تخطي إلى المحتوى
2024 سنة الكوابيس والأحلام: لا معارض للكتاب ولا مهرجانات 2024 سنة الكوابيس والأحلام: لا معارض للكتاب ولا مهرجانات > 2024 سنة الكوابيس والأحلام: لا معارض للكتاب ولا مهرجانات

2024 سنة الكوابيس والأحلام: لا معارض للكتاب ولا مهرجانات

حين أردتُ أن أتذكّر الأنشطة الثقافية في لبنان خلال العام 2024، لم أتذكّر شيئا يعتدّ به. الأمر لا يتعلق بالنسيان، بل إن الثقافة كانت شبه غائبة وحافلة بالخسارات، رغم أن النصف الأول من السنة، شهد فورة مسرحيات منوعة في مسرح مونو ومسارح أخرى، وأعيد افتتاح مسرح المارتينيز، إلى جانب بعض المحاولات المتأخرة للاحتفال بطرابلس عاصمة ثقافية، لكن وقع الحرب وسجالاتها ونتائجها الصعبة، طغى على وجدان اللبنانيين، من حرب الإبادة في غزة من قبل إسرائيل إلى الغارات والاغتيالات والنزوح في لبنان، وصولاً إلى سقوط الأبد وهروب بشار الأسد في سوريا. 

لم تكن تنتهي حرب حتى تبدأ أخرى. والحرب تأخذ معها حياة الثقافة، ألوانها وأوقاتها، فلم يفتتح معرض بيروت للكتاب أبوابه في الخريف، لا التابع للناشرين ولا الذي ينظمه النادي الثقافي العربي، وألغيت مهرجانات بيت الدين بعروضها العالمية تضامناً مع الجنوب، واقتصرت مهرجانات بعلبك على حفلة لشربل روحانا والثلاثي جبران على الأعواد، احتفاء بالجنوب وفلسطين في بيروت، ومهرجانات جبيل كانتْ خجولة.. وقس على ذلك. حتى المهرجانات التي افتتحت مثل مهرجان السينما الفنية ومهرجان موسيقى بيروت، طغى عليهما الحدث السوري.

لم تكن الحروب حروباً عادية، شهدنا موجة اغتيالات غير مسبوقة وغير متوقعة، بدلت معالم السياسة في لبنان والشرق الأوسط، من اغتيال حسن نصرالله وهاشم صفي الدين وصالح العروري وفؤاد شكر وقادة الرضوان في الضاحية الجنوبية، إلى اسماعيل هنية في ايران ويحيى السنوار في فلسطين. شهدنا حرباً فيها جوانب كبيرة من الخيال العلمي والمتخيّل، سواء تفجيرات البيجر أو استهدفات المقاتلين في سياراتهم وبيوتهم من قبل المسيرات الإسرائيلية. شهدنا إبادة وجرف لمناطق وقرى بكاملها، خسرنا الكثير من المساجد التاريخية والأمكنة الثقافية في القصف، من المنشية الأثرية في بعلبك التي بنيت في زمن الإنتداب عام 1928 إلى المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في النبطية إلى متحف عبد الحميد بعلبكي في العديسة وسوق النبطية، من دون أن ننسى تضرّر بعض الآثارات القديمة والتاريخية من قلعة بعلبك الى قلعة شمع في صور العائدة إلى الزمن الصليبي. كنا من حرب إلى حرب على وقع المجازر وصوت المسيّرات وعبارات الارتقاء والالتحام والانتصارات... كأننا عشنا دهراً في سنة واحدة، أدمنا الموت والركام والأزمات، شاهدنا الشبان الذين يتسابقون لتصوير المباني التي تعرضت للقصف، في وقت غابت خطب الأمين العام لحزب الله التقليدية، وحضرتْ تحذيرات الإسرائيلي أدرعي على منصة اكس، وفي الميدان الدبلوماسي كنا على وقع خبر غادر هوكشتاين وعاد هوكشتاين، وانتهت، ولم تنته الحرب، وما لم يكن متوقعاً هو سقوط نظام الأبد في سوريا. ما كان مستحيلاً صار واقعاً، أكثر من نصف قرن من حكم البعث وآل الأسد تهاوى في بضعة أيام. السقوط كان أشبه بالحلم بالنسبة للكثيرين، خرج آلاف المعتقلين وبقي الآلاف في دائرة الاختفاء. عبد العزيز الخير وفائق المير وكثر لم يعودوا. وشهد الوسط السوري مئات التكويعات من الفنانين، من دريد لحام إلى أيمن زيدان. وأحصى بعض الناشطين عشرات التماثيل الضخمة للأسد التي أُسقطتْ أو رُميت في المستوعبات.
 

والسنة الزاخرة بالحرب والآلام والمجازر والتغيرات الاقليمية والتهكم على الكلسون الأسدي، كانت حزينة أيضاً بفقدان بعض الشخصيات الثقافية، من الروائي اللبناني الياس خوري، "دينمو" الحياة الثقافية في بيروت والفلسطيني الهوى والمتحمس كثيراً للتغيير في سوريا، رحل قبل أن يرى بشار يسقط وسبقه صديقه المثقف كريم مروة، وتبعه الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا، الذي كان من رواد الشعر السريّالي في لبنان، ومن أوائل من كتب قصيدة النثر العربية، وهناك المصور العراقي وضاح فارس والباحث جان داية والصحافي طلال طعمة والشاعر جاد الحاج. وهناك الممثل فادي ابراهيم والممثل المصري حسن يوسف والممثل صلاح السعدني والممثلة شيرين سيف النصر، والموسيقار حلمي بكر والمغني عصمت رشيد والمترجم محمد عناني والمطربة شريفة فاضل والقاص حمدي أبو جليل والمفكّر البحريني محمد جابر الانصاري... وعلى الصعيد العالم، رحل الروائي الاميركي بول اوستر، صاحب "ثلاثية نيويورك" والكثير من الروايات والمجموعات الشعرية والأفلام، والروائي الألباني إسماعيل كادريه، والكاتب التشيلي أنطونيو سكارميتا، والسينمائي الفرنسي آلان ديلون، والقاصة الكندية أليس مونرو.

لناحية الجوائز، فازت الكورية الجنوبية هان كانغ بجائزة نوبل للآداب، وقالت الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة، إن هان كانغ -التي تكتب باللغة الكورية- نالت جائزة نوبل "عن نثرها الشعري المكثف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويكشف هشاشة الحياة البشرية". وفاز الجزائري كمال داود، بجائزة غونكور الأدبية الفرنسية عن روايته "حوريات"، ليصبح بذلك أول جزائري ينال هذه الجائزة الرفيعة، ورفعت عليه دعوى قضائية من إحدى بطلات روايته بتهمة الكشف عن أسرار طبية.
سنة اختلطت فيها كوابيس الحرب الإسرائيلية بأحلام سقوط الطغيان، التي لم تعد مجرد أحلام.

المصدر: 
المدن اللبنانية