تخطي إلى المحتوى
عدنان مدانات: المطلوب سينما عربية وطنية عدنان مدانات: المطلوب سينما عربية وطنية > عدنان مدانات: المطلوب سينما عربية وطنية

عدنان مدانات: المطلوب سينما عربية وطنية

عدنان مدانات مخرج وباحث وناقد سينمائي أردني من مواليد عمان (1946)، نال الدبلوم العالي في السينما والتلفزيون من جامعة موسكو في عام 1970. أعد برامج تلفزيونية، وكتب سيناريوهات أفلام، ونظم ورشات عمل لتعليم السينما وعلم الجمال. ألف عددًا من الكتب عن السينما. من أبرزها "بحثًا عن السينما"، و"غرائب الأيام في خفايا الأفلام"، و"سينما تبحث عن ذاتها". في سجلِّه السينمائي عدد من الأفلام التسجيلية الوثائقية، نذكر منها: "لحن لعدة فصول" (1972)، و"التكية السليمانية" (1972)، و"خبر عن تل الزعتر" (1976)، و"رؤى فلسطينية" (1977). كما تعاون في إنجاز أفلام أخرى، لعل أهمها: "فلسطين سجل شعب" (1982)، مساعدًا للمخرج قيس الزبيدي.
يوغل مدانات الآن في العقد السابع من عمره، ومع ذلك نراه في كامل قيافته الذهنية والصحية، وهو المسؤول عن نادي السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان في عمان. ومساء كل يوم ثلاثاء، منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، هنالك فيلم يعرض من مختارات لجنة السينما في شومان. لم يحدث أن انقطعت الأفلام أسبوعًا واحدًا، إلا لأسباب خارجة عن الإرادة.
من يرى عدنان مدانات هذه الأيام يجده قلقًا إزاء ما يعصف بوعي المشاهد مع التطور التكنولوجي، وشيوع الأفلام المتاحة للجماهير من دون حسيب أو رقيب، خاصة أنه الذي أمضى عمره مسؤولًا عن عرض أفلام في نواد سينمائية، سواء في دمشق، أو بيروت، أو عمان.
هنا، حوار معه:

 

(*) نعرفك منذ زمن طويل ناقدًا سينمائيًا متفردًا لك وجهة نظر مختلفة. لكن، ربما، أهم ما في تجربتك في سياق حوارنا هذا، مسؤوليتك طوال سنوات عن نواد سينمائية تعرض أفلامًا مختارة لجمهور عام. هل تحدثنا عن هذه التجربة. وقبل ذلك، هل تعود بنا قليلًا إلى بداياتك؟
يعود اهتمامي بالسينما إلى سنوات شبابي، وهذا ما دفعني إلى دراسة السينما في جامعة موسكو لمدة خمس سنوات، حيث تخرجت في عام 1970 بدرجة ماجستير فنون. أصبحت السينما بعد ذلك بالنسبة ليس هواية وحسب، بل مهنة، فعملت مخرجًا لأفلام تسجيلية، وناقدًا وباحثًا ومترجمًا لكتب عن السينما، ومحاضرًا، أي أنها أصبحت نمط حياة.
بدأت تجربتي مع عروض نوادي السينما في عام 1971، من خلال النادي السينمائي في دمشق، وتطورت وتعمقت مع علاقتي بالنادي السينمائي العربي في بيروت، الذي تأسس في عام 1974، وكنت أحد أعضاء هيئته الإدارية.
استفدت من هذه التجربة عندما أسست للعروض السينمائية العامة في مؤسسة عبد الحميد شومان في عمان، حيث باشرت هذه العروض وفق قاعدة التعريف بأهم منجزات الفن السينمائي، قديمها وحديثها، في مختلف دول وقارات العالم، وتعريف الجمهور على سينما لا يعرفها ولا يعرف أن عليه أن يعرفها. التجربة نجحت، والدليل استمرارها من دون توقف، أو ضعف، على مدى يزيد على الثلاثين عامًا.

 
"ما تزال إشكالية الإنتاج السينمائي المشترك ما بين السينمائيين العرب الأفراد والجهات الأوروبية الممولة تطرح نفسها بقوة وبشكل متجدد مع كل فيلم جديد يتم إنتاجه بتمويل أجنبي"

(*) يلاحظ أن أغلب الأفلام التي تعرضها لجنة السينما هي أفلام قديمة. هل يعني هذا أن السينما بدأت مبدعة، ثم دخلت، ربما، في متاهات ما؟
ليست غالبية الأفلام التي نعرضها تعود إلى زمن بعيد، ولا نتقصد ذلك، بل ننوع قدر الإمكان، مع الحفاظ على المستوى الفني النوعي للأفلام، والقيمة الفكرية. السينما بدأت مبدعة، واستمرت كذلك، فهي تتطور كفن باستمرار. ونحن نتابع في عروضنا هذا التطور.

(*) أنت مسؤول عن عروض سينمائية لجمهور عام منذ وقت طويل. والعروض تحقق نجاحًا ملحوظًا، رغم أنك في عروضك لا ترتهن إلى ما يريده الجمهور، بل تعرض ما تراه يتناسب مع فن السينما. في رأيك، إذا قررت، لسبب ما، التنحي عن هذه المهمة، هل تضمن استمرار النجاح الذي تحققه عروض السينما في مؤسسة شومان؟
اكتسبت عروض الأفلام في مؤسسة شومان سمعة طيبة خلال أكثر من ثلاثة وثلاثين عامًا، ومن المهم المحافظة على هذه السمعة، وإلا ستفقد العروض مبررات وجودها، في ظل توفر فرص مشاهدة الأفلام لأي كان من خلال وسائط متنوعة ومتاحة للجمهور العام، وهذا يحتاج إلى جهود أشخاص تتوفر لهم الخبرة والمعرفة والشغف.

(*) يلاحظ أيضًا أن عروض الأفلام التي تعرضها تعود، في غالبها، من حيث الأصل، أو بالأحرى الإنتاج، إلى دول غير معروفة في عالم السينما، في حين تغيب أفلام هوليوود، وما شابه؟
بدأنا العروض العامة المجانية باختيارات أفلام من دول الجمهور غير معتاد على مشاهدة أفلام من إنتاجها. كانت الأفلام السائدة تضم بخاصة أفلامًا أميركية، أو هندية، أو مصرية، لكننا بدأنا بفيلم يوغسلافي، وأتبعناه بفيلم بلغاري، ثم أقمنا أسبوعًا لأفلام المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي التسجيلية والروائية، القصيرة والطويلة. تابعنا هذه السياسة بنجاح خلال مسيرتنا الطويلة هذه. طبعًا، كان لنا اهتمام خاص بأفلام الدول الفقيرة، أفلام أفريقيا، شرق آسيا، الأفلام العربية، أفلام أميركا اللاتينية، وحتى أفلام الدول الأوروبية غير الرائجة تجاريًا. فهذا من المهام الرئيسية لأي نادي سينما يحمل رسالة تنويرية. لم نهتم بأفلام هوليوود، ولم ننخدع بجوائز الأوسكار. ومع ذلك، لم نتجاهل أي فيلم أميركي وجدنا فيه قيمة فنية ومضمونًا هامًا عميقًا.

(*) تقول إن السينما تتطور. ماذا عن رواد السينما، وكيف كانت الحال مثلًا في بدايات العلاقة بين المشاهد والسينما؟
قبل ما ينوف على الخمسين عامًا وأكثر، كانت صالات السينما في بلادنا، في أكثر من مدينة كبيرة، تشكل نشاطًا اجتماعيًا تساهم فيه مختلف شرائح المجتمع المدني. وكان رواد الصالات عشاق للسينما، يذهبون لحضور الأفلام فرادى، أو مجتمعين، وكذلك من جماعات العائلات الذين كانت تخصص لهم صفوف ومقاعد محددة. أما الأفلام التي كانت تعرضها صالات السينما فكانت متنوعة، يناسب كل منها أذواقًا مختلفة، وفئات عمرية واجتماعية وثقافية مختلفة. وكان من الشائع حينها تقسيم الأفلام إلى أنواع، فهنالك أفلام اجتماعية، وأخرى عاطفية، وغيرها: تاريخية وحربية وبوليسية وكوميدية، وكذلك غنائية. وهذا التقسيم كان ينطبق على الأفلام العربية والأجنبية سواء بسواء. ونضيف إلى ذلك خاصية مهمة كانت تتمتع بها صناعة الأفلام في حينه، وهي أنها كانت متحفظة في عرضها للعلاقات العاطفية، فلا يوجد فيها جنس مثير وعري إباحي، ومتحفظة في تقديم حالات العنف، وفي تصويرها للصراعات بين الأفراد، فلا توجد فيها دماء تنفر من الأجساد، أو أشلاء أجسام الضحايا التي تتناثر بشكل مقزز فتصدم المشاعر المرهفة.

(*) متى بدأ التغير في سياق هذه العلاقة بين الجمهور وشاشة السينما؟
بدأت هذه الحال تتغير منذ الربع الأخير من القرن العشرين المنصرم، إذ بدأ الزمان يجور على صالات السينما، فصارت تغلق أبوابها واحدة تلو الأخرى، بداية في المدن خارج العاصمة، وصولًا إلى صالات السينما في العاصمة نفسها. وكان ذلك يحصل بالتزامن مع العزوف المتزايد عن ارتياد صالات السينما، خاصة من قبل جماعات العائلات، لأسباب عدة، أي أن العلاقة مع صالات السينما لم تعد تشكل نشاطًا اجتماعيًا عامًا.
رافق هذا التغير في أوضاع صالات السينما تغيرٌ في طبيعة الأفلام التي بدأت تفقد مع الأيام تحفظاتها، فصارت تبالغ في تصوير وعرض العنف الدموي والعري المباح، وأصبحت الأفلام الكوميدية تتجه نحو الابتذال بتسارع مطرد، وتخلت الأفلام الموسيقية عن الألحان الجميلة والأغنيات التي تطرب لها الآذان لصالح الموسيقى الضاجة والأغاني الشبابية الراقصة، وتراجعت نغمات البيانو أمام دقات الطبول، وتلا ذلك تقلص أنواع الأفلام التي كانت تناسب مختلف الأذواق، أو المستويات الثقافية، وما تبقى منها صار مشمولًا تحت مظلة نوع الآكشن، وصارت الأفلام من النوع الذي لا يمكن أن يحنّ إليه المشاهدون المعاصرون بعد سنوات مثلما صار المشاهدون السابقون يحنّون إلى الأفلام التي أحبّوها ذات يوم وصارت تسمّى أفلام أيام زمان.
 

"يعود اهتمامي بالسينما إلى سنوات شبابي، وهذا ما دفعني إلى دراسة السينما في جامعة موسكو لمدة خمس سنوات، حيث تخرجت في عام 1970 بدرجة ماجستير فنون"

 

(*) كثيرًا ما نسمع دار سينما، وصالة سينما. هل ثمة فرق بينهما!
الدار تختلف عن الصالة، ففي أحضان الدار ألفة لا نعثر على مثلها في مساحة الصالة. وللدار وظيفة تختلف عن وظيفة الصالة، فعروض الأفلام في صالة للسينما هي استثمار تجاري؛ في حين أن عروض الأفلام في ما يمكن عدّه دارًا للسينما يمكن بالتأكيد أن تكون ذات طبيعة ثقافية، وجزءًا من استراتيجية تنمية ثقافية.

(*) ماذا تقول عن تجربة الإنتاج السينمائي المشترك، والسينما العربية القومية؟
ما تزال إشكالية الإنتاج السينمائي المشترك ما بين السينمائيين العرب الأفراد والجهات الأوروبية الممولة تطرح نفسها بقوة، وبشكل متجدد، مع كل فيلم جديد يتم إنتاجه بدعم تمويلي أجنبي، ويتضمن قضايا، أو عناصر مواضيعية يبدو مجرد التطرق إليها نوعًا من الالتزام، أو القبول غير المعلن من قبل السينمائيين العرب بشروط أو مواصفات عامة تتطلبها ظروف الدعم الإنتاجي، أو التمويل، ومتطلبات التوزيع العالمي، وهي عناصر يمكن أن يعدّها السينمائي العربي جزءًا من القضايا التي يهتم بها، والتي تتعلق بهمومه الوطنية، ولكنها تستجيب، في المقابل، لاهتمامات، أو توجهات، أو سياسات الطرف الآخر المموِّل، أي الطرف الأجنبي. وتكمن إحدى جوانب هذه الإشكالية في أن هذا الوضع الذي يبدو من الناحية الظاهرية وكأنه شكل بريء ومصادف من أشكال تلاقي وتشابه الاهتمامات ما بين السينمائي العربي والممول الغربي، غالبًا ما يصبح مبررًا لكيل الاتهامات للطرف الممول بأنه يفرض شروطه على السينمائيين من جهة، ولكيل الاتهامات للسينمائيين العرب، من جهة أخرى، بتقديم التنازلات للآخر الأجنبي.
بعيدًا عن الاتهامات، وما يقابلها من تبريرات، يمكن لنا أن نرى أن جوهر هذه الإشكالية لا يتعلق بالموقف من ما يمكن أن يتضمنه فيلم واحد، أو أفلام عدة، بل إن لب هذه الإشكالية يكمن في علاقتها بوضع السينما العربية حاضرًا ومستقبلًا، وبفاعلية السينمائيين العرب، وكذلك الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه ممارسة الإنتاج المشترك في المساهمة في خلق سينما وطنية، أو في الدور السلبي الذي يتجلى في منع أو إعاقة خلق مثل هذه السينما الوطنية. فالهدف المطلوب على المدى القريب والبعيد هو وجود سينما وطنية بكل ما تحمله هذه الصفة من معانٍ، وليس الاكتفاء بأفلام قليلة يتم تحقيقها بشكل فردي بين فترة وأخرى، وتفتقد هويتها المميزة، أو انتماءها الضائع ما بين جنسية المخرج وجنسية الجهة الممولة.
المطلوب، إذًا، هو الوصول إلى سينما عربية وطنية قلبًا وقالبًا.

(*) ماذا عن السينما الأردنية؟
لا بد من خطوات طموحة لخلق أرضية ملائمة لإيجاد سينما أردنية تكمل مسيرة الأفلام الأردنية الأقدم، مثل فيلم "صراع في جرش" (1957)، من إخراج واصف الشيخ، و"وطني حبيبي" (1962)، من إخراج محمود كعوش، و"الأفعى" (1971)، من إخراج جلال طعمة، و"حكاية شرقية" (1991)، من إخراج نجدة أنزور.

المصدر: 
ضفة ثالثة