الثقافة أهم أركان الهوية، فلكل مجتمع ثقافته، التي يتصرف بموجبها بعفوية إزاء الأحداث اليومية الجارية، والثقافة- في أبسط تعاريفها – إنما هي مجموع العادات والتقاليد والأفكار؛ المستقرة في ضمير الفرد، بعد ما ينسى كل ما تعلمه على مقاعد الدراسة، وهي التي ينهلها تلقائياً من بيئته ووسطه الاجتماعي، و بموجبها تتفاوت ردود أفعاله، بناءً على اختلاف البيئة التي رضع فيها ثقافته ونشأ عليها، بينما تتسق ردود أفعاله، مهما اختلفت طبقته الاجتماعية في المجتمع الواحد..
هكذا تتفق ردود أفعال الطبيب الإنجليزي، وماسحِ حذائه إزاء حدث ما، بينما ستختلف -حتماً - ردود فعل هذا الطبيب الإنجليزي، والطبيب العربي الذي يتعلم الطب ويمارسه في إنجلترا؛ إزاء الحدث نفسه..
فالعلم مصدره الكتاب،والثقافة مصدرها البيئة.. والعلم يُحصَّل بالعقل والاجتهاد،والثقافة تحصَّل تلقائياً من المجتمع.. والعلم قد لا يؤثر على السلوك، بينما الثقافة تحكم السلوك.. والعلم تراث بشري مشترك، والثقافة خصوصية لكل مجتمع.. والعلم يتطلع إلى المجهول في الآفاق ليصنع المستقبل،والثقافة تبحث عن الجذور وتتشبث بالتراث.. والعلم تراكُمٌ يتعاظم مع الأيام؛ إذا استرخت يد أمة عنه؛ نهضت به أمة أكثر شباباً وحيوية، أما الثقافة فهي خاصة بكل أمة، يعتريها ما يعتري الأمة؛ من صعود وتقدم أو هبوط وتأخر؛ بحسب المرحلة الحضارية التي تجتازها.. والعلم إذا فتر في أمة، أمكن إنعاشه ببرامج سريعة؛ كالتي طبقتها اليابان، وكوريا الجنوبية، ومصر محمد علي باشا، أما الثقافة إذا ما اعتلَّت وتحجَّرت في أمة؛ فقدت هذه الأمة شخصيتها وجذورها، وراحت تتسوَّل ثقافات الآخرين؛ تضيع بينها (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) [إبراهيم 14/ 26]!!