تخطي إلى المحتوى
"أدب الصحراء" يلامس آمال وآلام المجتمع البيضاني في المغرب ... من الأولى بهذا النوع من الكتابة أهل المنطقة أم أي كاتب على رغم عدم انتمائه؟ "أدب الصحراء" يلامس آمال وآلام المجتمع البيضاني في المغرب ... من الأولى بهذا النوع من الكتابة أهل المنطقة أم أي كاتب على رغم عدم انتمائه؟ > "أدب الصحراء" يلامس آمال وآلام المجتمع البيضاني في المغرب ... من الأولى بهذا النوع من الكتابة أهل المنطقة أم أي كاتب على رغم عدم انتمائه؟

"أدب الصحراء" يلامس آمال وآلام المجتمع البيضاني في المغرب ... من الأولى بهذا النوع من الكتابة أهل المنطقة أم أي كاتب على رغم عدم انتمائه؟

مثل تضاريس الصحراء وطقوس المجتمع البيضاني في المغرب وعاداته وتقاليده التراثية الغنية، يحاول الأدب المرتبط بهذه المنطقة، شعراً كان أو رواية، أن يعبر عن هذه الطقوس والعادات، وأن يوثق حركية وسكون الإنسان الصحراوي في مختلف تجلياته وأحواله العاطفية والاجتماعية والنفسية والإنسانية.
ويسبر القارئ في ثنايا الإنتاجات الإبداعية التي تدخل ضمن إطار ما بات يسمى" أدب الصحراء" ، أغوار البيئة الصحراوية باختلاف مشاربها وتنوع منابعها، فضلاً عن ثراء الطقوس والعادات التي تميز أهل الصحراء في الزواج والطلاق والأعياد والألعاب وباقي مناحي الحياة اليومية.

إشكالية "أدب الصحراء"

وتختلف آراء المهتمين بالشأن الأدبي والثقافي حيال "أدب الصحراء" في المغرب، إذا كان بالفعل صنفاً أدبياً قائماً بذاته، مثل "أدب الطفل" أو "أدب المرأة" أو "أدب السجون" أو "السيرة الذاتية"، أم أنه لا يزال في مرحلة الحبو والتجريب والنمو، مثل أي مولود أدبي آخر يشق طريقه نحو الاكتمال والنضوج.
وإضافة إلى إشكالية مدى نضج تجربة "أدب الصحراء" في المغرب، وإذا كان يستوفي مقومات وملامح الأدب وفق "التخصص المكاني والجغرافي"، أم أنه لا يستوفي هذه الملامح، يطرح البعض إشكالية أخرى تتمثل في سؤال: هل أدب الصحراء يعني أي كاتب على رغم عدم انتمائه إلى المنطقة تحديداً أم يستوجب أن يكتبه "أهل الدار" المتحدرون أساساً من الصحراء؟
وتتوزع المواقف حيال هذه الإشكالية إلى فريقين، الأول يرى أن أدب الصحراء يعني كل من يكتب رواية أو قصة أو يقرض شعراً حتى لو كان يتحدر من منطقة جغرافية أخرى، لأن الأدب لا يشترط الانتماء الجغرافي بقدر ما يتطلب الإبداع في الأسلوب والتمكن من "الصنعة".
ويرى الفريق الثاني أن "أدب الصحراء" يجب أن يشتغل به الأدباء المتحدرون من هذه المنطقة الجغرافية الممتدة، لأنهم أعلم الناس بما يدور ويجري فيها، كما أنهم أكثر الناس التقاطاً للظواهر الاجتماعية والطقوس الشعبية والأحوال النفسية والاجتماعية التي تسم المجتمع البيضاني.
أحد أبرز هؤلاء المبدعين القريبين من نبض المجتمع الصحراوي، هو الأديب والكاتب المغربي محمد سالم الشرقاوي صاحب ثنائية "السيرة والإخلاص" المصنفة في "أدب الصحراء"، والذي أصدر أخيراً رواية "قدر الحساء"، وقبلها في عام 2015 رواية "إمارة البئر"، إضافة إلى بروز أدباء وشعراء شباب اتجهوا إلى الإبداع تحت لافتة "أدب الصحراء".
 تراكم إبداعي

يقول الشرقاوي في هذا الصدد، في حديث مع "اندبندنت عربية"، إن "أدب الصحراء هو تصنيف إجرائي لأعمال شعرية ومتون سردية، نسجت عوالمها في بيئة صحراوية ضمن تراكم معرفي جامع، ينضبط بحسب معايير البناء الأدبي والفني والجمالي". ويرى الشرقاوي أنه "على هذا الأساس تشكلت تجارب أدبية عربية وعالمية رائدة، خلدت الصحراء كفضاء يجمع الندرة والوفرة، والقسوة والحنو، والجلال والجمال، وتميزت بمعالجتها لهذه الثنائيات، باقتدار وحرفية، في تواتر الأحداث وحركة الشخوص".
وأكمل الأديب المغربي، "حيث إننا بقينا في المغرب أوفياء لمدينية الأعمال السردية، منذ الأعمال الروائية الأولى التي ظهرت أواخر الخمسينيات، فإن الأقلام الواعدة التي تنتسب إلى الرواية الصحراوية باتت تحقق، في العشرية الأخيرة، تراكماً مهماً يمكن البناء عليه لتشكيل أركان أدب الصحراء مغربياً".

وتابع صاحب رواية "قدر الحساء" أنه في المغرب هناك حاجة إلى "تواطؤ" الشعراء والأدباء والفنانين، مع السياسيين والاقتصاديين، لإبراز تنوع المجتمع وتعدد مرجعياته الثقافية والحضارية، بما أن الدستور المغربي قد كرس الثقافة الحسانية الصحراوية كرافد مهم من روافد الهوية المغربية.
واستطرد المتحدث شارحاً، "إذا تحرر الشاعر والأديب من واجبات التحفظ التي تطوق غيرهما، يكون بوسعهما تسليط الضوء على بعض مناطق الظل في حياة المجتمع وتسجيل أحوال الناس وتطلعاتهم، في أوقات وأزمنة معينة".

ووفق الشرقاوي فإن "التخصص الموضوعاتي في الأعمال الإبداعية، بأصنافها وباتجاهاتها، يزيد من فرص ترجمة الموروث الشفوي المحلي إلى أعمال مكتوبة يمكن حفظها واستثمارها أكاديمياً، كمادة للبحث العلمي في مجالات التاريخ والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، كما هو شأن أدب الصحراء".
وذهب الشرقاوي إلى أنه "من المنصف تشجيع كتاب وأدباء الصحراء الذين يسهمون بروح متجددة في ترسيخ هوية أدب بخصوصية محلية تستلهم تجارب كبار الأدباء الذين أبدعوا في هذا المجال نظير، عبدالرحمن منيف وإبراهيم الكوني، وغيرهما"، داعياً المؤسسات البحثية والجامعية المغربية إلى أن "تكرس المنجز الشعري والسردي كمادة لمسار علمي أكاديمي متخصص في أدب الصحراء".

رصد التحولات

من جانبه، يعرف الأديب المغربي مصطفى لغتيري "أدب الصحراء" على أنه مجموعة النصوص الأدبية التي اتخذت من الصحراء موضوعاً لها، من خلال جعلها فضاءً للمتون السردية مثلاً، أو باستثمار مكوناتها الطبيعية أو العلاقات الاجتماعية التي تنتج عن استقرار السكان فيها، وحتى في حالات ترحالهم التي كانت صفة مميزة للصحراء إلى زمن قريب".
وأوضح لغتيري لـ"اندبندنت عربية"، أن "هناك أدباء عرب أسهموا بفاعلية في إبراز هذا النوع من الكتابة، مثل عبدالرحمن منيف من خلال ثلاثيته (مدن الملح) مثلاً، حيث انكب بكثير من الانهماك على تيمة الصحراء في شبه الجزيرة العربية، ورصد التحولات العميقة التي طاولتها، ارتباطاً مع اكتشاف النفط، الذي جعل الانتقال من البداوة إلى التحضر سريعاً مربكاً، مما خلق ظواهر اجتماعية معقدة تستحق التأمل".
وتوقف لغتيري عند تجربة الكاتب الليبي إبراهيم الكوني، فقد تخصصت كتاباته في الصحراء، ليفرز نصوصاً أدبية نالت كثيراً من الاهتمام، من بينها رواية "التبر" التي رصد فيها الكوني علاقة الإنسان الصحراوي بالحيوان، وبخاصة الجمل، الذي لا يمكن ذكر الصحراء دون أن يطفو إلى الذهن هذا الحيوان الملقب بـ"سفينة الصحراء".
وأضاف، "استطاع الكوني في هذه الرواية رسم تفاصيل العلاقة المميزة التي تجمع ابن الصحراء بالجمل بشكل بديع، تصل أحياناً إلى حد أنسنة هذا الحيوان، فضلاً عن تقديم صورة بانورامية عن الصحراء وظروف العيش القاسي فيها، لكن الصحراء في المقابل تجعل الذهن حاداً، والأحاسيس يقظة، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للحفاظ على الحياة في فضاء يكون فيه الصراع من أجل البقاء في ذروته".
وأما في المغرب، يقول صاحب رواية "ضجيج الرغبة" إن "أدب الصحراء يظل حاضراً بشكل لا يرقى إلى التطلعات، فعدد الكتاب المهتمين بهذا النوع من الكتابة يبقى محدوداً إلا فيما يخص الشعر الحساني الذي يظل طاغياً في هذا المجال".
ويشرح لغتيري سبب طغيان الشعر على ما سواه في "أدب الصحراء" في المغرب، بأنه "معطى ينسجم مع طبيعة الصحراء التي يغلب عليها الطابع البدوي، مما يجعل أدباءها ينتصرون للطابع الشفهي في الأدب، فيجدون ضالتهم في الشعر الحساني على الخصوص، لكن هذا الواقع لم يمنع ظهور أدباء يوثقون للصحراء وتفاصيلها كتابة".
وأشار لغتيري في هذا السياق إلى أسماء من قبيل محمد باهي الذي أنتج كتابات عدة في هذا المجال، وإبراهيم الحيسن صاحب كتاب "ثقافة الصحراء"، أما على مستوى الكتابة السردية، قصة ورواية، فيمكن الإشارة إلى عبدالعزيز الراشدي صاحب رواية "بدو الحافة" والبتول المحجوب صاحب رواية "بوح الذاكرة وجع جنوبي"، وفتيحة بوجدور صاحبة "حصاد الجدائل"، وهي كتابات إبداعية تلامس هموم ومشاغل وأحلام الإنسان الصحراوي، الذي تنحت الصحراء ملامحه الجسدية والنفسية كذلك.

المصدر: 
اندبندنت عربية