعليم غير وارد"، تصمت قليلا، ثم تعود لتقول إن أولادها بحاجة إلى التعليم ولمن يؤمّن لهم الطعام في الوقت نفسه.
وحال عائلة نورة هو واقع الأغلبية في مخيمات النازحين، فالعين لا تخطئ عددا كبيرا من الأطفال في سن التعليم يقضون أوقاتهم بين جنبات المخيمات، وترتسم المعاناة على وجوههم رغم المبادرات الخجولة لتوفير التعليم لبعض أطفال النازحين في المخيمات.وأجبرت ظروف الجفاف والحروب والنزاعات القبلية التي يشهدها الصومال ملايين الصوماليين على النزوح من مناطقهم بحثا عن الطعام وملاذ آمن.
وتقدر المنظمات الإنسانية مجمل عدد النازحين داخل البلاد بنحو 3 ملايين، منهم 1.4 مليون طفل بلغوا سن التعليم ولم تتح لهم فرصة الحصول عليه.
جوع في الفصول
في منطقة غرسبالي بضواحي مقديشو -التي تضم عددا كبيرا من المخيمات- تقف المعلمة فاطمة عبد القادر في فصل ضيق من فصول "مدرسة نظيفة الأساسية"، حيث يتكدس التلاميذ النازحون على مقاعدهم متلاصقين، فيما يفترش آخرون أرضية الفصل، وتقرأ المعلمة درس اللغة الصومالية كلمة كلمة، ويردد التلاميذ بعدها ما تقوله.
تقول المعلمة إن التلاميذ متحمسون لتلقي الدروس رغم قدرتهم الضعيفة على الاستيعاب، فمع وصولهم إلى المدرسة سرعان ما يغلب عليهم التعب والإرهاق لأن مِعيهم خاوية وأسرهم غير قادرة على توفير الطعام لهم، إضافة إلى نقص التجهيزات من دفاتر وأقلام ومقررات دراسية، وضيق الفصول الدراسية وارتفاع درجة الحرارة والرطوبة.
وبسبب محدودية ميزانيتها يقتصر تعليم هذه المدرسة على المرحلة الأساسية وحتى الفصل الأول للمرحلة المتوسطة.
ووفقا لمسؤولة مخيمات منطقة غرسبالي نظيفة حسين، فإنها شخصيا أسست 6 فصول قبل عدة سنوات، وتعاونت بعض المنظمات الإنسانية في تجهيز 3 منها، فيما تكفلت هي بإمكانياتها بتسيير شؤون باقي الفصول. ويعمل في هذه الفصول 9 مدرسين متطوعين، وبما أن التلاميذ يأتون إلى المدرسة جياعا فإنهم يعدون لهم وجبة غذائية واحدة في منتصف اليوم كحافز لاستمرارهم في التعليم، حسب نظيفة حسين التي قالت للجزيرة نت إن مخيمات منطقة غرسبالي -التي تقيم فيها 7082 أسرة من النازحين- بحاجة إلى مزيد من المدارس.
الملايين خارج التعليم
ويعد الصومال من البلدان التي تسجل أدنى المستويات في التحاق التلاميذ بالمدارس، ووفق صندوق الأمم المتحدة للطفولة فإن 33% فقط من الأطفال الصوماليين يتعلمون في المدارس من أصل 5 ملايين طفل بلغوا سن التعليم، أي أن أكثر من 3 ملايين طفل خارج المدرسة نتيجة غياب شبه تام للتعليم المجاني، وبسبب الرسوم الدراسية الباهظة للمدارس الخاصة. ويتراوح متوسط الرسوم الدراسية للمرحلة الأساسية بين 10 و60 دولارا، فيما تتراوح رسوم المرحلة الثانوية بين 25 و80 دولارا في بلد متوسط دخل الفرد لا يتجاوز دولارين.
تعليم بعيد عن النازحين
وتدير الحكومة الصومالية 24 مدرسة في العاصمة مقديشو فقط، حيث يتوفر التعليم المجاني لنحو 17 ألف طالب، وفق دراسة لمركز "الأجندة العامة" عام 2019.
لكن المستفيدين من التعليم الحكومي المجاني المحدود أغلبهم من الأسر الفقيرة الساكنة داخل مقديشو وليست النازحة في أطرافها، والذين لا توجد في مخيماتهم مدارس، حسب رئيس المركز الصومالي للتعليم والبحوث الدكتور عبد الشكور الشيخ حسن.
ويعزو الشيخ حسن ذلك إلى قلة الميزانيات المخصصة للتعليم، والتي تقدر بحدود 3% من الموازنة العامة البالغة 918 مليون دولار، والتي تكفي لتسديد رواتب الموظفين في وزارة التعليم وتسيير شؤونها الإدارية، الأمر الذي يؤثر سلبا على جودة التعليم المجاني الحكومي.
ويضيف رئيس المركز الصومالي أن النظام التعليمي غير المستقر، وغياب سياسة تعليمية واضحة، ووقوع معظم المدارس المملوكة للدولة في أيدي التعليم الخاص يجعل من الصعب توفير فرص تعليمية مجانية للنازحين وغيرهم.